أعاد وزير الخارجية السورية وليد المعلم، التأكيد على أن “العملية السياسية يجب أن تتم بقيادة وملكية سورية فقط، وأن الشعب السوري هو صاحب الحق الحصري في تقرير مستقبل بلاده”، بعد لقائه المبعوث الدولي غير بيدرسن، في دمشق.
ونقلت “سانا” عن المعلم، قوله إن “الدستور وكل ما يتصل به هو شأن سيادي بحت يقرره السوريون أنفسهم دون أي تدخل خارجي، وذلك وفقاً للقانون الدولي، وميثاق الأمم المتحدة، وكل قرارات مجلس الأمن ذات الصلة”.
ويعتبر كلام المعلم ترديداً لكلام سابق قاله لبيدرسن، أثناء زيارته الأولى إلى دمشق قبل شهرين. إلا أن المفاجئ في تغطية زيارة المبعوث الدولي إلى سوريا، هو تحريف كلام بيدرسن، وجعله مطابقاً لكلام الوزير المعلم. صحيفة “الوطن” نقلت عن بيدرسن قوله إنه “لن يألو جهداً من أجل التوصل إلى حل سياسي وفق المبادئ المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة، وقرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة”. بيدرسن، بحسب “الوطن”، التي يملكها رامي مخلوف، شدد على “أهمية أن تكون هذه العملية بقيادة وملكية سورية لضمان تحقيق النجاح المنشود، ومؤكداً التزام الأمم المتحدة الكامل بسيادة ووحدة سوريا واستقلالها”.
ماذا قال بيدرسن حقاً؟
وصرح بيدرسن عقب وصوله دمشق، في زيارة تستغرق 3 أيام، بحسب وكالة “فرانس برس”، بأنه سيعمل على تنفيذ قرار مجلس الأمن 2254 القاضي بوقف إطلاق النار في سوريا، والمضي في العملية السياسية بين مختلف الأطراف، معربا عن أمله باستمرار اللجنة الدستورية في عملها بهدف تطبيق إصلاحات سياسية، وإجراء انتخابات توقف الحرب المستعرة منذ ثماني سنوات.
وعبّر بيدرسن عن أمله في أن تجتمع اللجنة الدستورية السورية، التي يُعتقد أنها ضرورية للإصلاحات السياسية وإجراء انتخابات جديدة هدفها توحيد سوريا وإنهاء الحرب المستعرة منذ 8 أعوام تقريباً، التي أودت بحياة مئات الآلاف وشردت نحو نصف سكان سوريا، الذين كان يبلغ عددهم 22 مليون نسمة قبل الحرب، بحسب وكالة “رويترز”.
بروكسل 3 ودمشق الغاضبة
وتأتي زيارة بيدرسن الثانية إلى دمشق، بعد مشاركته في مؤتمر “بروكسل 3” للدول المانحة للشعب السوري. النظام، استغلّ زيارة بيدرسن، لتوجيه رسائل متعددة، ليس أقلها التعبير عن الغضب الكبير تجاه مؤتمر “بروكسل 3″، الذي لم توجه لدمشق دعوة لحضوره، خاصة بعدما أسفر عن تخصيص 7 مليارات دولار لمساعدة النازحين واللاجئين السوريين.
وندد النظام بالبيان الثلاثي الصادر عن أميركا وفرنسا وبريطانيا، واعتبر أنه يشكل “وثيقة تاريخية في الكذب والنفاق والتضليل والتزييف”. وهدد مصدر في وزارة الخارجية بأن “هذه الدول التي قتلت ودمرت غير معنية أبداً بإعادة الإعمار، وهي أساساً غير مدعوة للمساهمة فيها، وما عليها إلا تسديد تعويضات القتل والدمار الذي أحدثته جراء جرائمها البشعة والتوقف عن تدخلها السافر في الشؤون الداخلية”.
غضب النظام من “بروكسل 3” والبيان الثلاثي، يمكن فهمه بعدم تخصيص أي مبالغ مالية من المانحين لخطط “إعادة الإعمار” التي ينتهجها النظام في مدينة ماروتا وغيرها من المشاريع الوهمية المصممة لجلب الاستثمارات الخارجية، بعد طرد السكان المحليين الأصليين.
وزارة الخارجية السورية قالت إن ما شهدته البلاد هو “نتاج مؤامرة غربيّة تقودها واشنطن لرهن إرادة دول المنطقة لمشيئتها، ولتمكين إسرائيل من أن تكون لها اليد العليا على حساب المصالح العربية”.
وشددت الخارجية على أن “المجازر والجرائم التي ارتكبها الإرهابيون ودول التحالف الدولي في سوريا ستبقى وصمة عار على جبين الديمقراطيات الزائفة التي تنتهك القانون الدوليّ وشرعة حقوق الإنسان”.
