أحمد مظهر سعدو
بعد أن أقر مجلس النواب الأميركي مشروع “قانون قيصر” الذي يقضي بفرض عقوبات أميركية على نظام الأسد وداعميه. وحسب تقارير إعلامية أميركية فإن القانون أُقر خلال جلسة لمجلس النواب الأميركي، الثلاثاء الفائت 22 كانون ثاني / يناير 2019، بحصوله على موافقة 55 نائبًا فيما عارضه 43 آخرون، وامتنع البقية عن التصويت. ويبقى أن قانون قيصر ينتظر موافقة مجلس الشيوخ الأميركي حتى يصبح ساريًا وملزِمًا للرئيس، دونالد ترامب.
علما أن قانون قيصر هو مشروع قانون أقره مجلس النواب الأميركي، في 15 تشرين الثاني/ نوفمبر 2016، وينص على معاقبة كل من يقدم الدعم لنظام الأسد، ويلزم رئيس الولايات المتحدة بفرض عقوبات على الدول الحليفة للأسد.
وكان سؤالنا لبعض المحامين والكتاب السياسيين السوريين: هل سيصبح هذا القانون ساريًا وواقعيًا في التطبيق بعد إقراره من مجلس الشيوخ؟ وهل سيغير في واقع النظام السوري إقليميًا وعالميًا؟ وإلى أي حد يمكن ان يكون ذلك كذلك؟
المحامي علي رشيد الحسن رئيس تجمع المحامين السوريين الأحرار أكد لصحيفة جيرون أن ” الشعب السوري واجه عدوانًا كبيرًا من قبل عصابة الأسد وداعميه روسيا وإيران وحزب الله، منذ انطلاق الحراك الثوري السلمي نحو الديمقراطية في سورية، هذه القوة التي تقتل وتدمر بدعم من الطيران السوري والروسي، الذي يلقي القنابل والبراميل الغبية على المشافي والمدارس، والقصف المتعمد للمرافق الطبية والمناطق السكنية وأماكن التجمعات البشرية كالأسواق والأفران. ومع ذلك فشل المجتمع الدولي في حماية المدنيين من هجمات قوات الأسد وداعميه، وقد مارست قوات الأسد وفروعها الاستخباراتية التي ربما تجاوزت عددها ١٤ فرعًا في دمشق لوحدها، مختلف أنواع الخطف ثم التعذيب والقتل والإعدام، خارج نطاق القانون، والتي تعتبر جريمة ضد الإنسانية بحق المدنيين، من كل عرق وكل حزب، سنة أم شيعة، مسيحية أو علوية، وليس من أحد آمن في ظل النظام السوري”. ثم أضاف الحسن ” الولايات المتحدة الأميركية تشاهد هذا العمل الوحشي طوال هذه الفترة، باعتبار أن لها مصالح في سورية. وقد استمعت لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس لشهادات مؤلمة من بعض السوريين بمن فيهم المنشق المعروف الآن باسم القيصر، الذي شهد هذا التعذيب ووثق الصور بالأرقام وسربها، وبعد طول مدة أعلن البيت الأبيض أن الادارة الاميركية تدعم مرور قانون حقوق الإنسان رقم ١٦٧٧ والمعروف ب قانون(سيزر) سوريًا لحماية المدنيين، ولعدم إفلات مرتكبي جرائم الحرب في سورية من العقاب وتهيئة الظروف المناسبة للمضي قدمًا بالحل السياسي في سورية. هذا القانون سيتيح مساءلة المسؤولين السوريين عن ذبح المدنيين وغيرها من الفظائع التي ارتكبوها في سورية ومعاقبة كل من يدعم النظام السوري، بما فيه روسيا وإيران وحزب الله كذلك، وسيساعد هذا القانون في توفير المزيد من النفوذ لتحقيق أهداف الحكومة الأميركية ودعم عملية السلام التي تقودها الأمم المتحدة، والانتقال إلى حكومة