أحمد مظهر سعدو
لم تمنع النظام السوري كل الاتفاقيات المتعلقة بالطفولة وبروتوكولاتها الملحقة، التي وقَّع عليها دوليًا، ثم انضم إليها حسب الأصول والاجراءات الدولية المتبعة، وكل ما يتغنى به من اهتمام بالأطفال والطفولة، وإصداره القوانين المرتبطة بذلك، ومنها قانون الأحداث الجانحين رقم 18 الصادر عام 1974 والتحديثات التي طرأت عليه ليواكب انضمامه للاتفاقات الدولية، لم يمنعه كل ذلك من زج الأطفال السوريين دون سن18 في غياهب السجون، وأقبية الذل والهوان التي أوجدها هذا النظام ليعاقب معارضيه، وليلغي السياسة من المجتمع، وليكم الأفواه. فراح يوقف الأطفال المشاركين في الثورة السورية السلمية، في السجون ومع الكبار في مخالفة صريحة وواضحة لكل الشرائع الدولية والقوانين الوضعية السورية، وحتى الشرائع السماوية لدى كل الأديان.
يتواجد الأطفال في كل معتقلات النظام الأمنية من كل الأعمار، وإلى جانب الكبار، وينامون في نفس المهاجع، ويتعرضون لنفس أنواع التعذيب التي تنزل على أجساد الكبار دو رحمة أو رأفة، وهو ما رأيته بأم العين أثناء اعتقالي في فرع الأمن العسكري 227، وكانوا يعتدون على الأطفال ضربًا وتعذيبًا، علاوة على الاعتداءات الجنسية، أما في مركز ملاحظة الأحداث أو معاهدها، فلم يكن يُحوَّل إليها إلا النذر اليسير، وهو ما لفت نظر لجان التفتيش العربية عام 2013 ، التي زارت معهد خالد بن الوليد لإصلاح الأحداث ، ولم تجد فيه سوى 72 حدثًا مسجلاً منذ أواسط آذار/ مارس 2011 وحتى شباط / فبراير2013. بينما كان عدد الموقوفين الأطفال حتى ذلك التاريخ في سجون الكبار أكثر من 4000 آلاف طفلًا. وهؤلاء الأطفال الذين كانوا يُحوَّلون إلى مراكز الأحداث، يكونون قد أمضوا شهورًا في المعتقلات، وقد انتهى وضعهم، ومن ثم يُتركون بعض الأشهر في معاهد الأحداث، حتى تشفى أجسامهم من آثار التعذيب الظاهرة. وتقدر الشبكة السورية لحقوق الانسان أن “عدد المعتقلين لدى النظام قد تجاوز 220 ألف معتقل بينهم تسعة آلاف طفل تتراوح أعمارهم بين 8 و17 عامًا”. وهو ما تم توثيقه من قبل الشبكة وفق المعايير العالمية للتوثيق، بينما الحقيقة تؤكد أن أرقام المعتقلين الكبار والصغار أكبر وأكثر من ذلك بكثير.
(موسى الهايس) رئيس المنظمة العربية لحقوق الانسان في سورية فرع الخارج يقول ” إن الأطفال يُعتقلون مع الكبار أو بصحبة أمهاتهم المعتقلات حيث تجاوز عد النساء الخمسة آلاف معتقلة. وكل ذلك في ظروف اعتقال خلافًا للمواثيق والقوانين الدولية، التي تقتضي أن يكون للقاصرين دور رعاية خاصة. إضافة إلى الأرقام المخيفة والمروعة بالنسبة لأعداد الضحايا من الأطفال، فحسب الشبكة السورية لحقوق الانسان قُتل أكثر من عشرين ألف طفلٍ، معظمهم على أيدي قوات النظام بينما يتوزع بقية العدد على الميليشيات التابعة والمتعاونة معه، ويضاف إلى الانتهاكات بحق الطفولة عمليات التجنيد التي تقوم بها المليشيات لأطفال بسن الرابعة عشر، على أنه لا توجد أرقام دقيقة للأطفال الذين تم تجنيدهم للقتال في صفوف ميلشيات (ب ي د) وغيرها، بالرغم من كثرتم”. وأضاف الهايس ” كما أن معاناة أطفال سورية في تفاقم حيث نشرت منظمة اليونيسيف” في تقريرًها الصادر في 21 تشرين الأول/ اكتوبر 2016 وجود أكثر من 1.7 مليون طفل خارج المدرسة، وكل ذلك مخالف لاتفاقية حقوق الطفل المعتمدة من الجمعية العامة للأمم المتحد عام 1989، وسورية من الدول التي انضمّت إلى اتفاقية حقوق الطفل منذ البداية، كما انضمّت إلى البروتوكول الاختياريّ للاتفاقية، المتعلق بإشراك الأطفال في النزاعات المسلحة”.
