أكرم عطوة
لا أحد يُشك إطلاقا بأنّه لولا الرئيس جمال عبد الناصر ولولا أحمد الشقيري لما وُجدت “منظمة التحرير الفلسطينية” في ذلك الوقت.
لقد ولدت منظمة التحرير الفلسطينية في عام 1964 بقرار من مؤتمر القمة العربية الذي عُقد في القاهرة في ذلك العام. ومن المعروف أن عبد الناصر أراد أن يُكرّم أحمد الشقيري على موقفه المبدئي حين كان مندوبا للمملكة العربية السعودية في الأمم المتحدة ورفض أو تجاهل إطاعة التعليمات والتوجيهات التي كانت تصل إليه من وزارة الخارجية السعودية بتعميم الاتهامات التي كانت ترسلها له الوزارة والتي كانت تتهم الجيش المصري بارتكاب فظائع في اليمن وفي المناطق المجاورة له من الأراضي السعودية، وكانت حجته أنه لا يقبل أن ينقل المنازعات بين الدول العربية إلى الأمم المتحدة مما جعل وزارة الخارجية السعودية تطرده من وظيفته. وبالعموم فإن ولادة منظمة التحرير كانت بداية ارتهان جديد للقضية الفلسطينية للأنظمة العربية بغض النظر عن حسن نوايا كل من الرئيس عبد الناصر والشقيري.
ولقد كانت الأنظمة العربية كعادتها عاجزة وضعيفة ومختلفة فيما بينها، فأرادت أن تتقوى بتبني القضية الفلسطينية لتحوز على تعاطف شعوبها. وهذا يعني أن إنشاء منظمة التحرير هو شكل جديد من أشكال المتاجرة بقضية فلسطين وبشعب فلسطين.
أما الفلسطينيون الذين كانوا في ذلك الوقت متعددي الولاءات والقناعات لزعامات وأحزاب متعددة ومختلفة.. فقد انقسموا فيما بينهم، بين مؤيد ومعترف بالكيان الوليد، وبين متردد، وبين رافضٍ له، وسبب الرفض يعود إلى أن هذا الكيان لم ينشأ في رحم فلسطيني، ولا في حاضنة فلسطينية، وإنما في رحم غريب عن الفلسطينيين، وإن كان هذا الرحم عربياً مثلهم، لذا اتهموا الكيان الجديد بالتبعية وفقدان الاستقلالية.
وهناك سبب آخر جعل بعض الأنظمة العربية توافق على إنشاء كيان فلسطيني ينضوي تحت العباءة العربية، فقد شعرت تلك الأنظمة أن الفلسطينيين لن يصبروا إلى ما لا نهاية على فرض الوصاية عليهم، خاصة وأنهم بدأوا يشكّلون تنظيمات وحركات عسكرية رغماً عن إرادة تلك الأنظمة العربية وبالتالي لابد من إيجاد كيان ينشأ بمباركة تلك الأنظمة، يمكن السيطرة عليه، بينما تلك التنظيمات العسكرية من الصعب تطويعها أو لي ذراعها، خاصةً وأن تلك التنظيمات قد تورّط الدول العربية خاصة دول الطوق في عمل عسكري ضد إسرائيل فتلجأ إسرائيل إلى الرد، خاصة وأن حركة “فتح” قد أكدت في أدبياتها التي أعلنتها منذ عام 1959 على مبدأ التوريط الواعي للدول العربية في حرب مع العدو الصهيوني، حتى أن هناك من ادعّى (خاصة من القوى الموالية للصهاينة) أن سبب هزيمة حزيران يعود إلى مثل هذه الشعارات، وأيضاً للشعارات النارية التي كان ينادي بها الشقيري مثل شعار طرد اليهود من فلسطين، وإلقائهم في البحر .
لكن السؤال المهم هو لماذا أولئك الذين اتهموا قيادة منظمة التحرير عند ولادتها بالتبعية للنظام الإقليمي العربي وفقدان الاستقلالية، وأرغموا أحمد الشقيري – أول زعيم للمنظمة – على التنحي، من قيادة المنظمة.. رضخوا أخيراً لهذه الأنظمة وصاروا أحصنة طروادة لتمرير مشاريع الصلح والتطبيع.. وجعلوا منظمة التحرير منظمة لخدمة مصالحهم في الوصول إلى السلطة وتحقيق الثراء والشهرة؟؟؟
أخيراً وبدون التطرق لتفاصيل معروفة.. فإن منظمة التحرير ومنذ عام 1974 وحتى الآن.. لم تصدر أو لم توافق على أيّ قرار أو على أيّ اتفاق أو على أيّ مشروع.. إلا وكان وبالاً على فلسطين وعلى القضية الفلسطينية وعلى الشعب الفلسطيني.