حسن فحص
هل نجحت إيران في انتزاع العراق من القبضة الأمريكية وإدخالها في فلكها بشكل شبه تام؟ أم أن الوقت مازال مبكرا لمثل هذا الحديث، على الرغم من كل المؤشرات التي تصدر عن بغداد وتعزز هذا التوجه؟
القرار الأمريكي بالانسحاب من سوريا، وإن جاء سريعا أو بطيئا، خلال أربعة أشهر، كما اشار الرئيس الامريكي دونالد ترامب، أم أخذ مزيدا من الوقت، إلا أن طهران تعتبر أن الانسحاب واقع لا محالة، وأن هذا المسار قد بدأ ولا يمكن أن يقف، وبالتالي فإنه منح طهران الجرأة للعمل والحديث، في الوقت نفسه، عن فرض انسحاب من العراق أيضا، من خلال التأسيس لمسار محاصرة هذا الوجود، عبر الإيحاء لبعض القوى المقربة منها في الحشد الشعبي، بتوجيه تهديدات للقوات الامريكية، بإمكانية استهدافها في المراكز والقواعد التي توجد فيها، أو من خلال إثارة الرأي العام عبر تأليب مجموعة من نواب البرلمان العراقي لطرح هذه المسألة، عبر تقديم مشروع قانون يناقش الوجود الأمريكي في العراق، وحدود اتفاقية إطار التعاون الاستراتيجي بين البلدين.
الاستفزاز الأمريكي لطهران في العراق، تسبب في إحراج كبير لكل القيادات العراقية السياسية الموزعة بين مطرقة الرضا الإيراني وسندان الدعم الأمريكي. وتجاوز الإحراج إلى المرجعية الدينية التي تعمل لتكون «الحارس» الأمين للعراق حاضرا ومستقبلا، وأن تكون بعيدة عن الدخول في مواجهة مع أي طرف قد يحسب لصالح طرف آخر. إلا أن موقف الإدارة الامريكية الصريح حول دور قواتها المنتشرة في العراق بمراقبة إيران، اضافة إلى الزيارة المختلسة للرئيس الامريكي للقاعدة عين الاسد، وما حملته من استخفاف بالحكومة العراقية وسيادتها، حدت بالمرجعية لإعادة التأكيد على ثوابتها في الدفاع عن السيادة واستقلالية وحيادية الموقف العراقي في الصراعات الاقليمية، من خلال رفضها لتحويل العراق إلى أرض أو منصة تستخدمها واشنطن في حربها ضد إيران. وهو موقف ينسجم مع الدور الوطني والتاريخي الذي لا يسمح بالمقابل لإيران في تحويل العراق إلى ساحة صراع مع واشنطن، وجعله ساحة تصفية حسابات إقليمية، وهي لن تتردد في إعلان موقف مشابه في حال جاء التدخل من أي دولة أخرى، عربية كانت أو غربية.
هذه التطورات والاستفزازات أعطت القيادة العراقية الحافز لاتخاذ موقف واضح من توجهات وتصريحات الادارة الامريكية، حول مهمة قواتها في العراق، وعلاقته بإيران، فكان موقف رئيس الجمهورية برهم صالح وضرورة الحصول على تفسيرات من واشنطن حول دور قواتها، فيما رفع رئيس الوزراء عادل عبد المهدي سقف الموقف، الذي ابتعد عن التردد باتجاه الحسم، معلنا أن بلاده لن تلتزم بالعقوبات الامريكية على طهران، وبذلك يكون قد تخلى عن محاولة التوفيق بين الرغبتين الامريكية بالدخول في دائرة المقاطعين، والإيرانية التي تعمل ليكون العراق الحديقة الخلفية التي عبرها تكسر الحصار الأمريكي.
الإعلان عن توقيع اتفاقية تتعلق بآلية التسديد المالي بين البنكين المركزيين العراقي والايراني عبر رئيسيهما علي العلاق وعبدالناصر همتي في بغداد، تشكل مؤشرا واضحا على قدرة إيران على فرض توجهها على حكومة بغداد مقابل الضغوط الامريكية، خصوصا أن هذا التوقيع يحتل اولوية على أجندة الحكومة الإيرانية، الساعية لتعزيز العلاقة والتعاون بين الحكومتين بموازاة الجانب العسكري، وسبق أن كان على رأس الموضوعات التي طرحها الرئيس روحاني خلال مباحثاته مع نظيره العراقي برهم صالح خلال زيارته إلى طهران في 17 نوفمبر/تشرين الثاني 2018. وبالتالي باتت باستطاعة إيران الحصول على عائدات بيع العراق الغاز والكهرباء نقدا مستقبلا بمقدار 200 مليون دولار شهريا، والديون المترتبة على بغداد عن المرحلة الماضية، التي تصل إلى حدود 2 مليار دولار.
واللافت في زيارة الحاكم المالي الإيراني هتمي إلى بغداد، وجود وزير النفط بيجن نامدار زنكنه في عداد الوفد المرافق، الذي يحمل مؤشرا على مستقبل العلاقة بين البلدين ودور العراق في الموضوع النفطي، وعملية الالتفاف على العقوبات التي تطال هذا القطاع، إضافة إلى أهمية العراق في عبور الانابيب الإيرانية للنفط والغاز باتجاه سوريا والبحر الابيض المتوسط، وعبره إلى العالم. وهو الذي أكد قبل زيارة بغداد أن العراق قادر بسهولة على تقديم المساعدة لإيران.
الاتفاقية المالية بين مركزيي البلدين، تشكل حلقة من حلقات التفاهمات التي اتفقت طهران عليها مع الرئيس العراقي في طهران، وهي تعمل على بلورة الحلقات الأخرى، التي تتعلق بموضوع الربط الحديدي (سكك الحديد) بين مدينتي خرمشهر والبصرة، وبالتالي ربط إيران برا مع سوريا، إضافة إلى موضوع التوأمة بين المدن الحدودية وتثبيت التعرفة الجمركية، ما يسهل عملية التبادل وتعزيز التعاون التجاري الثنائي، الذي يشكل الأرضية الأسهل والاسلم والأكثر أمنا لكسر دائرة العقوبات والحصار.
المصدر: القدس العربي