الإعلامية السورية والمعتقلة السابقة (ياسمينا البنشي) قالت ” بالنسبة للأطفال تحت سن ١٨، بداية يعتقل الطفل/ة إما مع أمه أو عائلته أو بشكل فردي، ويبقى مدة قليلة أو متوسطة في سجن الأحداث قبل أن ينقل إلى مكان آخر، إلا أن بعض النساء المعتقلات بقي أطفالهن الذين اعتقلوا معهن، والتي لم تتجاوز أعمارهم ٦ سنوات إضافة لنساء اعتقلن وهن حوامل وأنجبن داخل السجن وبقي الطفل معهن، وحسب بعض الاحصائيات لحقوق الانسان فإن النظام السوري مسؤول عن اعتقال ما يقارب ١٥٤٦ طفلًا ومنهم من هو في حكم المفقود قسراً.”
بينما أكد المحامي (علي رشيد الحسن) رئيس تجمع المحامين السوريين الأحرار أن ” النظام الأسدي أثبت همجيته منذ اليوم الأول مع أطفال درعا، بعد أن قامت مجموعة من الأطفال بكتابة بعض العبارات المناهضة للحكم على جدران إحدى المدارس في درعا البلد، واعتبرته الأجهزة الأمنية تهديدًا للأمن القومي، من أطفال لم تتجاوز أعمارهم العشر سنوات، فقامت باعتقالهم وتعذيبهم بالضرب وحرق أجسادهم بالسجائر واقتلاع أظافرهم، في انتهاك صارخ للتقرير الذي أرسلته الحكومة السورية للجنة حقوق الطفل، والذي ينص علنًا على حرية التعبير لدى الطفل.” وأضاف الحسن ” استمر النظام يقدم الصور الأكثر وحشية في تعذيب الأطفال علماً أن سورية من الدول التي انضمت إلى اتفاقية حقوق الطفل منذ البداية، كما انضمت سورية إلى البروتوكول الاختياري للاتفاقية المتعلق بعدم إشراك الأطفال في النزاعات المسلحة. وتم توثيق عدد الأطفال المعتقلين في سوريا وفق الشبكة السورية لحقوق الإنسان وهم حتى الآن باقين في السجن 3155 طفلًا مازالوا قيد الاعتقال أو الاختفاء القسري في مراكز الاعتقال التابعة لعصابة الأسد، إضافة إلى أعداد منهم قضوا تحت التعذيب. وهذه الأفعال تشكل جرائم ضد الإنسانية بحق أطفال سورية، عبر القتل المنهجي وغيرها من أساليب التعذيب والعنف الجنسي، إضافة إلى اعتقال الأطفال في سجون الكبار، منتهكة بشكل صارخ المادة السابعة من ميثاق روما الأساسي، كما يشكل خرقًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني ولقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، وأسوأ ما يمكن أن يصل إليه الإنسان في انحطاطه الأخلاقي بعد مرور 27 عاماً على إقرار اتفاقية حقوق الطفل نجد أن الانتهاكات التي يتعرض لها الأطفال في سوريا لم تحصل في تاريخ الحقوق والأمم المتحدة، مما يشكل وصمة عار في جبين هذه المنظمة والمنظمات الحقوقية الدولية، التي عجزت عن تأمين الحد الأدنى لحماية هؤلاء الأطفال. علماً إن الطفل يعتبر هو لبنة بناء المجتمع، وإذا لم نحافظ عليها نفسيًا وجسديًا وثقافيا نكون خسرنا مجتمعًا كاملاً عندما تخلينا عنه.”