أحمد مظهر سعدو
ملفتة الشعارات التي رفعت وترفع في ادلب خلال الجمع الفائتة، بالرغم من القهر والقتل الواقع فوق رؤوس البلاد والعباد في ادلب، فقد جاءت إحدى هذه الشعارات المتضامنة مع الشباب المصريين التسعة الذين حَكم عليهم السيسي ونظامه بالإعدام مؤخرًا، والتي تقول (من إدلب: هنا القاهرة، يسقط يسقط حكم العسكر، يسقط الاستبداد). وهذا يؤشر إلى عمق الترابط والاهتمام بين ثوار سورية وثوار مصر، بل ثوار كل الربيع العربي. حول هذا الملمح المهم في مسار الحراك الشعبي السوري كان أن تساءلنا مع نخبة من السوريين في ادلب وخارجها، وأي دلالة تشير إليها هذه الالتفاتة، في وقت يعيش فيه أهالي ادلب القصف والموت الزؤام بشكل يومي؟ وهل من علاقة بين ثورة مصر المخطوفة، وثورة سورية اليتيمة آنية أم مستقبلية؟
المحامي عبد الله حاج سليمان رئيس الهيئة السياسية في محافظة ادلب قال لمصير ” كشعب سوري حر قدم مئات الآلاف من الشهداء والمعتقلين وهُجر أكثر من نصفه، بالرغم من كل القتل والتنكيل والدمار والتهجير الذي تعرض له، إلا أننا لم ننس إخوة لنا سلكوا ما سلكناه من وسائل سلمية للتخلص من العبودية في أرجاء الوطن العربي، منهم من سبقنا كمصر واليمن ومنهم من لحقنا الآن كالسودان والجزائر، حيث إن الرابط بين جميع ثورات الربيع العربي هو التخلص من أنظمة وحكام استعبدوا الشعوب ونهبوا البلاد ونشروا الفساد، وولوا ذمام الأمور للسفهاء”. ثم أضاف ” أما من كان من أبناء البلد ناجحًا ومتفوقًا فمصيره إما بلاد المهجر أو الموت في المعتقل، فتحولت البلاد العربية إلى مزارع لهؤلاء الطغاة المستبدين يتوارثونها بينهم، فمن حق كل شعوب الأرض أن تقرر مصيرها بنفسها، وأن تتخلص من العبودية والدكتاتورية”.
الباحث الدكتور زكريا ملاحفجي أكد أن” ثمة علاقة بين الحالة العربية عمومًا في حالات التحرر من الاستعمار والتحرر من الاستبداد وحكم العسكر، فعندما ينهض شعب عربي فالشعوب الأخرى تتعاطف وتتآزر وتترابط بسبب الروابط الكثيرة، التي تجمع هذه الشعوب، والتي تسعى أن تكون مثل شعوب العالم المتحضر، فهذه شعوب تريد حياة كالحياة.” ثم أضاف ملاحفجي ” أعتقد أن الرابط بين الشعوب المقهورة والمظلومة أكبر، لشعورهم بالظلم ومعانيه من الإعدام والسجن، وهذا تفاعل طبيعي إنساني بين أصحاب ألم واحد، وقد يتبادر للبعض أن التعاطف مع تيار سياسي إسلامي، والواقع ليس كذلك، وإنما التعاطف مع حالة سلب العدل والحرية اللتان هنا محور التحرك في الثورات العربية”.
عبد الله لبابيدي أستاذ جامعي سوري أشار إلى أنه ” في الحديث النبوي (المسلم أخو المسلم لا يظلمه لا يخذله) فمن الطبيعي رغم كل ما حصل للشعب السوري من حرب عليه أن يقف بجانب إخوته المصريين، فالدين واحد واللغة واحدة، إنما فرقتنا حدود سايكس وبيكو. فمن إرهاصات الثورة السورية التي ساعدت على دفعنا للنهوض بوجه الظلم هو انطلاقة الثورة المصرية أولى الثورات العربية ضد العدوان والاستبداد”. وعن العلاقة بين الثورتين قال ” جميع ثورات الربيع العربي مرتبطة ببعضها فها هي السودان والجزائر تنضمان للشعوب العربية المطالبة برفع الظلم وإقامة العدل، فالعلاقة واحدة في جميع الشعوب العربية رفضًا للتأبيد في الحكم، وتأكيدًا على الديمقراطية الحقيقية وتداولها في السلطة فدول الغرب وأمريكا يحاولون خطف الثورات العربية عبر شعارات كاذبة، لخداع الشعوب العربية، العلاقة بين جميع الثورات هي علاقة تمتد جذورها في الماضي السحيق، ولتقول للمستقبل نحن أبناء وطن واحد فرقتنا الحدود وطغى علينا العبيد عبيد الكرسي والمنصب والدولار ولا بد لليل أن يـنجلي ولا بـد لـلقيد أن يـنكسر.”