في سورية تحترم حقوق الإنسان، ما يسمح بالتعايش السلمي في المنطقة.” ثم تابع يقول ” بعد أن يقر هذا القانون من مجلس الشيوخ وبعد مرور١٨٠ يومًا سيصبح ساريًا في التطبيق، ويعتبر هذا القانون المرة الأولى منذ انطلاق الحراك الثوري السلمي نحو الديمقراطية في سورية حيث تدين عبره جهة رفيعة، نظام الأسد بارتكاب جرائم أدت إلى مقتل آلاف من المدنيين في سورية. والهدف من القانون هو زيادة الضغط على الأسد وداعميه باستهداف دعائم اقتصاده التي تعطيه حصانة للقتل وعلى حساب الشركات الخارجية والبنوك التي سيتحتم عليها الاختيار بين العمل مع النظام الذي يقوم بهذه الأعمال أو مع الولايات المتحدة الأميركية لإحلال السلام في سورية، وكذلك مع جميع الأطراف للعمل معًا، لكن سلبيات هذا القانون أنه صادر عن دولة وليس عن هيئة الأمم المتحدة، ونحن في تجمع المحامين السوريين الأحرار نطالب بإعادة تأكيد موقف دولي أميركي من العصابة الحاكمة لسورية بعد موقف بريطانيا وأوربا بالحل السياسي في سورية، إضافة إلى قانون سيزر والضغوط الأوربية على نظام الأسد وفق قرار مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة رقم 2254 لأنه من أَمِنَ العقاب أساء الأدب، ولطالما كان بإمكان الأسد وداعميه ذبح المواطنين السوريين بلا عواقب فليس هناك أمل بالسلام”.
الكاتبة السورية مانيا الخطيب قالت ” لا شك بأن وصول القضية السورية إلى دوائر صنع القرار العالمي وإقرار قانون يعاقب كل من يقدم الدعم لنظام الأسد هو إنجاز جيد من حيث المبدأ، وخطوة بالاتجاه الصحيح، بعد أن عانى الشعب السوري لأكثر من نصف قرن من التعتيم التام على الانتهاكات الجسيمة المنتهكة بحقه. ولا شك بأننا كسوريين نشهد اليوم أمورًا لم نكن نحلم حتى بحدوثها، وإن هذه الخطوة هي تقدم إلى الأمام في الطريق الوعر والعسير نحو تحقيق العدالة في سورية. إلا أنه من جهة أخرى، فإن جوهر مشكلتنا مع نظام الأسد هو أنه ذو طبيعة مافيوية خارجة عن القانون، وأن حلفائه المخلصين له من الروس والإيرانيين هم من نفس تلك الطبيعة المافيوية، بالإضافة إلى أن الإجراءات النافذة التي كانت من الممكن أن تحدث من قبل العالم المتحضر، لم تحدث بعد، وأن ما حدث لم يصل بعد إلى مستوى تفكيك البنية الداخلية لهذا النظام”. ونبهت الخطيب إلى أنه ” على سبيل المثال لا الحصر، لا زال ملف المعتقلين الذي هو الأهم على الإطلاق، هو أمر لم يستطع أحد أن يصل فيه إلى حل جذري. لذلك فإن الجواب على سؤال فيما إذا كان هذا القانون سيغير حقًا في واقع النظام السوري إقليميًا وعالميًا هو أنه لن يحدث تغير وازن، بل ربما يكون فصلًا جديدًا من فصول إدارة الأزمة، التي من مصلحة الجميع فيها (ما عدا الشعب السوري بالطبع) هو أن تستمر في الوقت الحاضر على الأقل حالة الشلل السياسي في سورية والتي تضمن وقتًا أطول لترتيب الملفات الإقليمية والدولية المتشابكة في سورية، والتغيير الحقيقي والوازن الذي يمكن أن يحدث هو فقط على أيدي السوريين أنفسهم حتى وإن طال الزمن”.
