أحمد مظهر سعدو
مازالت مشاريع إقامة المنطقة الآمنة في الشمال السوري، بين أخذ ورد، ومازالت هناك الكثير من جولات الحوار بين واشنطن وتركيا وبين روسيا وتركيا حولها. ويبدو أن الخلافات التي ما فتئت متواصلة، وهي التي حالت وتحول دون إقامتها، بل لعل الروس قبل الأميركان من يحاولون وضع العثرات في طريقها، بينما تبدو الدولة التركية الصديقة للشعب السوري مستعجلة من أجل إنجازها، ويبقى الشعب السوري بكورده وعربه هو الغائب الوحيد عن مسألة المنطقة الآمنة، أوالعازلة كما يشاء الأميركان أن يسمونها. لكن كورد سورية الوطنيين والمناهضين للإرهاب الناتج عن وجود (قسد) وما تحويه (قسد) من (ب ي د) وسواها، لهم رأي مهم في إقامة المنطقة الآمنة. وجيرون استطلعت رأي الكورد السوريين الوطنيين حول المنطقة الآمنة
وسألتهم هل من أمل قريب وجدي في إقامتها؟ وهل تفضلونها حاليًا لجمًا للإرهاب المنبثق من تنظيم ال (ب ي د) وأشباهه؟ وإلى أي حد سيكون مرضيًا عنها من قبل فئات وقوى الكورد خارج إطار (قسد)؟
الكاتب السوري أحمد قاسم ورئيس القسم الكوردي في صحيفة (إشراق) أكد لجيرون ” بأن تركيا طرحتها منذ سنوات، وخاصة بعد أن اختار النظام في دمشق الخيار العسكري للتعامل مع الثورة السلمية، وبدأت الهجرة بالآلاف باتجاه تركيا، إلا أن الظروف الدولية ما كانت تسمح بإقامة تلك المنطقة. ولكن عندما سيطرت قوات وحدات الحماية العائدة لحزب الاتحاد الديمقراطي /الجناح السوري لحزب العمال الكردستاني/التركي، ازدادت مخاوف تركيا من تعاظم قوى هذا الحزب الذي هو في حالة حرب مع الحكومة التركية، لتصر تركيا على تنفيذ هذا الطلب بشكل انفرادي، قبل أن يتبلور الفكر الكردي باتجاه الطلب التركي، لكن تعامل قوات (البيد) مع الكرد بشكل خاص ومن ثم فرض (الأتوات) والتجنيد الاجباري عليهم، وخنق الحريات على الأحزاب غير الموالية لهم، أنتجت حالة من ردود أفعال لدى غالبية المجتمع الكردي والبحث عن مخرج للخروج من تلك الحالة، لكن وبعد تشكيل تحالف دولي للحرب على الارهاب بدءً من تحرير (كوباني) بمشاركة وحدات الحماية، فقدت الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني كل الفرص التي كانت قد تساعدهم للخروج من سيطرة الحزب المذكور، لكن ومع طرح تركيا لإقامة المنطقة الآمنة، أعادت لهم الأمل لتغيير الواقع.” وأضاف قاسم ” بعد عملية غصن الزيتون وما أنتجت لدى المجتمع العفريني، إلا أن ذلك لم يؤد إلى رفض الكورد لإقامة منطقة آمنة لكنهم أرادوها بصيغة أخرى، على أن يتم إدارتها أمنيًا من قبل قوات دولية، مع تشكيل إدارة مدنية من قبل مكونات المنطقة. وهناك مخاوف أخرى فيما لو أقدمت تركيا من طرفها على تنفيذ قراراها بشأن المنطقة الآمنة حيث قد تدفع حزب (ب ي د) وقوات (قسد) نحو التفاهم مع النظام، بأي ثمن، وتسليم المنطقة إلى قوات النظام، كما تسعى إليه روسيا والنظام وإيران معًا. لذلك أرى بأن الموضوع معقد جدًا، ونتيجة لعدم وحدة الرؤيا والموقف بين الدول المسيطرة على مفاصل المسألة السورية (أميركا، أوروبا، إسرائيل، والبعض من الدول العربية في مواجهة الموقف الروسي والايراني الداعم للنظام والمعارض للرؤية التركية) كل ذلك من شأنه تأجيل إقامة مثل هذه المنطقة، طالما أن انسحاب القوات الأميركية أيضًا بات في حكم الالغاء، حيث الأميركيين يؤكدون على أنهم باقون جزئيًا حتى يتم الوصول إلى حلول سياسية لمجمل القضية السورية ترضي الشعب السوري ومكوناته المختلفة. “
الكاتب الصحافي السوري الكوردي عبد الباري عثمان أكد من جهته أن ” فكرة المنطقة اﻵمنة تطرح منذ أكثر من 5سنوات، وكانت هناك أصوات سورية نادت بالمنطقة اﻵمنة عبر حماية دولية، وكذلك طالبت تركيا بذلك في بادئ الأمر، لكن كان يبدو أن الدول النافذة في الملف السوري كانت تريد أن تكون الحالة الحالية السورية وتقسيم خارطة سورية حسب مصالحهم أما الحوارات الحالية حول المنطقة اﻵمنة على الحدود السورية التركية فهي معقدة جدًا، وليست هناك توافقات حقيقية بين الدول النافذة كل منها تضغط باتجاه حمايتها على المنطقة نتيجة مخاوفها .” ويرى عثمان أنه ” يجب فتح حوار جدي بين الدول النافذة، وكذلك القوات المتواجدة على طول الحدود من درع الفرات وغصن الزيتون إلى قسد، ﻹيجاد حلول تراعي البيئة الاجتماعية للمنطقة، وكذلك ايجاد حل جذري أوﻻً لشكل الحكم في سورية، هل سيكون مركزي أم ﻻ مركزي، والإعتراف الدستوري بحقوق المكونات، إن كانت الدول والمحاور حول سورية تريد الأمان واﻻستقرار للشعب السوري. فالسوريون أطلقوا كلمتهم الأولى في الثورة وهي الحرية وأي حلول جزئية ستبقي الوضع كما النار تحت الرماد”.
