أحمد الإبراهيم
برز مسعى روسي أخيراً لوضع حد لمأساة عشرات آلاف النازحين السوريين القاطنين في مخيم الركبان عند الساتر الحدودي السوري الأردني، في سياق محاولات موسكو ترسيخ وجودها في البادية السورية، التي باتت منطقة نفوذ للروس الذين أقاموا قاعدة عسكرية فيها. ولطالما وقف النظام حجر عثرة في طريق إيجاد حل لقاطني المخيم المعروف بأنه “الأكثر سوءاً” في سورية، ولكن الجانب الروسي دخل على خط المساعي الهادفة إلى إغلاق ملف هذا المخيم، من خلال تهديد سكانه بقطع شرايين الحياة عنهم، فيما أكدت فصائل الجيش السوري الحرّ في المنطقة أنها “ترفض الطرح الروسي، وتطالب بممرات آمنة إلى الشمال السوري”.
في هذا السياق، التقى وفد من النازحين القاطنين في مخيم الركبان قرب الحدود السورية – الأردنية، يوم السبت، بضباط روس في قرية جليلة، في محيط منطقة الـ 55 كيلومتراً التي حددتها قوات التحالف الدولي حول قاعدة التنف، على الحدود السورية العراقية، والمحرّمة على قوات النظام وحلفائه.
وقال الناشط الإعلامي عماد غالي، المقيم في المخيم، في حديثٍ لـ “العربي الجديد”، إن “الروس طلبوا من الوفد رفع قوائم بأسماء الراغبين في العودة إلى المناطق الخاضعة لسيطرة النظام السوري، بغية دراستها أمنياً، ومن ثم تتم الموافقة أو الرفض بالنسبة لكل اسم بشكل مستقل”. وأضاف أن “ضباطاً روساً هددوا القاطنين في المخيم، بأنهم لن يسمحوا بدخول أية مساعدات إنسانية ما لم يتم تنسيق كل الخطوات الخاصة بالمخيم مع النظام والروس، وليس مع أي طرف آخر”، مشيراً إلى أن “هناك نحو عشر عائلات من الركبان تنتظر دخول مخيمات الإيواء الخاصة بالنظام، لكن لم يسمح لها حتى الآن”.
وكان كل من روسيا والنظام قد أعلنا منذ أيام فتح ممرين آمنين لقاطني المخيم في قريتي جليب وجبل الغراب بالبادية السورية، لاستقبال النازحين الراغبين في العودة، وهو ما اعتبرته “الهيئة السياسية” في مخيم الركبان “مجرد أكاذيب”.
وتفرض قوات النظام السوري منذ مطلع أكتوبر/ تشرين الأول الماضي حصاراً على مخيم الركبان، وتمنع دخول المواد الغذائية والطبية، بالرغم من مطالب المنظمات الدولية بالسماح لها بإيصال المساعدات لأكثر من 50 ألف شخص في المخيم يعانون أوضاعاً صعبة. وتسبب حصار النظام وحلفائه للمخيم في مآسٍ إنسانية لا تقل عن المآسي التي حدثت في مناطق سورية عدة، مع وفاة مدنيين جوعاً أو برداً. ويطالب أغلب سكان المخيم بتوفير ممر آمن لهم من قبل التحالف الدولي للمغادرة إلى مناطق تسيطر عليها المعارضة في شمال وشمال غربي سورية.
وتشكّل مخيم الركبان في عام 2015 عندما حاول آلاف السوريين الهاربين من براميل طيران النظام السوري الدخول إلى الأردن، ولكن السلطات هناك حالت دون ذلك، فبدأوا بالتمركز في هذه البقعة، ولم يدر في خلدهم أن المكان سيتحول شيئاً فشيئاً إلى مخيم كبير يستقطب آلاف السوريين الهاربين من موت إلى موت، ومن مأساة إلى أخرى. ورسم ناشطون إعلاميون صورة قاتمة للأوضاع الإنسانية في مخيم الركبان، فأوضح عضو الإدارة المدنية في المخيم، عمر الحمصي، لـ “العربي الجديد”، أن “الطريق الذي كانت تصل عبره المواد الغذائية والمحروقات إلى المخيم مقطوع، وسعر ليتر المازوت 1500 ليرة سورية (ما يعادل 3 دولارات أميركية)، وسعر ليتر البنزين ألف ليرة (1.94 دولاراً)، وهي أضعاف السعر في مناطق سيطرة النظام، والكاز غير موجود، وسعر أسطوانة الغاز لا يقل عن 25 ألف ليرة (48.54 دولاراً)”.
