أخذوا من شباب الميدان معظم المفاتيح التي كانت بحوزتهم بحجة اختصاصهم بفتح الأبواب وحل الألغاز لكنهم لم يجيدوا استخدامها فالتقطها أعداؤهم حتى باتت معظم مفاتيح المسألة السورية في أيد غير سورية.
في الطب تؤثر الهورمونات على الخلايا وتوصل لها رسالة وظيفية محددة عبر ارتباطها بمستقبلات نوعية موجودة على جدار الخلايا. تأخذ هذه المستقبلات شكلًا فراغيًا متناسبًا مع الشكل الفراغي لبنية الهورمونات الكيميائية بحيث يتمكن هذا الهورمون دون سواه من الارتباط المحكم بهذا المستقبل دون سواه ومن ثم إيصال الأمر الوظيفي الخاص بهذا الهورمون لكي تضعه الخلية موضع التنفيذ. هذا الارتباط يسمى بعلاقة (القفل – المفتاح). القفل الذي صمم بطريقة لا يستطيع أن يفتحه سوى مفتاح واحد مزود بأسنان يتناسب ارتفاعها عكسًا مع ارتفاع القطع الرصاصية الصغيرة الموجودة داخل القفل. يمكنني الادعاء أن هذه المعادلة الذهبية (القفل – المفتاح) قادرة على أن تفرض نفسها في معظم الحقول والمجالات التي تحكم المجتمعات البشرية العاقلة. فهي حاضرة في عالم السياسة والفكر. في عالم النفس والمعاني. في عالم العقل والقلب. في عالم التقنية والميكانيك. وفي عالم الاجتماع على مستوى الأسرة والمؤسسة والحي والمدينة والعلاقات بين الناس على اختلاف مشاربهم وانتماءاتهم ومواقعهم. فأنت بحاجة إلى اختيار المفتاح المناسب لكي تدخل إلى عالم ابنك المشاكس وابنتك المراهقة وجارك العابس وأقاربك المتربصين وأصدقائك الغيورين ورب العمل النرجسي وزبونك الانتهازي. أنت بحاجة إلى المفتاح المناسب لكي تدخل قلب محبوبك وتكسب رضى والديك وترمم العلاقة مع إخوتك وتكسب ثقة أصدقائك. أنت بحاجة إلى المفتاح المناسب لكي تكسر الجمود في علاقتك مع زوجتك وزملائك في العمل وجيرانك. أنت بحاجة إلى المفتاح المناسب كي تفك عقدة نفسية أو عاطفية أو تحل مشكلة عائلية تعاني منها أو يعاني منها مقرب إليك أو واثق بقدراتك أو طالب لاستشارتك، حتى علاقتك مع الله تحتاج منك أن تعرف مفاتيح الأبواب التي توصلك إليه وتكسبك محبته ورضاه. فللغيب أيضًا أبوابه وأقفاله وقوانينه ومعادلاته والتي لا يستطيع أن يفهمها ويفك رموزها إلا من امتلك المفتاح المناسب للموصد من أبوابها. بل إن القرآن الكريم – وهو كلام الله عز وجل – أوصل رسالته النبيلة للبشر عبر مستقبلات (أسباب النزول) نفذ من خلالها إلى قلوبهم وعقولهم وسلوكهم على شكل قوانين وضوابط حددت ملامح مجتمعهم. في السياسة والمعارك الدبلوماسية لا يمكنك النجاح دون امتلاك رزمة كبيرة من المفاتيح بأشكال وألوان ونماذج متنوعة تسمح لك بالمرور عبر طرق فرعية عندما يغلق أمامك الباب الرئيسي. كذلك الأمر في الحرب والمعارك الميدانية. ومن يفتقد تلك الرزمة ويعرض عن المسارات الفرعية والجانبية سيصطدم مرات عديدة بجدر الواقع الصعب وربما تنهار قواه وتتكسر عظامه في مواجهة تلك الجدر ومحاولة كسر تلك الأبواب. ومع أن المقالة غير سياسية، إلا أن الوضع السوري يفرض نفسه على عقول السوريين وأمزجتهم فتختلط عندهم كل الأفكار برائحة الثورة، وتمتزج كل العواطف والأحاسيس بتراب سورية الأحمر. فسُحب الفكر والوجدان تتشكل من بخار دماء شهدائها الذي يصعد إلى السماء ويتكثف فيها غيوم غضب لتمطر في أرضها الحزينة صبرًا وحبًا وفكرًا وكلمات. كل الدروب المتجهة من العقل أو القلب أو الخيال تصل إليها، فلا حياة لفكرة إلا إن شربت من