إن كان فضح وتعرية مواقف الفصائل ونخبها الفاسدة تجاه القضية السورية، مهمة لا غنى عنها، لكن تبقى المهمة الأكبر، في تطوير رأي عام فلسطيني، مناهض لكل أشكال ومظاهر الفساد الوطني والسياسي والأخلاقي في الواقع الفلسطيني، ومنحاز بكل وضوح لقيم الحرية والحق .
لطالما كشفت الثورة السورية من بين كشوفاتها الكبيرة، حقائق مأساوية ذات صلة بالواقع الوطني والسياسي الفلسطيني، سواء بمواقف الفصائل الفلسطينية من الربيع العربي، والثورة السورية منه بوجهٍ خاص، أو بمواقف أصوات ومنابر ثقافية وإعلامية ونقابية، يدور أغلبها في فلك تلك الفصائل. لم يعد التعبير عن الاستياء والغضب، من مواقفهم المشينة بين الفينة والأخرى، حيال مأساة الشعب السوري، أن تردعهم أو تثنيهم من التدحرج نحو قاع الانحطاط، كما لن يكون مشاركة “ممثلين عن اتحاد كتاب فلسطين ” ضمن زيارة “اتحاد الكتاب العرب” إلى دمشق مؤخراً، والتغطية على جرائم الطاغية، الشاهد الأخير على مناصرتهم الجلاد وخيانة الضحية. غدا ضرورياً إزاء تتالي مواقف العار التي تنطق زوراً باسم الفلسطينيين، الوقوف على حقائق النزعة الفصائلية المضادة للثورات ومنطق التغيير، ومعها توابعها النخبويّة الممالئة لمنظومة الاستبداد، كي نتعرّف إلى الخلفيات والعوامل التي انتجت هذه النزعة الكارثية، بمختلف أقنعتها وشعاراتها واتجاهاتها. اتضح منذ بداية اندلاع الثورات، وانتقالها من بلد عربي إلى آخر، أن ثمة حذر وترقب وانتظار، كان هو الموقف الغالب في الوسط السياسي الفلسطيني، في حين كان الموقف الشعبي داخل فلسطين وخارجها، ينظر بكثير من الأمل للمتغيرات التي تحملها تلك الثورات، كحال أغلب الشعوب العربية، لاسيما بعد الإعلان عن هزيمة بن علي في تونس، ثم سقوط حسني مبارك في مصر. منذ الشهور الأولى للثورة السورية، وبحكم وجود لاجئين فلسطينيين في سورية، تبدّى أن هناك مواقف فصائلية متباينة من الحراك السوري، إذ لم تستطع كل دعوات الحياد التي أطلقتها فصائل منظمة التحرير الفلسطينية، أن تخفف من حدة هذا التباين، ولم تفلح في الوصول لموقف موحد، حول سبل حماية الوجود الفلسطيني في سورية. عملياً كان من غير الممكن تحييد فلسطينيي سورية لسببين أساسيين، (الأول) بحكم التداخل والتشابك في حياة فلسطينيي سورية بالواقع السوري، وما كرسته تجربة لجوئهم المديد في سورية، من وشائج وروابط ومصالح كانت العامل الحاسم، في تحديد أشكال تفاعلهم مع الثورة السورية. بهذا المعنى لم يختلفوا عن السوريين في انحياز غالبيتهم للثورة، ولم يختلفوا كذلك في وجود أقلية منهم لها ارتباطات ومصالح مع النظام، كحال السوريين أيضاً. النقطة هنا التي ميّزت حراك الفلسطينيين في فترة النشاط السلمي والمدني للثورة، نزوع جيل الشباب للمشاركة الفاعلة في حراك الثورة السورية، بما لا يقل إيماناً وحماساً عن الشباب السوري، ولأن المخيمات الفلسطينية في سورية كانت تزخر بكوادر سياسية وكفاءات نشطة، كان لها بصمات مشهودة في النشاط المدني والإغاثي والإعلامي والطبي، سواء داخل تلك المخيمات، أو في الأحياء والمناطق السورية المجاورة لها، وحتى البعيدة عنها من جهة أخرى. السبب (الثاني) إدراك النظام مبكراً خطورة انحياز فلسطينيي سورية للثورة، وخشيته من فقدان إمساكه بالورقة الفلسطينية، التي واظب على المتاجرة بها منذ الأسد الأب، ولذلك سعى منذ الأيام الأولى للثورة الاستثمار في الفصائل، والمجموعات الفلسطينية التابعة له، والتي بدورها كسرت دعوات الحياد تلك، وأطاحت بها فعلياً، حينما قامت بتشكيل اللجان الشعبية المسلحة في المخيمات، حتى قبل طغيان العسكرة التي فرضها قمع وبطش النظام. بيدَّ أن التحول الأخطر الذي بدأ يكشف عن دوافع وعقلية الفصائل الفلسطينية، في التعامل مع وقائع وتحولات الثورة السورية، تجلى في انزياح موقف فصائل منظمة التحرير، من مربع الحياد الذي نادت به، إلى الاقتراب من ملاقاة رواية النظام عن الثورة، بفعل خشيتها من انعكاس تزايد دور الإسلام السياسي– في حال نجاح الثورات – في تعزيز نفوذ “حماس الإخوانية”، التي تشكل الخصم الأقوى لحركة فتح ” كبرى فصائل المنظمة “، لاسيما بعد وصول الإخوان المسلمين للحكم في تونس ومصر. بمعنى أوضح كانت “فزاعة الإسلام السياسي” هي الدافع الأقوى للمفاضلة التي حسمت بها قيادة فتح، موقفها الأقرب نحو النظام، رغم كل ما فعله الأخير من ملاحقة وتنكيل بكوادرها في حقبة