أين قائد أركان الجيش الروسي؟
الرسالة الثانية التي وجهها النظام، بالتزامن مع زيارة بيدرسن، هي انعقاد اجتماع لرؤساء أركان “جيوش” سوريا والعراق وإيران، في دمشق، الإثنين، لـ”بحث مكافحة الإرهاب وتطوير التعاون الدفاعي العسكري في ما بينهم”.
والغائب الأكبر عن هذا الاجتماع هو رئيس الأركان الروسي، إذ يأتي هذا اللقاء العسكري من خارج اجتماعات “مركز التنسيق” الرباعي المشترك، الذي يضم ممثلين عن روسيا وإيران وسوريا والعراق.
واستبق رئيس الأركان الإيراني اللواء محمد باقري، الاجتماع بالتأكيد على “ضرورة مغادرة القوات الموجودة بشكل غير شرعي في سوريا البلاد في أسرع وقت ممكن”. كلام باقري جاء في مستهل زيارته إلى دمشق، على رأس وفد عسكري، وكان في استقباله وزير الدفاع السوري العماد علي عبد الله أيوب. وأضاف باقري: “للأسف هناك بعض الدول التي أبقت قواتها في سوريا من دون التنسيق مع حكومتها الشرعية؛ وسيتم التأكيد خلال الاجتماع الذي سيعقد في دمشق أن كل دولة تريد أن تكون لها قوات في سوريا يجب أن يتم ذلك بعد موافقة الحكومة الشرعية السورية والتنسيق معها”.
وتابع باقري “الخروق موجودة في شرق الفرات وإدلب وأماكن سورية أخرى، وبالتالي يجب اتخاذ القرارات اللازمة والتأكيد على ضرورة أن تترك هذه القوات سوريا في أسرع وقت ممكن”. وذكّر باقري بأن “الوجود الإيراني هو بموجب دعوة من الحكومة السورية”.
“قمة دمشق” العسكرية، بحسب صحف الممانعة، تحمل أبعاداً عسكرية وسياسية في الوقت نفسه، خاصة أن وجود القوات الأميركية على جانبي الحدود بين العراق وسوريا، هو “قضية حساسة لأقطابها الثلاثة”. ويُفترض أن يناقش المجتمعون مسألة ضبط الحدود السورية/العراقية، ومنع انتقال مسلحي “داعش”، وآليات التعامل مع معتقلي “داعش”.
الإدارة الذاتية
من جهتها، حذرت “الإدارة الذاتية” في مناطق سيطرة حزب “الاتحاد الديموقراطي”، من إقصائها من أي حل سياسي في سوريا، بالتزامن مع زيارة المبعوث بيدرسن. وقال الناطق باسم مكتب العلاقات الخارجية في “الإدارة الذاتية”، في بيان: “لن يكون هناك أي حل حالما يتم اتباع السياسات السابقة بإقصاء إرادة مكونات شمال وشرق سوريا (…) وبالتالي أي مخرجات تتم من دون مشاركة الإدارة الذاتية فإننا غير ملزمين بها على الإطلاق”.
وأضاف: “نثمن رؤية السيد بيدرسن حول الإدارة وقواتها ونقيمها إيجابياً، ونرى أنها تمثل الواقع الموجود ونتطلع بأن تتطور هذه الرؤية إلى الناحية العملية بالنظر إلى الإرادة السياسية لمكونات شمال وشرق سوريا كجزء مهم للحل والاستقرار”.
وأضاف: “في ظل التحرك الأممي الآن يبدو هناك بعض الأمور التي هي موضع تساؤل خاصة فيما يتعلق بالإدارة الذاتية وموقعها في هذا الإطار، لذا نؤكد بأن أي عملية لإقصاء مكونات شمال وشرق سوريا وإرادتهم المتمثلة في الإدارة الذاتية لن يكون في خدمة الحل السوري”.
المعارضة
ومن المنتظر أن يتجه بيدرسن بعد دمشق، إلى العاصمة السعودية الرياض للقاء وفد يمثل الهيئة العليا للتفاوض. وتحاول المعارضة السورية حشد موقف أوروبي داعم قبل جولة مفاوضات جديدة متوقعة في جنيف. ويزور وفد من الائتلاف الوطني السوري عواصم أوروبية. ويلتقي وفد الائتلاف، الإثنين، مسؤولين في الحكومة الألمانية.
رئيس الائتلاف عبد الرحمن مصطفى، قال إنه “سيبحث ملف منطقة شمال شرقي سوريا”، مشيراً إلى ضرورة التخلص من كافة التنظيمات الإرهابية، وتمكين الائتلاف من العمل على تشكيل مجالس محلية منتخبة من قبل الأهالي، بما يعيد الاستقرار في تلك المنطقة. ولفت إلى أن الائتلاف لديه خطة للعمل في الداخل، ونقل مقره إلى هناك في نيسان المقبل، إضافة إلى إعادة هيكلة “الحكومة السورية المؤقتة”، وأن تحظى بالدعم مما يمكّنها من العمل على نطاق أوسع في إطار الحوكمة والإدارة المدنية في مجالات الخدمات والتعليم والصحة.
المصدر: المدن