نشرت شركة سيريتل السورية للهاتف الخلوي، التي يملكها رامي مخلوف، ابن خال بشار الأسد، في موقع سوق دمشق للأوراق المالية النتائج الأولية للسنة المالية 2018، وقد ورد في نتائج الإفصاح أن الشركة سددت للخزينة العامة للدولة 41.19 مليار ليرة سورية (ما يعادل 95.8 مليون دولار وفق السعر الرسمي) من إيراداتها الإجمالية البالغة 184.14 مليار ليرة (428.2 مليون دولار).
ويعادل ما سددته الشركة لخزينة الدولة نحو 22.36% من إجمالي الإيرادات، تمثل حصة الحكومة السورية من تلك الإيرادات، مضافًا إليها قيمة الترابط مع الشركة السورية للاتصالات والأجور والمساهمات السنوية للهيئة المنظمة لقطاع الاتصالات.
لكن حصة الدولة بحسب شروط عقد إنشاء الشركة الذي أبرم عام 2001، هي 60% من إجمالي الإيرادات للعام 2018.
وقد دخل العقد حيز التنفيذ في 14 فبراير/شباط 2001 لمدة 15 عاما تنتهي في فبراير/شباط 2016، في صفقة سادها فساد كبير.
ونص العقد على منح شركة سيريتل حق تأسيس شركة تشغيل خلوي (شبكة هاتف محمول) وفق مبدأ BOT (التشييد والتشغيل ونقل الملكية) لمدة 15 سنة تعود ملكية الشركة في نهايتها للدولة السورية ممثلة بمؤسسة الاتصالات العامة.
ووفق العقد تكون حصة الخزينة العامة 30% من إجمالي إيرادات سيريتل خلال السنوات الثلاث الأولى، وأن ترتفع إلى 40% خلال السنوات الثلاث التالية، ثم 50% خلال السنوات التسع المتبقية من مدة العقد وهي 15 سنة، على أن تعاد الشركة إلى الدولة بكاملها بعد انتهاء تلك السنوات.
وفي حال تمديد العقد بإرادة الدولة، سترتفع حصة الدولة من إجمالي الإيرادات إلى 60%، ما يقتضي أن تصل إلى 103.1 مليارات ليرة من أصل 184.14 مليار ليرة، أي أن عدم تنفيذ بنود العقد يشير إلى ضياع نحو 61.9 مليار ليرة (144 مليون دولار) على خزينة الدولة خلال 2018 فقط.
وتشير البيانات إلى مخالفة العقد للمصلحة الوطنية، حيث يجري التفريط بحق الخزينة العامة لصالح رجل أعمال قريب من بشار الأسد.
وتظهر عمليات تشغيل الهاتف الخلوي عمليات فساد منذ بداية تأسيسها، فالأمر ذاته ينطبق على شركة MTN وهي الشركة الثانية التي تقدم خدمات الهاتف النقال في سورية، وتتبع مجموعة متعددة الجنسيات تأسست في جنوب أفريقيا.
فمؤسسة الاتصالات السورية لم تكن هي من أسس شركة للخلوي، رغم أنها شركات مربحة جداً أو كما يصفها السوريون “مزراب ذهب” كما هو معروف على نطاق واسع، بل جرى ترك الأمر للقطاع الخاص بحجج واهية.
كما لم يتم اتباع طريقة منح امتياز، مما كان سيدر على الدولة ملياري دولار على الأقل تدفع فور منح الامتياز، بواقع مليار دولار من كل شركة، يدفعها المشغل الخاص لنيل الامتياز، ثم يدفع حصة من إيراداته للدولة.
وجرى تطبيق نظام BOT، وهو نظام لا يرتب على المشغل الخاص دفع أي مبالغ فورية للدولة، وإنما حصة من الإيرادات المتحققة، وبذلك فقد يكفي أن يستثمر كل مشغل خاص بضع عشرات من ملايين الدولارات فقط بدلاً من أكثر من مليار دولار، ثم يعطي الدولة حصة من الإيرادات الفعلية، لكن عدم تنفيذ بنود العقود المبرمة ضيع على الخزينة العامة مبالغ كبيرة لصالح عمليات فساد.
وبعد تصميم طريقة الاستثمار وفق شروط تناسب المستثمر على حساب الخزينة العامة، جرى تفصيل الإعلان عن مشغلين للهاتف الخلوي في سورية، وتم إبعاد الشركات المنافسة جميعها بشكل مخالف لأبسط قواعد المزايدات الحكومية، وتم إرساء العقدين على عرضين أحدهما لرامي مخلوف وهي شركة سيريتل، وأخرى لنجيب ميقاتي المستثمر اللبناني صديق النظام، ومخلوف شريك غير معلن فيها وهي شركة MTN.