مائها وامتدت جذورها في أعماق تربتها. الوضع السوري اليوم يشبه متاهة كبيرة متشابكة كتلك التي نراها في الألعاب الالكترونية. لديها الكثير من المراحل والطرق المغلقة والعديد من الأبواب المؤصدة ولن تفوز وتصل إلى النهاية وتنتقل إلى المرحلة التالية إلا بعد أن تجد مفاتيح جميع أبوابها المغلقة. ولأن المفاتيح متناثرة ومبعثرة هنا وهناك فهي بحاجة إلى فنان حاذق ولاعب ماهر يعرف أين يجدها وكيف يستخدمها. لقد استطاع شباب الثورة في الميدان امتلاك معظم مفاتيحها وعندما أوشكوا أن يصلوا إلى نهايتها تدخلت كل قوى الدنيا لمنعهم من الحصول على مفاتيح قفل بابها الأخير. أما سياسيوها فقد فشلوا فشلًا ذريعًا في الحفاظ على أي من مفاتيح الحل. لقد ضاعوا في تلك المتاهة وأضاعوا. أخذوا من شباب الميدان معظم المفاتيح التي كانت بحوزتهم بحجة اختصاصهم بفتح الأبواب وحل الألغاز لكنهم لم يجيدوا استخدامها فالتقطها أعداؤهم حتى باتت معظم مفاتيح المسألة السورية في أيد غير سورية. وبتنا بحاجة إلى طرق أبواب اللئام لإكمال الطريق والوصول إلى نهاية اللعبة. كثيرًا ما نفشل في حل معضلة أو عبور مرحلة أو تجاوز أزمة لعدم امتلاكنا مفاتيح أبوابها المؤصدة، أو لعدم قدرتنا على اختيار المفتاح المناسب للقفل المناسب. فرزمة كبيرة من المفاتيح لن تدخلك البيت إن لم تكن تعرف المناسب منها لفتح قفل بابه. وستضطر أن تنام خارجه أو تكسر بابه فتكشفه لكل لص أو متربص إن لم تكن تعرف المفتاح الصحيح للباب المغلق في وجهك. الكثير من المسائل التي تواجهنا والقضايا التي تعترضنا بسيطة للغاية، وقد يكون حلها سهلًا إلى درجة أن كلمة أو إشارة أو تصرف عفوي يمكنه أن يضع حدًا نهائيًا لها وبالمقابل فإن الكثير من المشاكل المعقدة والكبيرة الزوجية والعائلية والاجتماعية والسياسية وحتى الدولية تنشأ بسبب سلوك خاطئ أو كلمة جارحة أو تصرف غير مسؤول. إن هذه الكلمة وذاك التصرف هو المفتاح الخاطئ ولا يمكنه بحال أن يفسح المجال أمامك لإكمال مسيرتك والوصول الى هدفك. والسؤال المهم كيف نستطيع امتلاك المفتاح المناسب لإنهاء حالة الانسداد في القضايا التي تواجهنا. لا بد أولًا من الإحاطة بظروف المسألة وفهمها والاندماج بمكوناتها ومعرفة أسبابها المباشرة وغير المباشرة وعوامل نشوئها وتطورها. لتأتي بعدها الخطوة الثانية شديدة الأهمية وهي القدرة على تصورها وتخيلها بأسلوب يسمح لك برسم صورة فراغية لها في ذهنك بكامل تعرجاتها وزواياها. وهذه المهارة بحاجة إلى إنسان حاذق لديه القدرة على التجرد والاستقراء وقراءة المستقبل انطلاقًا من معطيات الواقع. إنسان يقوم بدور الرسام الذي يختار من الألوان ما يخدم لوحته المرسومة في ذهنه أولًا ثم يمزجها بمقادير مناسبة ليصنع منها تحفة فنية تبهر العين وتلفت الانتباه. بعدها فقط يمكنك سكب المفتاح الملائم المناظر لشكلها الفراغي والقادر على الارتباط المحكم بها وفتح أقفالها وإيصال الرسالة المطلوبة للطرف الآخر. لطالما فتحت القلوب بهمسة، وانتعشت الأرواح بلمسة، وهدأت النفوس ببسمة، وخمدت النار بنظرة، وانتصر الحق بكلمة، وهزم الطغاة بفكرة. هي مفاتيح دربك الطويل نحو الهدف النبيل. احرص عليها.
I was reading through some of your content on this
internet site and I conceive this website is real informative!
Continue putting up.Blog money
Muchas gracias. ?Como puedo iniciar sesion?