أما السياسي والكاتب الكوردي رستم تمو فله رأي مختلف إذ يقول لجيرون ” يبدو من الصعب حاليًا تأكيد أو نفي تحقيق مطلب المنطقة الآمنة في قادم الأيام، لأن ذلك يخضع أولًا وأخيرًا لتجاذبات مصالح الدول المتدخلة في الشأن السوري، وأهمها أميركا، فاليوم انتهت فصول مسرحية داعش ومحاربته، وحصل نتنياهو للمرة الثانية في غضون أشهر على ما يريد (القدس والجولان) من الرئيس الأميركي دونالد ترامب الوكيل الحصري في بيع المدن والأراضي العربية ولمن يشاء، ممن أخذ التوكيل وكيف! الاجابة عن ذلك برسم بعض الأنظمة العربية”. وأضاف تمو ” بما أن الرئيس الأميركي تاجر، ومازال يمارس تجارته من البيت الأبيض فإن امتناعه أو تجنبه إقامة المنطقة الآمنة كما تريد تركيا، هو مسألة وقت قد تطول قليلًا أو تقصر حسب حصوله على السعر الذي يريده، وأنا أرى أن خيار المنطقة الآمنة يبقى هو الأفضل في ظل استمرار الاستبداد المركزي في موقعه وسعيه إلى بسط السيطرة على كافة المناطق، بعد انتهاء وظيفة عدد من فروعه الارهابية، من حيث المبدأ هناك قبول لمسألة المنطقة الآمنة في الشارع الكوردي البعيد عن قسد، مع تخوف شديد من قدوم القوى المتمركزة في درع الفرات بسبب سمعتها السيئة في إدارة المنطقة”.
الكاتب والقيادي في رابطة الكورد المستقلين مصطفى مستو قال لجيرون ” إن فكرة إنشاء منطقة آمنة على الحدود السورية التركية والتي طرحتها الولايات المتحدة الأميركية، هي ليست بجديدة وإنما هي طرح تركي منذ 2012، وذلك لحماية المدنيين الهاربين من أتون الحرب السورية، هذه الفكرة التي رفضتها الولايات المتحدة الأميركية في وقتها، ولو كتب لها النجاح في حينها لجنبت السوريين الكثير من الويلات، إلا أنه ورغم كل ذلك، فإن التوافق الدولي والاقليمي على إقامة منطقة آمنة خالية من السلاح هو مجال ترحيب لدى كافة السوريين، وخاصة لدى الكورد، الذين فروا وتم تهجيرهم عبر ممارسات منظمومة حزب العمال الكردستاني التي أفرغت المنطقة من سكانها الأصليين، ليبقوا مشتتين في دول الجوار ينتظرون المناخات المناسبة للعودة إلى ديارهم، ورغم أن منطقة شرق الفرات أصبحت مجال تجاذبات دولية بعد القضاء العسكري على تنظيم داعش الإرهابي، ولاسيما بين روسيا والنظام وإيران من جهة، وبين تركيا والولايات المتحدة الأميركية من جهة أخرى، إلا أن المعطيات الأولية تؤكد بأن هناك توافق مبدئي بين تركيا والولايات المتحدة الأميركية حول إنشاء منطقة آمنة بعمق 32 كم بعد أخذ مخاوف تركيا بعين الاعتبار من منظومة حزب العمال الكردستاني”. وأضاف مستو أنه بالإضافة إلى ذلك فإن هناك ” الخط الأحمر الأميركي على تواجد النظام السوري وكل من له علاقة بإيران في شرق الفرات، كل ذلك يدل دلالة واضحة على أن السيناريو الأميركي التركي هو الأقرب إلى التطبيق، ويبقى الاتفاق على التفاصيل حول ( حدود المنطقة وإدارتها، القوى المتواجدة، الجهة المشرفة، التمويل) هو جوهر الخلاف الأميركي التركي، الذي ربما (في الفترة القريبة) سيتم حل هذه الاشكاليات بالطرق الدبلوماسية، وإلا فإن تركيا ستقدم على خطوة شبيهة بسيناريو عملية غصن الزيتون في عفرين، وفي النهاية فإن إقامة منطقة آمنة في شرقي الفرات هو خطوة باتجاه الحل السوري، وهو مرحب به كورديًا إلا أنه يستوجب حكمًا أن تسلم إدارة هذه المنطقة إلى أبنائها من المكونات السورية بكردها وعربها وتركمانها وسريانها، وإلا فإن مصيرها الفشل وسيُعقَّد المشهد السوري أكثر مما هو معقد”.
المصدر: جيرون