منير الربيع
استبق اللبنانيون زيارة وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، بكثير من الكلام والتحليلات. مجمل التوقعات، تنصبّ في إطار سعي الأميركيين لـ”استخدام لبنان كساحة من ساحات الصراع بين الأميركيين والإيرانيين”. ما يعني، أن الوزير الأميركي سيطلب من لبنان التشدد بمواجهة حزب الله وإيران. وسيلوّح بالمزيد من الضغوط، على من يتعامل معهم. وحسب التكهنات اللبنانية، فإن بومبيو سيطلب من اللبنانيين اتخاذ موقف واضح بمواجهة إيران والحزب، وعدم السير وفق سياستهما. لكن الأساس في زيارة بومبيو، سيبقى متعلّقاً بملفات أخرى، لا سيما أنه يأتي إلى لبنان بعد زيارته إلى الكويت وإسرائيل.
استدراج إيران
بالتأكيد، الوزير الأميركي سيقول الكلام المعتاد أميركياً تجاه لبنان، وتجاه حزب الله وايران. وهذا الكلام أصبح مكرراً في كل الظروف الأميركية، عن استمرار الضغط وتطبيق العقوبات، مقابل استمرار الدعم الأميركي للجيش اللبناني والقطاع المصرفي والدولة اللبنانية، ووجوب تظهير مواقف واضحة من قبل الدولة اللبنانية كي لا تبدو أسيرة سياسات الحزب. لكن هذا الكلام لا يتعدى الجانب الإعلاني فقط. فالأميركيون يعلمون أن لا حلّ لأي من الأزمات العالقة في المنطقة، من دون تسوية بينهم وبين الإيرانيين. ولذا، كل هذا الحراك السياسي والديبلوماسي لا يعدو كونه مناورة إضافية. فلا الإيراني سيتخلى عن نفوذه في لبنان أو سوريا في هذه المرحلة، ولا الأميركي لديه استراتيجية سياسية وعسكرية واضحة، لمواجهة إيران وتحجيم نفوذها. هو يستند فقط على العقوبات الاقتصادية، التي تؤلم المجتمع الإيراني. فجلّ ما تبغيه الولايات المتحدة هو استدراج إيران إلى المفاوضات بشروط أميركية. وعملياً، لا تسعى لإنهاء النفوذ الإيراني في المنطقة، ولا لإسقاط النظام الإيراني.
زيارة بومبيو إلى الكويت وإسرائيل قبل لبنان، تؤشر إلى اهتمام جليّ بملف النفط، علاوة عن البنود والملفات الأخرى، التي رأينا تداعياتها في الكويت، كالإجراءات التي أدت إلى اعتقال محسوبين على نظام الأسد وحزب الله، والتي تضعها مصادر متابعة في خانة سريان قانون قيصر للعقوبات الأميركية على النظام السوري والمتعاونين معه. كما تعتبر بعض المصادر أن زيارة بومبيو إلى الكويت ستمثل المزيد من الضغط بوجه إيران. إذ يعتبر الأميركيون أن لإيران متنفساً في الكويت.
توافق نفطي
البعد النفطي للزيارة أكيد، خصوصاً أن مجيئه إلى إسرائيل ما قبل الانتخابات فيها، يحمل عنوانين أساسيين، الأول دعم تل أبيب بمواجهة إيران وحزب الله، والثاني تحقيق الإسرائيليين لإنجاز نفطي قبل الانتخابات. إذ تؤكد المعلومات أن الأميركيين سيحاولون الضغط بقوة، لتمرير تسوية نفطية في المنطقة قبل الانتخابات الإسرائيلية. ولذلك، سيجمع بومبيو الوزراء القبرصي واليوناني والإسرائيلي المعنيين بملف النفط، بعد توقيع الاتفاق فيما بينهم حول موضوع النفط والغاز. وبالتأكيد، جمع اليونانيين والقبارصة والإسرائيليين، يعني استهداف الطرف التركي في هذا الموضوع، كما أنه تلويحٌ للروسي بوجوب التوافق مع الأميركيين على هذه الملفات، لأن الروس يعارضون هذا الاتفاق الثلاثي.