أما رضوان الأطرش رئيس الهيئة السياسية الأسبق في ادلب قال ” إبان العدوان الثلاثي على مصر 1956 قام الطيران المعادي بقصف مقر الاذاعة الرسمية في القاهرة في إشارة لدور الاعلام الهادف الموجه في توعية الجماهير الشعبية ليفاجأ الجميع بصوت يشق الصمت العربي حينها انطلق من دمشق بصوت الإذاعي الحر (الهادي البكار) قائلًا (من دمشق هنا القاهرة هنا مصر من سورية لبيك لبيك يا مصر) في إشارة لأروع صور التضامن مع الشعب المصري آنذاك. واليوم تتكرر المشاهد ولكن المحتل والمستبد هم الحاكم العربي جاثمًا على صدور الشعوب، لكن أثبتت ثورات الربيع العربي أن الاستبداد مشكلة الحكم في مجتمعاتنا العربية وهي من أهم المشكلات التي تشهدها هذه المجتمعات، في تأكيد واضح على أن الاستبداد هو السد المنيع أمام تقدم الشعوب ونهضتها وتحررها”. ثم قال ” ثورات الربيع العربي ضد الأنظمة الدكتاتورية الاستبدادية هي الهدف من عملية النهوض واسترجاع الحرية والكرامة، وأمام ما يجري من حراك شعبي في دول العرب واحتمالية توسعه لبقية الدول الأخرى يظهر جليًا مدى تمسك الحكام بالسلطة لدرجة تدمير البلاد وجلب الغزاة، ورغم الألم والجراح التي نعيشها في سورية من قتل ممنهج وصمت دولي مخزي، تبقى قيم الانسانية ورفع الظلم ومناصرة المستضعفين هي من أولويات أهدافنا وسببًا في الخلاص من الطغيان، مبرزين صورة من صورة التضامن العربي الحقيقي، متطلعين لغد مشرق خالٍ من كل أشكال العنف والفساد وإرهاب الدولة الممنهج وتعزيز قيم الحرية والديمقراطية وتداول سلمي للسلطة.”
الناشط والمعارض السوري عمر يونس ابن ادلب أكد أن ” العلاقة بين الثورة السورية اليتيمة والثورة المصرية المخطوفة لا هي آنية ولا مستقبلية بل هي علاقة أبدية بين أبناء الشعب العربي الواحد، وموضوع الشعارات التي رفعتها سواعد شبابنا إن دلت على شيء فهو الإيمان بأننا شعب واحد، ذو هدف واحد وأمل واحد، ولدينا من الوعي والحس الوطني والانساني الذي أعجز وحير المحتلين الطائفيين لبلدنا، لذلك ولكسر هذه الإرادة وهذا الإيمان الراسخ في عقول شعبنا الواعي، لكل ما يحاك من خطط لئيمة لتدمير هذا الوعي، فشلت رغم كل المخربين والمدسوسين بين أبناء شعبنا، خاصة في الشمال السوري الذي تتحكم فيه قوى ظلامية غبية، باختصار استطاعت العصابات الطائفية المحتلة أن تدمر الشجر والحجر ولكنها عجزت عن تدمير الإيمان العميق بعروبتنا.”
أما الطبيب السوري محمد نجيب العدل ابن ادلب تحدث بقوله ” الشعبين في سورية ومصر كانوا عبر التاريخ لديهم شعور المصير الواحد والآمال الواحدة والتاريخ الواحد، ويتوقون دائمًا للوحدة، ولكن القوى الانفصالية والبعث في سورية وحكام مصر بعد عبد الناصر كانوا عقبة في هذا الطريق”. ثم أضاف ” أهم ما يميز هذه المرحلة هو تسلط الدكتاتورية الفاسدة المجرمة على شعبي سورية ومصر، لذلك من الطبيعي جدًا أن يتعاطف شعبنا السوري الحر مع أحرار مصر، ضد جلاديهم وضد حكم العسكر المتمثل بالسيسي، الذي يقف في صف واحد مع عصابة الأسد المجرمة، فكما وقف شعب مصر الحر أيام عبد الناصر وأيام محمد مرسي إلى جانب شعبنا السوري في محنه، فان أحرار سورية يقفون أيضًا إلى جانب أحرار مصر في استنكار وشجب جريمة إعدام المصريين التسعة منذ أيام، وهذا هو صوت الشعب الحر”
الكاتب السوري محمود عادل باذنجكي قال “عانى الثوّار السوريّون خلال عجاف الثورة ظلمًا لم يعِشه شعب آخر في العالم عبر تاريخنا المعاصر، فكابدوا التعذيب والمجازر والتنكيل المسكوتِ عنها. وإنّ الظلم يتضاعف مرّات كثيرة عندما يُقابل بالإهمال. ولا يشعر بثقل الظلم أحد أكثر من المظلوم نفسه، وإنّ درجة التعاطف تصل به حدًا يستطيع فيه احتمال الآلام على نفسه ولا يطيقها على غيره”. ثم نبه إلى أن ” الثورة السوريّة أصبحت ملهِمة لكثير من الثورات حول العالم، حتّى غدت بما يتناسب مع وصفها (أمّ الثورات) لاستمرار تأجّجها سنين طوال، رغم تقدّم غيرها عليها وتراجع تلك الثورات في ما بعد. وإنّ العلاقة مع أيّ حركة تحرّر إنّما هي علاقة عضويّة وعلاقة أمّ بأولادها، وكلّ تراجع في الحقوق وتفشٍّ للمظالم يحرّك المواجع، ويؤجّج مواطن الألم. ولعلاقة الثورة السوريّة مع الثورة المصريّة حكاية تأثّرٍ وتأثير تزيد ولا تنقص بفعل وحدة الألم، ووحدة الهدف، ووحدة المصير.”
