عبد الرحيم خليفة
ليس في هذا العنوان ما يدعو للغرابة، أو الظن بمبالغة لفظية، وتضخم مرضي ذاتي، إنه حقيقة واقعة للمتتبع لشؤون الجالية، بعثراتها وانجازاتها، بإخفاقاتها ونجاحاتها. تبدأ الحكاية يوم 29-04- 2011، المعروفة بجمعة الغضب، بحسب مفكرة الثورة، وأيامها وأسابيعها، وهذا التاريخ هو موعد أول مظاهرة خرج بها السوريون، في رومانيا، وبشكل مبكر عن غيرهم من الدول الأوربية، أو دول المهاجر السورية، وحتى قبل خروج بعض المحافظات والمناطق في داخل سورية نفسها، محطمين بذلك جدران الخوف من نظامهم، ومن بعضهم البعض، وحتى من ذواتهم.! كان ذلك اليوم أول الأيام المفصلية في حياتهم وفي تاريخ وجودهم على أرض جمهورية رومانيا، لجهة تعبيرهم عن أنفسهم، والتحاقهم بالانتفاضة/ الثورة، حيث جاؤوا بأكثر مما هو متوقع منهم من قبل المنظمين، أو القائمين على المظاهرة الاولى، والتي كانت غيرتهم على وطنهم وشعبهم دفعتهم كمجموعات صغيرة، لا تعرف بعضها جيدًا، تفكر برد فعل مناسب على أخبار أطفال وطنهم الذين يقتلون وهم بعمر الورود، بحسب أغنية سميح شقير التي تردد صداها أمام مقر الحكومة الرومانية، في ذلك اليوم المشهود. تتالت المظاهرات والوقفات الاحتجاجية، فكانت وقفة “جمعة الحرائر” يوم 13- 05- 2011، ومن ثم جمعة “حماة الديار” يوم 27- 05- 2011، بفاصل زمني بسيط (أسبوعين فقط) بين المظاهرة والأخرى، لتتوالى بعد ذلك دون توقف نشاطاتهم واحتجاجاتهم وأفعالهم الداعمة للثورة المجيدة. برزت الحاجة مبكرًا لتنظيم هذه الجهود فكان التداعي لتشكيل مؤسسة تقود الحراك وتؤطره، وبنتيجة نقاشات ضيقة، ومعمقة، بين عدد من المخلصين، تم الاتفاق على تشكيل جالية سورية الحرة، والاعلان عنها قانونيًا، حسب الأصول المتبعة في رومانيا، في يوم 29- 07- 2011 من خلال مؤتمر تأسيسي، حضره ما يزيد عن 150 مواطنًا سوريًا ولتتشكل على إثرها فروع للجالية في أربع محافظات، غير العاصمة بوخارست. كان ذلك يومًا آخر مفصلي في مسيرة السوريين في رومانيا باعتبارها أول جالية مستقلة، وحرة، ولدت من رحم الثورة، كبرت ونمت وأثمرت، لتصل إلى اليوم الذي نحن فيه، بعد أن أنجزت ثمانية مؤتمرات دورية تناوب على إدارتها مكاتب تنفيذية منتخبة، جددت دماءها مع كل استحقاق انتخابي سنوي، يضبط عملها، وينظمه، ويراجع سياساتها، وفق لائحة داخلية طورت وعدلت بحسب الحاجة أكثر من مرة. في يوميات الجالية المفصلية يوم آخر مليء بالمعاني والحرارة رغم برودة طقسه القارص، كان ذلك اليوم من شباط/ فبراير 2012، حين استطاعت نخبة منهم الدخول لما يعرف، بهتانًا وزورًا، باسم مقر رابطة السوريين المغتربين، وتحريره، ليكون مقرًا لجاليتنا الكريمة لمدة أربع سنوات، وليكون المبنى الوحيد في العالم خارج سورية يتم تحريره واسترداده لصالح أصحاب الحق فيه، وملاكه الشرعيين، وهم عموم السوريين وليس أتباع النظام ومخبريه ومن هم مرضي عنهم. في مسيرة الجالية أيام مضيئة لن نتمكن من عرضها كلها، وسأكتفي بعرض بعض منها: _ ساهمت في تأسيس اتحاد السوريين في المهجر، في العاصمة النمساوية/ فيينا وهو تجمع بدأ بتمثيل وحضور عن 24 دولة أوربية، للعمل في المجالين الاعلامي والاغاثي، وقد استضافت الجالية مؤتمرًا كبيرًا له في يونيو/ حزيران 2012، حضره العديد من شخصيات المعارضة السورية وممثلي الثورة المظفرة على مدى ثلاثة أيام. _ شاركت الجالية في قافلة الحرية 1 و2، وفي اليوم العالمي للتضامن مع الشعب السوري، وفي الحملة الدولية: المعتقلون أولًا. _ في آذار / مارس 2012 وبذكرى الثورة، انطلقت مسيرة راجلة تجاوز عدد المشاركين فيها ال 1000 متظاهر، وسارت لمسافة تزيد عن 3 ك. م وحُمل فيها أطول علم للثورة (طوله 50 مترا). _ من المظاهرات المميزة واللافتة كانت إحداها أمام سفارة نظام الاجرام بمناسبة إعادة تنصيب بشار الأسد لدورة أخرى كقاتل لشعبه وزعيمًا لعصابات الاجرام المارقة بالتحالف مع الدول الخارجة عن القانون الدولي. _ سيرت الجالية على مدار سنوات قوافل المعونة والإغاثة للمخيمات في تركيا، ولبنان، ولداخل الأراضي السورية، ووصلت للمناطق المحاصرة في دوما ومضايا وتلبيسة وريف حلب، وغيرها من المناطق، عبر تقديم مبالغ مالية ضخمة، وبعض تلك المساعدات كان إيصاله محفوفًا بالمخاطر. _ قدمت الدعم المادي لبعض الجمعيات العاملة في مجال رعاية الأيتام والأرامل واستحقت الشكر والثناء، ونالت بطاقات وأوسمة العرفان. _ ذهب البعض من أطبائها وأعضائها منفردين، أو مشاركين مع آخرين، في حملات العلاج والدعم للاجئين في هنغاريا، أو على الحدود اليونانية/ المقدونية (ضمن حملة أورينت). _ تواصلت مع العديد من منظمات المجتمع المدني في رومانيا، ونظمت حلقات نقاشية حول الوضع السوري، وقامت بحملات إعلانية في الشوارع والطرق العامة، وتواصلت مع الخارجية الرومانية وقدمت رسائل احتجاج متكررة للأمم المتحدة، والاتحاد الاوربي، وروسيا عبر سفارتها. _ أقامت معارض صور وخيام، وطبعت بروشورات مصورة تشرح معاناة السوريين وظهر العديد من أعضائها في وسائل الاعلام الرومانية متحدثين باسم الثورة وموضحين أهدافها. _ أقامت العديد من الندوات السياسية والفكرية في عدد من المناسبات، واستضافت في بعضها شخصيات من خارج رومانيا. _ للجالية صفحة فيسبوك رسمية تنقل نشاطاتها، وفي خطتها لهذا العام إنشاء موقع على الشبكة العنقودية، ومشاريع أخرى كثيرة طموحة. غيض من فيض يختصر حكاية شعب وثورة قدم كل ما يستطيع لنيل حريته وكرامته، وأثبت قدرته عل التنظيم والعمل والمأسسة والتطور الايجابي. جالية سورية الحرة شجرة طيبة، وأصيلة، ثابتة، جذورها في الأرض وفروعها في السماء.
المصدر: صحيفة اشراق