عبد الله البشير
اللاجئون الفلسطينيون في سورية عانوا وما زالوا من الحرب الدائرة في البلاد، شأنهم شأن المواطنين السوريين. هم اضطروا إلى النزوح بينما قُتل بعضهم وجُرح بعض آخر وتهدّمت منازل كانت تؤويهم في لجوئهم.
في عام 1948 كانت النكبة، وبدأ مسلسل تهجير الفلسطينيين من أرضهم. المهجّرون الأوائل ظنّوا أنّ خروجهم من بيوتهم ومن وطنهم لن يستغرق سوى أيام، ولجأوا إلى دول الجوار. ظنّوا أنّهم بذلك يبقون على مقربة من فلسطينهم، فتكون عودتهم بالتالي سريعة. لكنّ الاحتلال الإسرائيلي راح يتوسّع والتهجير تكرّر وطال، وصار يُحكى عن شتات فلسطيني. سورية من تلك الدول التي استقبلت اللاجئين الفلسطينيين، وبعد سنوات طويلة رأى فلسطينيو سورية أنفسهم يُهجَّرون مجدداً من مخيّمات وأحياء استقرّوا فيها هذه المرّة. ثمّة أجيال منهم لم تخبر التهجير الأوّل، سواءً في خلال النكبة أو في محطات أخرى لاحقة، غير أنّه أتيح لها اختبار الثاني على خلفية الاضطرابات في دولة اللجوء.
في شمال سورية، حيث يعيش اليوم سوريون كثيرون نزحوا من مناطقهم، ثمّة عدد لا بأس به من اللاجئين الفلسطينيين في سورية الذين تهجّروا بدورهم على خلفيّة الأحداث الدائرة في البلاد منذ ثماني سنوات. هؤلاء جميعاً يعانون من جرّاء الظروف الصعبة. ثائر أبو شرخ من فلسطينيي سورية، يقول لـ”العربي الجديد” إنّ “الفلسطينيين في الشمال السوري، بحسب ما هو معروف، تهجّروا من أكثر من مخيّم، اليرموك وخان الشيح وحمص وحندرات، ويُقدَّر عدد العائلات الفلسطينية المهجّرة بما بين 1300 و1500 عائلة، تعيش بمعظمها ظروفاً صعبة جداً. ويأتي ذلك مع عدم توفّر فرص عمل تساعد الشباب على إعالة أسرهم وتلبية احتياجاتهم اليومية، الأمر الذي يضطر كثيرين منهم إلى البقاء في المخيّمات”. يضيف أنّهم “يتوزّعون في مخيّمات الشمال السوري، لا سيّما في مخيّم أعزاز ومخيّم دير بلوط وأخرى موزّعة في المنطقة، علماً أنّ منظمة التحرير الفلسطينية تخلّت عن دورها، هي التي تُعَدّ ممثلة الشعب الفلسطيني. أمّا وكالة إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) فهي كذلك توقّفت عن الاضطلاع بدورها منذ مايو/ أيار 2018، عندما تهجّرنا إلى الشمال”.
يتحدّث أبو شرخ عن دور المنظمات المعنية في إعانة اللاجئين الفلسطينيين المهجّرين إلى الشمال السوري، مؤكداً أنّ “ثمّة غياباً لآلية واضحة في التعامل مع المهجّرين هناك. حتى الآن، لم تتبنَّ أيّ جهة ملف اللاجئين الفلسطينيين أو ملف المهجّرين الفلسطينيين، في حين قام حراك شعبي في الفترة الماضية لتسوية أحوال الفلسطينيين في الشمال، وذلك من خلال التواصل مع الجهات المتابعة من قبيل المجالس المحلية للاعتراف بفلسطينيي سورية المهجّرين، ومنحهم الأوراق الثبوتية اللازمة التي من شأنها مساعدتهم على التحرك والعمل في المناطق”.