أما الكاتب الصحفي مصطفى السيد فله رأي مختلف إذ قال ” القانون يأتي ضمن سلسلة الأكاذيب الأميركية لمزيد من خداع السوريين وتضليلهم لمواصلة المذبحة السورية. فالعقوبات الأميركية لا تطال حتى اللحظة إلا ملايين السوريين الذين طحنهم نظام القتلة بالبراميل. والتأثير الأساسي يقع على السوريين داخل البلاد وفي المهجر. فما معنى أن تطال العقوبات المهاجر السوري الذي يحول ١٠٠ دولار عبر شركات التحويل السريع وتبقى مليارات وملايين الدولارات تتحرك بين حسابات كبار حرامية سورية خارج سورية؟ وما معنى أن تطال العقوبات وقود التدفئة للسوريين الذين يقصفهم البرد ونظام الاستبداد يتابع استبداده؟”. ثما ناشد بالقول ” على الحكومة الأميركية وقف اعتداءاتها على الشعب السوري ووقف عمليات التدمير الاستراتيجي لمقومات حياة الشعب السوري”. الكاتب والمعارض السوري محمد خليفة دعا إلى ” ملاحظة أن مشروع القانون اجتاز سباقًا ماراثونيًا بسرعة سلحفاة، منذ أن وصلت إلى واشنطن عام 2014 55 ألف صورة لمعتقلين سوريين أبرياء قتلوا بطرق وحشية ومنهجية في زنازين الأسد، وإلى أن وافق مجلس النواب الثلاثاء الماضي على إصدار قانون لمحاسبة الأسد وزبانيته وحلفائه على كل جرائمه وانتهاكاته لحقوق الانسان. وما زال أمام القانون مرحلة أخرى قبل أن يصدر وينتقل الى مرحلة التطبيق، ولذلك لا يستحق التهليل له. رحلة القانون البطيئة تعكس سوء تعاطي إدارتين متتاليتين مع المسألة السورية، رغم أنها باعتراف مراقبي الأمم المتحدة أشنع هولوكست شهده العالم منذ الهولوكست النازي. ولقد عايشنا طوال ثماني سنوات سياسة أميركية باهتة في العلن، ومتواطئة في السر مع أطراف مذبحة العصر روسيا وإيران والأسد، ولولا هذا التواطؤ، ما تواصلت المذابح على الهواء مباشرة وعلى مرأى من العالم بالصوت والصورة ثماني سنوات. وإذا كان الشيء بالشيء يذكر فعلينا تذكر أن الرئيس كلينتون حين حزم موقفه من جرائم الصرب في البوسنة عام 1995لم يطرق أبواب مجلس الأمن الدولي، بل أصدر أوامره للناتو مباشرة فتوقفت الحرب وسيق قادة المجزرة إلى المحكمة الدولية. وعلينا أيضا ملاحظة أن الموقف الاميركي خضع لعوامل ضغط خفية ذات طبيعة سياسية لا حقوق انسانية، ولذلك تعطل صدوره. فإسرائيل ولوبيها اليهودي لعبا دور محامي الشيطان السوري، وكذلك النزاعات بين الجمهوريين والديمقراطيين، وتراجع مكانة حقوق الانسان في السياسة الأميركية، فكلها عوامل أكملت صورة الموقف الأميركي المخزي “. ثم أضاف خليفة ” قياسًا على هذه الملاحظات ليس بالإمكان تعليق آمال كبيرة على أن يكون للقانون فعالية ونتائج عملية في ملاحقة المجرمين والقتلة، لأن السياسة والمصالح أقوى من القانون وحقوق الانسان والقيم الاخلاقية. أنا على يقين أن القانون سيصدر في النهاية، لا لكي يعاقب المجرمين ولكن ليحمي سمعة أميركا كدولة راعية لحقوق الانسان والقانون الدولي، وأنا على يقين أيضًا أن تنفيذه لن يكون جديًا ويكون مرهونًا بأهواء السياسة الخارجية وتقلباتها. القانون باختصار مثل حكم يصدره النقاد على مخالفات وقعت في مباراة كرة قدم بعد نهايتها وبعد أن أصدر حَكَمُ الساحة الرسمي قرار فوز الطرف الذي ارتكب المخالفة. فهو قرار قد يعيد الاعتبار للطرف الآخر ويعوضه معنويًا، لكنه لن يقدم ولن يؤخر في واقع الأمر بالحقائق التي ترتبت على الأرض”.
المصدر: جيرون