وأشار الحمصي إلى أن “المخيم يضم فرنين للخبز؛ الفرن الأول توقف عن العمل بعدما نفدت المواد، من طحين ووقود لديه، والثاني فيه مؤن تكفي لمدة شهر تقريباً، ولكن المشكلة أنه سيضاعف عمله لتعويض توقف الفرن الآخر، ما يعني أن كمية المواد المتوفرة لديه قد لا تكفي لأسبوعين”.
ومن الواضح أن هناك مسعى من قبل موسكو لإغلاق ملف مخيم الركبان كما فعلت في كثير من المناطق التي ظلت محاصرة من قبل قوات النظام طيلة سنوات، خصوصاً في ريف دمشق وريف حمص الشمالي. ولكن تجربة “المصالحات” التي تُوصف بـ”المرّة” بسبب غدر قوات النظام بمدنيي مناطق المصالحات، دفعت سكان مخيم الركبان إلى التريّث في قبول أي عرض من قبل النظام وحلفائه. ويقطن في المخيم عدد كبير من سكان البادية السورية، تحديداً من ريفي حمص وحماة الشرقيين، إضافة إلى نازحين من ريف دمشق، خصوصاً من منطقة القلمون الشرقي، ومن ريف دير الزور. وكل هذه المناطق تحت سيطرة النظام وتعاني من انعدام الأمن والخدمات، فضلاً عن انتهاكات لا تكاد تنتهي من قوات النظام. ويهدف الروس إلى ترسيخ وجودهم في المثلث الحدودي السوري الأردني العراقي، من خلال محاولة حل المأساة الإنسانية لسكان مخيم الركبان، في ظلّ عدم نجاح مساعٍ لإعادة توطين النازحين في بلدان أخرى.
والبادية السورية تُشكّل نحو نصف مساحة سورية، أي نحو 80 ألف كيلومتر مربّع، ولها أهمية كبرى لدى الروس حلفاء النظام في سياق الصراع على سورية، وأقام الروس قاعدة في مدينة تدمر في قلب البادية الغنية بالنفط والفوسفات. كذلك يسعى الإيرانيون إلى ترسيخ وجودهم في البادية، لتنفيذ مشروعهم في ربط العاصمة الايرانية طهران بالبحر الأبيض المتوسط بطريق بري يمر عبر البادية مروراً بالأنبار العراقية. ومن هنا يسعى الجانب الإيراني إلى تجفيف منابع الخطر على المشروع الذي لن يرى النور في حال بقاء القوات الأميركية في قاعدة التنف.
وتوجد في مخيم الركبان ومحيطه قوات تتبع للمعارضة السورية من فصيلي “قوات أحمد العبدو”، و”مغاوير الثورة” يتلقيان دعماً من القاعدة الغربية في منطقة التنف، ويرفضان الخطة الروسية الهادفة إلى “تصفية” قضية المخيم ودفع عشرات آلاف المدنيين إلى النظام الذي عادة ما يفتك بسكان المناطق التي كانت خارج سيطرته.
في هذا الصدد، أكّد المتحدث الرسمي باسم “قوات أحمد العبدو” سعيد سيف لـ “العربي الجديد”، أن “الروس يسعون إلى تجنيد آلاف الشبان القاطنين في مخيم الركبان في قوات النظام، مع ولاء مطلق للجانب الروسي”، لافتاً إلى أن “الروس يحاولون إنشاء مخيمين لنازحي الركبان في البادية، هما تل غراب شرقي، ومخيم جليقم”، مضيفاً أنه “حتى اللحظة لم تخرج أي عائلة من المخيم الى ما سُمّي بـ(الممرين الآمنين)”. وأكد أن “الجنرال الروسي الذي اجتمع مع وفد المخيم هدد بشكل واضح النازحين في حال عدم الانصياع للشروط الروسية”، معتبراً أنه “نحن متأكدون أن النظام سيلاحق العائدين إلى مناطقه، وما جرى في درعا وريف دمشق من ملاحقات واعتقال وتجنيد إجباري، خير مثال على ذلك”.
وشدّد على أن “فصائل الجيش السوري الحرّ ترفض أي طرح روسي أو من قبل المليشيات، فلا أمان لهم”، مضيفاً أن “الروس لم يكونوا ضامنين في عمليات المصالحات التي حدثت في عموم سورية، كما أننا نرفض الخروج من المنطقة، ونحن موجودون الآن في منطقة الـ 55 الخاضعة بشكل مباشر للتحالف الدولي، وفي حال لم يتم فتح ممرات آمنة إلى مناطق المعارضة في شمال سورية، سوف نبقى في منطقة التنف، ولدى التحالف الدولي خطط للبقاء في المنطقة لمحاربة تنظيم داعش والمليشيات الإيرانية في البادية”.
المصدر: العربي الجديد