ويشير أبو شرخ إلى “مشكلات كثيرة من قبيل فقدان فرص العمل والحياة الكريمة، ففلسطينيو سورية المهجّرون يسعون كغيرهم من المهجّرين السوريين إلى تأمين الأمان والاستقرار المعيشي، لذا يحاول بعض منهم العبور إلى تركيا بطرق سريّة”. يضيف أنّ “من يمتلك المال قادر على ذلك، مع الإشارة إلى أنّ ثمّة من عرّض حياته للخطر أو تعرّض لعمليات نصب واحتيال من قبل المهرّبين وتجّار البشر”. وتلك المشكلات ليست وحدها التي تؤرّق حياة اللاجئين الفلسطينيين المهجّرين في سورية، بحسب أبو شرخ، “ففي مخيّم أعزاز على سبيل المثال، وهو مركز إيواء مؤقّت، يُفصل أفراد العائلات عن بعضهم بعضاً. فتكون النساء في خيام والرجال في أخرى معزولة عنها، ولا تجتمع العائلات إلا عند تناول الطعام”. يضيف أنّ “العيش في خارج المخيّم غير وارد، لأنّ بدلات إيجار المنازل مرتفعة جداً، وهذا أمر نتشاركه مع المهجّرين السوريين. جميعنا يعاني”.
من جهته، يقول الناشط الفلسطيني عمار القدسي لـ”العربي الجديد”: “توجهنا بطلبات عدّة إلى وكالة أونروا وأبرزها تفعيل بند الحماية الذي هو من أساس عمل الوكالة قانونياً بالنسبة للاجئين الفلسطينيين، بالإضافة إلى تحسين ظروف العيش والتعليم والصحة، لكنّها تجاهلتنا”. ويوضح المقدسي أنّه “بهدف تنظيم وجود اللاجئين الفلسطينيين في الشمال السوري، استُحدث مركز توثيق تحت سقف الإدارة العامة للشؤون المدنية في الحكومة السورية المؤقتة، من شأنه العمل على توثيق الوقائع المدنية للاجئين الفلسطينيين من زواج وطلاق وولادة ووفاة، على أن يمنح المركز وثائق رسمية من قبيل إخراج القيد والبيان العائلي. يُذكر أنّ ثمّة إجراءات معيّنة سوف تتخذ قانونياً بخصوص فاقدي أوراقهم الثبوتية”.
في السياق، يتحدّث الحقوقي الفلسطيني والمنسق العام لـ”تجمع مصير” أيمن أبو هاشم لـ”العربي الجديد” عن “التهجير الثاني الذي يعيشه فلسطينيو سورية”، موضحاً أنّ “وجود الفلسطينيين في الشمال السوري لا يقتصر في الحقيقة على المهجّرين من أبناء مخيّم اليرموك الذين نزحوا في عام 2018. فموجات نزوح عدّة سُجلت قبل ذلك إلى شمال سورية، وتحديداً إلى مخيمات الفلسطينيين في مدينة حلب في عام 2014. بالتالي، منذ ذلك الوقت، ارتفعت الأصوات التي تطالب وكالة إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) بالتدخّل العاجل من أجل مساعدة هؤلاء اللاجئين المهجّرين. وكثرت المطالبات مع وصول المهجّرين من أبناء مخيّمَي اليرموك وخان الشيح ومن بقيّة المناطق في سورية”. يضيف أبو هاشم أنّ “وكالة أونروا هي المنظمة المعنية بشؤون فلسطينيي سورية، لذا يجب عليها القيام بواجبها والوفاء بالتزاماتها المتعلقة بمساعدة المهجّرين الفلسطينيين في منطقة الشمال السوري”.
يقول أبو هاشم إنّ “المنظمات المعنية بمتابعة شؤون الفلسطينيين لم تؤدّ دورها المطلوب، على الرغم من المناشدات المتكررة. وللأسف تُسجَّل حالة من اللامبالاة من قبل أونروا، وكذلك من قبل الهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين العرب التابعة للنظام السوري التي ترى أنّ هؤلاء المهجّرين هم في بيئة معادية للنظام ولا يستحقون المساعدة”. يضيف أبو هاشم أنّ “أكثر من 2500 فلسطيني من مخيّم اليرموك هجّروا بعد انتقالهم إلى بلدات يلدا وببيلا وبيت سحم، إلى الشمال السوري. فاستقبل مخيّم دير بلوط في منطقة عفرين بريف حلب، عدداً كبيراً من الفلسطينيين تراوح ما بين 1200 و1500. وتستمر المطالبة بتدخّل أونروا لمصلحة هؤلاء وكذلك آخرين في مناطق أخرى”. ويشير أبو هاشم إلى أنّه “في مثل هذه الحالة، وفق القانون الدولي، عندما لا تؤدّي إحدى المنظمات الدولية دورها، يتوجّب على منظمات أخرى تابعة للأمم المتحدة أداء دورها. لكنّ ذلك لم يحصل”.