إذاً، سيُفعّل الأميركي هذا الملف لاستدراج الروس إلى توافقات نفطية، بما يؤمن مصلحة الطرفين معاً، وكذلك توافقات عسكرية وسياسية في المنطقة، على نحو يسهم أيضاً بالضغط على إيران.
استحقاق لبنان
الموضوع نفسه سيبحثه بومبيو في لبنان، خلال لقاءاته مع المسؤولين. وسيحثّهم على ضرورة إيجاد تسوية حدودية ونفطية سريعة وشاملة، وإلا سيعمل الإسرائيليون على استخراج النفط من البحر المتوسط قبل لبنان، ما قد يؤثر سلباً عليه. وحسب المصادر، فإن موضوع العقوبات على إيران وحزب الله أصبح خلف الاهتمامات الأميركية. بمعنى، أن قانون العقوبات أقرّ وأصبح موضع التنفيذ، ولا عودة فيه إلى الوراء. والرسالة الأساسية التي سيوجهها للبنان، فحواها أن أي محاولة لتوفير أي التفاف إيراني أو من قبل حزب الله على العقوبات، سيؤدي إلى فرض عقوبات أميركية على لبنان.
ما ينظر إليه الأميركيون للمرحلة المقبلة، لبنانياً، يندرج في مسعى ضاغط لترتيب تسوية نفطية وحدودية. وهنا، لا تتوقع المصادر أن تصل زيارة بومبيو إلى أي حلّ قريباً. ما يعني أن المنطقة ستكون أمام تطورات سياسية وعسكرية مهمّة، في الأشهر المقبلة، انطلاقاً من الساحة السورية، ستنعكس مباشرة على لبنان، إلى جانب التحسب من خضات سياسية في الداخل اللبناني.
الرهان على الروس
حسب المصادر، سيركز بومبيو على إيجاد حلّ بين اللبنانيين والإسرائيليين، عبر اللجوء إلى جهة تحكيمية، مع التشديد على عدم استفادة حزب الله من أي أموال أو عائدات نفطية. ووحدها روسيا قادرة على لعب دور الجهة التحكيمية، نظراً لعلاقتها مع إيران ومع إسرائيل. وبما أن اللبنانيين يرفضون المثول للحل الأميركي، فمن الممكن أن يوافقوا على التدخل الروسي لحلّ هذه المعضلة. لكن هذا سيبقى معلقاً على أفق العلاقة الأميركية الروسية، وما يمكن إنجازه من تفاهمات بين الطرفين، بشكل يضمن الأميركيون مصالحهم، وإن تصدرّ الروس المشهد.
وهناك من يراهن على هذه معادلة في لبنان، خصوصاً الرئيس سعد الحريري والوزير جبران باسيل، اللذين يعتبران أن بإمكانهما الرهان على الدور الروسي المنسَّق مع الأميركيين، لحلّ ملفّ النفط بما يضمن مصالح مختلف الأطراف. وهذا سيؤدي محلياً إلى تعميق العلاقة بين الرجلين، وتحقيق ظروف دولية وإقليمية لاستمرار التسوية بينهما مستقبلاً، على نحو يحقق باسيل طموحه الرئاسي، ويستمر الحريري في شراكته معه، اقتصادياً وحكومياً. وهذا ما نراه أصلاً في جملة تصرفاتهما وأعمالهما، من تلزيم خزانات النفط لروسيا في طرابلس، إلى الدور الذي ستلعبه شركة نوفاتيك الروسية في التنقيب عن النفط عند الحدود البحرية الجنوبية.. مقابل كلام كثير يطلقه الحريري وباسيل عن أن ليس لدى الأميركيين ما يفعلونه سوى إطلاق “المواقف الكلامية”.
المصدر: المدن