الثمانينات، فيما حذت على خطاها بقية الفصائل في المنظمة، وأغلبها ذات توجهات يسارية وقومية، وكان لدى أغلب قياداتها علاقات مع النظام وإيران، تطورت تلك العلاقات طردياً في حقبة الثورة، مع استمرار دفعات المال الإيراني إليها. تم تبرير تلك العلاقات رغم التباينات الإيديولوجية بينهما ” بنظرية المؤامرة الكونية التي غزت سوريا -وفق مزاعمهم- لضرب محور المقاومة، وتصفية القضية الفلسطينية”. كان ثمن تلك الاعتبارات والمصالح هو تغطية فصائل المنظمة، على جرائم النظام ضد السوريين والفلسطينيين ” بعلامة تصريحات فاضحة لقيادات منها” حاولت تبرئة النظام من مسؤوليته عن مجزرة تهجير وحصار وتجويع مخيم اليرموك، واستهدافه بقية المخيمات الفلسطينية في سورية. ما أدى إلى تلاشي الفوارق السياسية والأخلاقية بين فصائل المنظمة، وفصائل التشبيح الفلسطينية، واشتراكهم جميعاً بدرجات متفاوتة نسبياً، في غسل ايادي النظام من دماء الفلسطينيين والسوريين، ومكافأته على إجرامه ومجازره، من خلال أدوارهم في تزييف وقلب الحقائق، وتضليل الرأي العام الفلسطيني أن ” الإرهابيين هم الذين يحاصرون مخيم اليرموك ويجوّعون أهله حتى الموت” وهي الرواية التي اجتهد جهابذة اليسار الفلسطيني أكثر من غيرهم، في ترويجها بين أوساط الشباب الفلسطيني في الداخل. بذلك أعطوا النظام المزيد من المسوغات ليتوغل في حصاره، وتجويعه، وقتله، واعتقاله وتهجيره اللاجئين الفلسطينيين، في ظل تمادي تلك الفصائل في وقوفها إلى جانب النظام، وعدم تفويت أي فرصة لتأكيد دعمها له ولحلفائه. فمن لم يحمل السلاح منها ويقوم بالتشبيح، رفع صورة المجرم بشار في احتفالاته، إلى جانب المجرمين خامنئي وحسن نصر الله. حتى حركة حماس التي اعلنت اصطفافها إلى جانب الثورة السورية في بداياتها، ما لبثت أن أكدت بمواقفها اللاحقة، أن حساباتها ومصالحها الحزبيّة والسلطويّة، والتي دفعتها إلى الحضن الإيراني مجدداً، أولّى من المبادئ والقيم التي كانت تتغنى بها في مناصرتها الثورة السورية، بل أن قادتها الذين استفاقوا على وقع الثورات المضادة، لم يعتريهم الخجل من مديح عصابة الملالي، شركاء السفاح السوري في المقتلة السورية، ليكونوا شركاء بدورهم من حيث النتيجة، مع الفصائل الأخرى في التعمية القاتلة على الدماء البريئة.
كي نستطيع فهم تماهي مواقف الفصائل الفلسطينية، وتحوّلها إلى أبواق تناصر أبشع استبداد عرفه التاريخ المعاصر، وهي التي تدّعي أنها حركة تحرر وطني، ويفترض ان تكون في جبهة العداء لكل أشكال الظلم والطغيان، لابد من مراجعة أسباب العطب الذي أصاب بنية هذه الفصائل، والذي يعكس أزمتها الوطنية والأخلاقية. ما يقودنا بالضرورة لإعادة النظر بمدى تعبير هذه الفصائل عن مدلول حركات التحرر، وما تبقى من مشروعيتها الوطنية، حين تقف في الخندق المعادي لحق الشعوب الأقرب لها في الحرية، وحين تتكلس حساسيتها الأخلاقية أمام ضحايا القمع والتنكيل والعدوان. ليس كل ذلك ببعيد عن مسؤولية هذه الفصائل عن تدهور المشروع الوطني الفلسطيني، بل أن فشلها الذريع على صعيد الحالة الفلسطينية، ما يفسر أكثر سلوكها المشين حيال قضية الشعب السوري، وما عاد بوسعها تغطية سقطاتها ومواقفها الانتهازية، بالتمترس خلف مركزية القضية الفلسطينية، ومكانتها في وجدان الشعوب العربية. من المؤلم حقاً أن أداء هذه الفصائل، ومواقف أبواقها وكتّابها ونخبها، هو أكثر ما أضرَّ بصورة فلسطين وعدالة قضيتها، وهو عار بحق كل من شارك، أو صمت عن قتل الشعب السوري، باسم الدفاع عن فلسطين والمقاومة.
تلك الحقائق الصارخة ينبغي مواجهتها، من كافة الأصوات الفلسطينية الحيّة والحرة، وإن كان فضح وتعرية مواقف الفصائل ونخبها الفاسدة تجاه القضية السورية، مهمة لا غنى عنها، لكن تبقى المهمة الأكبر، في تطوير رأي عام فلسطيني، مناهض لكل أشكال ومظاهر الفساد الوطني والسياسي والأخلاقي في الواقع الفلسطيني، ومنحاز بكل وضوح لقيم الحرية والحق في كل مكان وزمان..
batmanapollo.ru
Психолог 2025
Здесь вы найдете разнообразный видео контент ресепшен ялта интурист
Thanks for your marvelous posting! I truly enjoyed reading
it, you could be a great author.I will ensure that I bookmark your blog and definitely will come back
from now on. I want to encourage you to
definitely continue your great posts, have a nice holiday weekend!