وعلى مدى كافة السنوات السابقة منذ 2001 كان مخلوف، هو من يتحكم بكافة القرارات التي تتعلق بقطاع الخلوي في سورية ويفرض الأسعار والشروط على هواه.
وكان عضو مجلس الشعب رياض سيف قد أصدر دراسة عام 2001، بين فيها كل عناصر الفساد والأموال التي ضاعت على الدولة. وقد دفع ثمن ذلك اعتقاله الأول في سبتمبر/أيلول من ذلك العام لمدة خمس سنوات مع رفاقه التسعة الآخرين، ثم اعتقل ثانية في 2007 لمدة سنتين ونصف، وتم دفعه نحو الإفلاس بدعاوى ضريبية ملفقة.
نص عقد الخلوي الفاسد على حق الدولة في إدخال مشغل ثالث بدءا من السنة السابعة، أي في 14 فبراير/شباط 2008، وهذا يعني أن جزءا من المشتركين في شركتي رامي مخلوف سيذهبون إلى المشغل الثالث الجديد، كما أن المشغل الجديد سيزيد من منافستهم ويضطرهم لتخفيض أسعار خدماتهما التي كانت مرتفعة.
ولكن لم يتم إدخال المشغل الثالث، ولم يتجرأ أحد في مؤسسة الاتصالات الرسمية أو وزارة الاتصالات أو رئاسة الوزارة على طرح هذه الفقرة التي جاءت في العقد.
ولاستكمال حلقة الفساد، أصدر نظام بشار الأسد بتاريخ 1 يونيو/حزيران 2010 القانون رقم 18 والذي نص على إنشاء شركة مساهمة تسمى الشركة السورية للاتصالات، تحل محل المؤسسة العامة للاتصالات وتخضع لقانون التجارة بدلاً من قانون المؤسسات العامة، فكانت الشركة الوحيدة في سورية التي جرى تحويلها إلى شركة مساهمة وأخضعت لقانون الشركات.
والسبب وراء هذه الخطوة كان التمهيد لبيع حصة كبيرة منها لرامي مخلوف استعدادا لمواجهة إعادة شركتي الخلوي للدولة الذي يستحق في فبراير/شباط 2016.
ولكن مع اندلاع الثورة السورية في مارس/آذار 2011، تملص نظام الأسد من هذا الشرط، واستغل مناخ الصراع لمزيد من نهب المال العام. وقال الدكتور رياض حجاب، رئيس الوزراء المنشق، في مقابلة مع قناة الجزيرة في 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2014: “تحدث معي بشار الأسد، وأنا رئيس حكومة عام 2012، وقال لي، نحن بحاجة إلى مال، وعقود سيريتل و(أم تي إن) ستنتهي في عام 2017، وبالتالي، خلينا (دعنا) نقلب عقود الاستثمار إلى عقود إيجار، ونأخذ منها أموالا، تقدر بنحو 500 مليون دولار”.
وأضاف حجاب: “سألت وزير الاتصالات، وقال لي: هذا مناسب ونحن بحاجة له، وسألت وزير المالية، فقلت له اعمل لي دراسة، غاب يومين وجاب (أحضر) دراسة، وقال: هذا غير مقبول، هذا نهب لخزينة الدولة وللمواطن السوري. لا بد من تحصيل 5 مليارات دولار وليس نصف مليار دولار”.
وتابع أن “القيمة ستدفع بالليرة السورية، وهذا يسبّبَ خسائر فادحة لخزانة الدولة، بشار الأسد رأى أن هذه فرصة بدلًا من أن تعود الشركات للدولة بعد انتهاء العقود وكان يُذكّرني دائمًا بهذا الموضوع. يومها الدماء تسيل في الشارع بينما بشار يُفكّر بإنجاز صفقة فاسدة، هذا مثال بسيط. أنا خرجت من سورية، ولم أقم بتنفيذ الأمر، بينما وائل الحلقي رئيس الوزراء التالي، هو من نفذ الموضوع”.
ويقدر الخبراء ان إيرادات سيريتل حتى 2010 أي قبل الأزمة قدرت بحوالي 300 مليار ليرة سورية أي 6 مليارات دولار، وأن أرباحها تقدر بنحو 3 مليارات دولار خلال هذه السنوات.
المصدر: العربي الجديد