. ثم قال ” نؤكد أن على النظام السوري عجز عن الوفاء بتعهداته بناء على تصديقه على معاهدة حقوق الطفل والعهدين الدوليين الخاصين، واتفاقيات جنيف والإفراج الفوري عن الأطفال المعتقلين والمختفين قسريًا والمغيبين ونحن نطالبه بمحاسبة المسؤولين عن هذه الجرائم التي تشكل جرائم ضد الإنسانية وفضح الدول التي تحاول تأهيل أو رعاية مرتكبي الجرائم ضد الإنسانية بحق أطفال سورية، واتخاذ كافة الإجراءات الممكنة قانونياً وسياسياً وماليًا بحق النظام السوري والضغط عليهم للالتزام باحترام حقوق الأطفال”.
أما المحامي (ياسر السيد) رئيس مجلس الإدارة في منظمة أطباء ومحامون من أجل حقوق الانسان فقال ” لا يوجد عندنا احصائية لعدد المعتقلين، وفي منظمتنا نحن وثقنا حوالي 240 حالة لمعتقلين ومعتقلات في منظمتنا وعدد المعتقلين والمغيبين والمختفين قسريًا في سورية يتراوح بين 100 و150 ألف معتقل والتوثيقات غير دقيقة حتى الآن بسبب عدم وجود احصائيات في كل سورية فما بالك أعداد الأطفال”.
من جهته تحدث (مروان حمزة) رئيس المنظمة العربية لحقوق الانسان في الداخل السوري مشيرًا وبكل وضوح وشفافية إلى أن المنظمة ” بسبب الوضع الأمني الضاغط، وصعوبة التحرك والخوف من إعطاء أي خبر عن ذلك. فليس لدينا بشكل دقيق وخاص معلومات دقيقة عن المعتقلين في سوريا. فقد حصلنا على عددهم التقريبي في محافظة السويداء ولا يتجاوزوا ١٥ معتقلًا. وكل معلوماتنا عن ذلك نأخذها من أرشيف المنظمات الدولية وأهمها منظمة العفو الدولية، والعدد الحقيقي بتصوري غير دقيق لكل الراصدين لهذا الملف حيث تتداخل الأمور بين معتقل ومخطوف أو متوفي تحت التعذيب، أو لا خبر عنه لدى أهله إطلاقًا.”. وأضاف حمزة ” نرى أنه كل فترة يتحفنا النظام بقائمة جديدة للمتوفين تحت التعذيب في سجونه، وليس لدينا للأسف احصائية لعدد الأطفال المعتقلين خارج المحافظة. حيث لا يوجد لدينا مثل هذه الحالة أبدًا. وكذلك ينطبق الأمر على الأطفال الذين استشهدوا تحت التعذيب. من خلال اتصالنا مع الكثيرين ممن كان معتقلًا في أكثر من مركز أمنى لم يعترف أحد بأي خبر عن وجود أطفال.. ولا نعرف إن كان هناك جناحًا خاصًا بهم في الفروع الأمنية أو في مراكز تأهيل الأحداث.”
وهذا يشير إلى الحالات الصعبة جدًا التي يتعرض لها أطفال سورية، في سجون العسف الأسدي، والطامة الأكبر أن منظمات دولية معنية بالطفولة مثل اليونيسيف، لا تتابع هذا الموضوع الخطر، ويترك أطفال سورية لمصيرهم السيء.
المصدر: موقع مع العدالة