ميشال أبو نجم
كشفت مصادر فرنسية رسمية عن اتصالات جرت بين باريس وموسكو لإعادة تفعيل المسار السياسي السوري عبر المدخل الدستوري، حيث تم نقل مقترح عبر اتصالات رفيعة المستوى يقوم على اعتبار أن المسار الدولي المتفق عليه، الذي نص على تشكيل لجنة دستورية من 150 عضواً يناط بها مهمة كتابة دستور جديد يتم إقراره لاحقاً وتجرى على أساسه انتخابات، «بالغ التعقيد»، والدليل على ذلك أن اللجنة لم تشكل بعد، والمسائل المتفجرة اللاحقة ستبدأ مع انطلاق عملها في حال وصلت إلى هذه المرحلة.
وأضافت المصادر أن المقترح الذي نقل إلى موسكو، والذي وافقت عليه، قوامه التخلي عن الرغبة في كتابة دستور جديد والانطلاق من الدستور القائم، و«العمل على تعديل 5 أو 6 نقاط خلافية فيه». وتشمل هذه النقاط صلاحيات الرئيس الموسعة واستقلالية القضاء وبعض مؤسسات الدولة والعلاقة مع المؤسسات الأمنية. وتضيف هذه المصادر أن هذه التعديلات «يجب أن يتم التفاوض عليها برعاية دولية للوصول إلى دستور معدل بدل إضاعة الوقت في صياغة دستور جديد». أما المرحلة اللاحقة، فعنوانها «التوجه إلى انتخابات جديدة نزيهة تشرف عليها الأمم المتحدة التي تملك الخبرة في هذا المجال».
وكشفت المصادر الفرنسية أن المقترح الذي يعني التخلي عن جهود إقامة لجنة دستورية نقل إلى الرئيس فلاديمير بوتين، الذي نقله بدوره إلى الرئيس السوري بشار الأسد. وحسب باريس، فإن الأخير «وافق عليه شرط اقتصار الانتخابات على الداخل السوري»، أي بعيداً عن ملايين اللاجئين السوريين في بلدان الجوار وفي أوروبا، ما يعني أنه «يريد أن يتأكد سلفاً من أنه سيتم انتخابه مجدداً» في عملية ستوفر له شرعية جديدة.
والحال أن الغربيين يتمسكون بأن تمكن الانتخابات الذين خرجوا من سوريا من الإدلاء بأصواتهم في عملية تقرير مصير بلادهم. ومن شأن الشرط الذي وضعه الأسد إجهاض المقترح الغربي الذي كان غرضه الخروج من الطريق المسدودة التي آلت إليها محاولات تشكيل اللجنة الدستورية، وبالتالي محاولة إعادة إطلاق المسار السياسي المتوقف أصلاً.
في سياق مواز، تهتم الدبلوماسية الفرنسية بالجهود التي تبذل لإعادة «تأهيل النظام السوري عربياً» عن طريق إعادة دمشق إلى الجامعة العربية. وحسب باريس، فإن هناك «مجموعة لاءات أميركية» جمَّدت إلى حين المساعي المبذولة التي كان يراد منها أن تتم العودة بمناسبة القمة العربية المقبلة في تونس.
أما الرؤية الفرنسية فتقوم على اعتبار أن هذه المسألة «شأن عربي داخلي»، وأن باريس «لا تسعى للتأثير عليه»، لكن «وإن كانت لا تعارض من حيث المبدأ» عودة دمشق، فهي ترهنه بـ«إطلاق مسار الحل السياسي بشكل فعلي»، أي أن باريس لا تريد أن تكون هذه العودة «مكافأة مجانية» للنظام السوري، أو أن ينجح بوتين في هذه المهمة «من غير مقابل».
وأفادت مصادر أخرى بأن الغربيين «يعون أن الوضع في سوريا قادم على إعادة خلط الأوراق بعد تعديل الموقف الأميركي المتحرك» الذي تعاني منه باريس.
وتؤكد باريس أن الرئيس ماكرون «كان له دور» في دفع ترمب لتعديل موقفه من الانسحاب الشامل لقواته من شمال شرقي سوريا، لكنها لا تزال «حذرة» مما يمكن أن يصدر عن واشنطن بعد القضاء على «داعش» في الجيب الأخير. ولا تخفي فرنسا «ترحيبها» بالإبقاء على 200 جندي أميركي في منطقة سيطرة «قوات سوريا الديمقراطية»، وربما العدد نفسه في قاعدة التنف. ولم تكشف حتى الآن عما إذا كان هذا التحول الأميركي سيشجعها على المساهمة في الإشراف على «المنطقة الأمنية» التي تريدها واشنطن، والتي لم تظهر ملامحها بعد.
إلى ذلك، لا تزال باريس، حسب مصادر، تدفع حلفاءها الغربيين وأصدقاءها العرب إلى «الامتناع عن أي تبرع بالمشاركة في عملية إعادة الإعمار في سوريا» من غير توافر شرط إطلاق المسار السياسي، لأنه «ورقة الضغط الأساسية» المتبقية لو عمدت واشنطن إلى الانسحاب من سوريا ما سيترك الساحة خالية لروسيا وإيران. وترى أن «إعطاء مهمة مواجهة النفوذ الإيراني لإسرائيل لن يأتي بالنتائج التي ترجوها واشنطن، لأن كل ما قد تحققه إسرائيل هو إبعاد القواعد الإيرانية عن حدودها، وليس إخراج إيران ومن يمثلها ميدانياً من الأراضي السورية»، حسب المصادر.
المصدر: الشرق الأوسط