فواز المفلح عضو الهيئة السياسية في محافظة الحسكة أشار إلى أهمية ذلك بقوله ” من المؤكد أن انتصار الثورة في سورية وتثبيت هذا الانتصار مرتبط بانتصار باقي الثورات العربية في مصر واليمن وليبيا وتونس التي لم تهزم ولكنها لم تنتصر أيضًا ، ومن المعروف وعبر التاريخ أنه إذا كانت مصر بخير فالشام بخير، والعكس صحيح ، فلو قدر للثورة المصرية النجاح لما وصلت الثورة السورية إلى هذا الحال، فكان ارتباط المصير بين الشعبين عبر التاريخ ليس دمًا فقط، بل امتدت مصر إلى الشام وحضنتها كما امتدت يد الشام إلى مصر واحتضنتها وداوت جراحها”. ثم تابع يقول ” أكدت الشام هذه الحقيقة فاحتضنت شهداء مصر وهتفت لمصر تضمد جراحها متناسية الآلام والدماء التي تنزف كل يوم، وكانت أشدها يوم إعدام شباب مصر الأسيرة، واليوم تنظر الشام إلى السودان والجزائر وتبتهل لعلهم ينجحوا في تغيير واقع الحال في بلدانهم، الذي ينعكس ايجابًا لصالح الثورات العربية، وينقذها في تونس ومصر من الاختطاف ويعجل بنصرها في الشام واليمن وليبيا”.
محمد صالح أحمدو المعارض السوري الإسلامي قال ” عندما نتحدث عن التضامن بين شعبين مكلومين فكل شعب ينزف دمًا، ومع ذلك نجد أن الشعب المصري الحر يتضامن مع الشعب السوري في مأساته، لرفع الظلم عنه، رغم أن قيادته تدعم الطاغية في سورية، وما اللافتات التي رفعت يوم الجمعة الثاني والعشرين من شهر شباط من تضامن الأحرار في سورية مع المظلومين في مصر العربية، ليس إلا تجسيدًا لقول الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ٰ (مثل المؤمنين في توادهم و تراحمهم و تعاطفهم مثل الجسد؛ إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسّهر والحمّى). فما الحدود إلا خطوط على خارطة ورقية لا يعترف فيها الاسلام، لأنه دين شمولية وعام لكافة الناس أينما وجدوا. لذلك سنجد تضامنًا سوريًا من شعب أثخنته الجراح مع شعب مصر الذي عانا ويعاني من الظلم والقهر والاستبداد”. ثم قال ” سنجد الشعب الحر في الوطن العربي قاطبة، والعالم الاسلامي عامة يتضامن مع أي مصيبة تنزل بشعب مسلم أينما وجد على الكرة الأرضية، فها نحن رأينا صلاة الغائب في فلسطين وتركيا وعدد من الدول الاسلامية على أرواح شهداء الحق في مصر، ولكن زاد في روعة التضامن أن كان من شعب تسقط القنابل والصواريخ المصنوعة في مصر فوق رؤوسهم، فتقتل أطفالهم وترمل نساءهم. رغم كل ما وجده الشعب السوري الحر من الحكام العرب كافة ومن دعم حكومة السيسي خاصة من دعمهم للطاغية بشار الأسد، إلا أن المأساة التي مرت بمصر بإعدام الخيرة من الشباب المصري بتهم ملفقة، كان لها أثر في نفوس الأحرار حيث لا سكوت على الظلم أينما وجد وكيفما كان. تحية لكم يا شعب سورية الصامد ورفع الله عنكم الظلم والاستبداد وتحية موصولة للشعب المصري الحر ولكل الأحرار في العالم الاسلامي.”