مالك ونوس
ككل عام، يَتحسَّب اللاجئون السوريون في لبنان والأردن للشتاء، والمخاطر التي تحملها الظروف الجوية القاسية التي ترافقه على حياتهم. ومن الملاحظ هذه السنة أن الشتاء كان أكثر قساوةً عليهم، بسبب اختلاط مصاعبه مع عوامل الإحباط التي أحدثها فشل مقترحاتٍ روسيةٍ لتنظيم عودتهم إلى البلاد، والأنباء عن تناول قضيتهم على مستوياتٍ دوليةٍ عليا. وربما تكون تلك المبادرات، والتي عاد الروس إلى الحديث عنها قبل أيام، قد ساهمت في غياب الاهتمام الدولي بأحوالهم، ما جعل منعتهم تجاه الطقس السيئ تخفّ، لولا أن جاءت مبادرة “أغيثوا عرسال” القطرية التي جمعت مبلغ 58.7 مليون دولار، لإغاثة من تأثَّر منهم بالعاصفة الأخيرة، وأضاءت على مأساتهم.
وعلى عكس المرجو من المقترحات الروسية التي تقدّم بها الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، للرئيس الأميركي، دونالد ترامب، خلال قمتهما في هلسنكي، في يوليو/تموز الماضي، كان الإحباط نصيب اللاجئين السوريين في مناطق لجوئهم في العالم، خصوصاً الذين يسكنون الخيم الهشّة في لبنان والأردن وتركيا والداخل السوري. وكثرت التعليقات والتحليلات، يومها، حول هذه المقترحات ومناسبتها ودوافعها، إضافة إلى الكلام عن عدم واقعيّتها بسبب الدمار الهائل الذي لحق بمدن السوريين وقراهم التي نزحوا عنها، علاوة على تسوية كثيرٍ منها بالأرض. وكان قد زاد في عدم واقعية تلك المقترحات إشارتها إلى تنظيم عملية العودة إلى الأماكن التي كانوا يعيشون فيها قبل الحرب، بحسب ما أعلنت وزارة الدفاع الروسية، وهي أماكن ما عادت موجودةً على الأرض، عملياً.
ولا تنفكّ وسائل الإعلام الروسية تتحدث في موضوع هذه العودة، وتَسُوق أنباءً عن عودة مئاتٍ وأحياناً آلافٍ منهم، من دون أن تحدّد المناطق التي عادوا إليها. ومن غير المعلوم إن كانت تشير إلى من فرَّ من المناطق التي شهدت معارك بين قوات النظام والمعارضة المسلحة، أو بين قوات النظام وتنظيم داعش الإرهابي، في الجنوب السوري، السنة الماضية، والتي عاد إليها أهلُها بعد أن نزحوا عنها، خلال تلك المعارك، إلى مناطق سورية مجاورة، أو إلى لبنان، أو إلى المنطقة العازلة مع الأردن. وعاد الجانب الروسي إلى الإعلان عن بحث هذا الأمر بين نائب وزير الدفاع الروسي ومستشار رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبناني، سعد الحريري، يوم الجمعة الفائت في موسكو. وتحدّث بيان وزارة الدفاع الروسية التي أعلنت عن اللقاء عن بحثهما “عودة اللاجئين السوريين إلى منازلهم في الجمهورية العربية السورية”، من دون أن يُحدِّد إن بقيت لديهم منازل يعودون إليها. وقبلها، بحث وزير الخارجية الروسي الأمر مع وزيريْ خارجية لبنان والأردن، هاتفياً، في 15 يناير/كانون الثاني الجاري.
من المستغرب عودة موسكو إلى الحديث في هذا الأمر، مع العلم أن ستة أشهرٍ مضت منذ الإعلان عن مقترحيْها، إنشاء مراكز لمساعدة اللاجئين العائدين إلى مناطقهم، وعن إقامة مراكز مؤقتةٍ لإيواء العائدين، ريثما يُعاد بناء مناطقهم التي تهدَّمت، لكن لم يسجّل أن مراكزَ من هذا القبيل قد أُنشئت خلال هذه الشهور الستة. ومن المستغرب أن هذا الحرص الروسي على اللاجئين لم يصحبه إطلاق أي مبادرةٍ روسيةٍ، أهليةٍ أم حكومية، لإغاثتهم في مِحَنِهم خلال أشهر البرد المميت، أو حتى مبادراتٍ لتحسين ظروف لجوئهم، ريثما يجري تحضير البنية التحتية في سورية لاستقبالهم.
لا بدَّ أن مبادراتٍ روسيةً من هذا القبيل، كانت كفيلةً بوقايتهم من الإحباط والمآسي التي أصابتهم خلال هذا الشتاء، والمتوقع أن تصيبهم في ما تبقى له من أيام. كما أنها كانت كفيلةً بألا تجعل منظماتٍ أهليةً، في لبنان أو قطر، تهرع إلى نجدتهم سريعاً خلال “العاصفة نورما” التي ضربت المنطقة، في 8 يناير/ كانون الثاني الجاري، والتي دمرت خيامهم، وأماتت عدداً من أطفالهم تجمُّداً. وقد أحدثت صور مآسيهم، خلال هذه العاصفة، جروحاً في إنسانية كل من اطلع عليها. حتى إن الحملة التي أطلقتها جمعية قطر الخيرية، “أغيثوا عرسال” أعلنت أنها تأمل جمع خمسة ملايين دولار، إلا أن حجم الكارثة دفع المواطنين القطريين والمقيمين في قطر إلى التبرع بـ 58.7 مليون دولار خلال ساعات. كما أن هولها دفع مواطنين لبنانيين وجمعياتٍ أهليةٍ لبنانيةٍ إلى إطلاق نداءاتٍ لفتح أبواب المدارس ودور العبادة، وحتى المنازل، لهؤلاء اللاجئين، لوقايتهم من موتٍ مُحتَّمٍ.
وعوضاً عن حملاتٍ إغاثيةٍ روسيةٍ من هذا القبيل تعبِّر عن نياتٍ روسيةٍ حسنةٍ تجاههم، استمر الإعلام الروسي يتحدث عن عودةٍ مستمرةٍ لأعدادٍ من اللاجئين إلى مناطقهم، نافخاً في الأرقام أضعاف ما أعلنت عنه مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. إذ تحدثت هذه المفوضية عن عودة 37 ألف لاجئ سوري طواعية سنة 2018، في حين تحدثت مصادر روسية عن 114 ألف منهم. ومن غير المعلوم إن كانت تهدف هذه المصادر الروسية إلى تشجيع آخرين على عودةٍ يرفضونها، في ظلِّ عدم توفر الشروط المناسبة لعودتهم، سياسياً ولوجستياً، أم إلى زيادة نسبة إحباطهم، في ظلِّ الوعود الخُلَّبيّة التي لم تفعل سوى زيادة صقيع انتظارهم.
المصدر: العربي الجديد