ويشرح أبو هاشم أنّ “سكان مخيّم دير بلوط يعانون من جرّاء ظروف إنسانية بالغة الصعوبة على المستويات كافة. في الصيف لا تقيهم خيامهم من القيظ، وفي الشتاء هم معرّضون للعواصف الثلجية والبرد مثلما حصل هذا العام”. يتابع أنّه حتى اليوم، ليس أمامهم سوى الاعتصام من حين إلى آخر والمطالبة في خلال تلك الوقفات الاحتجاجية بالهجرة إلى خارج سورية، للحصول على الأمان والخلاص من محنتهم”.
في السياق، يؤكد أبو هاشم أنّ “حقّ العودة، عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى وطنهم، هو حقّ تاريخي غير قابل للتصرف يكفله القانون الدولي”. وينصّ القرار 194 الذي أصدرته الأمم المتحدة في عام 1948 على حقّ اللاجئين الفلسطينيين في العودة والتعويض، بعد تهجيرهم منها. يُذكر أنّ حقّ العودة مكفول بمواد الميثاق العالمي لحقوق الإنسان الصادر في عام 1948 كذلك. ويكمل أبو هاشم أنّ “عدم تنفيذ هذا القرار الدولي الذي ينص على حقّ عودة الفلسطينيين إلى أرضهم بعدما تهجّروا منها على يد الاحتلال الإسرائيلي منذ أكثر من 70 عاماً، أدّى إلى استمرار محنة اللاجئين الفلسطينيين عموماً وتفاقمها، لا سيّما محنة فلسطينيي سورية”.
ويؤكد أبو هاشم أنّه “في أوقات الحرب، عندما يتهدّد المدنيين خطر الموت أو أيّ خطر آخر، من الطبيعي أن تتدخل منظمات الأمم المتحدة من ضمنها المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين من أجل العمل على مساعدة المدنيين اللاجئين، لجهة إعادة توطينهم في حال استحالة بقائهم في البلد حيث تدور الحرب أو حيث تُنتهَك حقوقهم”. ويوضح أنّه “بموجب اتفاقية عام 1951 الخاصة بأوضاع اللاجئين، يتوجب على المفوضية الاضطلاع بواجباتها ومساعدة اللاجئين وتسهيل حياتهم ونقلهم إلى بلاد مستقرّة حيث الأمان، ريثما تنتهي الحرب. وعندها يُبحَث في قضية عودتهم إلى البلاد التي خرجوا منها في حال توفّر مقوّمات الأمن والأمان فيها”.
في عام 2012، عندما قُصِف مخيّم اليرموك، سُجّل نزوح كبير منه، في حين هُجّر فلسطينيون آخرون من مخيّمات أخرى تعرّضت كذلك لعمليات عسكرية. وكثيرون هم فلسطينيو سورية الذين تركوا الأراضي السورية ولجأوا إلى دول مثل لبنان والأردن ومصر. وراحت أحوال هؤلاء تتعقّد أكثر في تلك البلدان التي لم تلتزم حقيقة بتسهيل أمور هؤلاء اللاجئين ومساعدتهم على الصعد كافة. لكنّ الإشارة تجدر إلى أنّ وكالة “أونروا” تولّت شؤونهم. تجدر الإشارة إلى أنّ “العربي الجديد” حاولت التواصل مع وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) لسؤالها عن الإهمال الذي يعانيه فلسطينيو سورية المهجّرين إلى الشمال السوري، غير أنّها لم تتلقَّ أيّ ردّ من مكتب الوكالة في دمشق.
المصدر: العربي الجديد