عدنان أحمد
للمرة الثانية في غضون أسابيع قليلة، يعود الحديث عن تجدد الاشتباكات بين قوات روسية وأخرى إيرانية في محافظة حلب شمالي سورية، ليبدو ما يجري فصلاً من التنافس بين الطرفين للسيطرة على المدن الرئيسية، ومفاصل التحكم والقرار داخل البلاد.
ونقلت وكالة “الأناضول” عن مصادر محلية، قولها إن اشتباكات وقعت يوم الجمعة الماضي بين الطرفين في المطار الدولي الواقع شرقي المدينة، وذلك بعد أن طالبت القوات الروسية “الحرس الثوري” الإيراني ومجموعات تابعة له بإخلاء المطار. وذكرت مصادر محلية لـ”العربي الجديد”، أن الاشتباكات وقعت بالتحديد في محيط مطار حلب الدولي، وقد توقفت بعد تحليق طائرة روسية في سماء المنطقة. كما سقط في اليوم نفسه عدد من القتلى والجرحى خلال اشتباكات بين الطرفين في محافظة دير الزور شرقي البلاد، وذلك بعد أن أوقف حاجز لعناصر من “الحرس الثوري” الإيراني موكباً للشرطة العسكرية الروسية في مدينة الميادين بريف دير الزور، ما أدى إلى تلاسن تحول إلى اشتباكات أسفرت عن وقوع قتيلين في صفوف “الحرس الثوري”، وجرح أربعة عناصر من الشرطة العسكرية الروسية، بحسب وكالة “الأناضول”. ولم يصدر أي تعليق رسمي من قبل موسكو أو طهران حول الاشتباكات بين قواتهما في سورية، لكنّ مصدراً عسكرياً تابعاً للنظام السوري قال أمس السبت، بحسب ما نقلت عنه وكالة “سانا” التابعة للنظام، إنه لا صحة إطلاقاً لما تناقلته بعض المواقع ووسائل الإعلام المكتوبة، عن حدوث اشتباكات بين القوات الروسية والإيرانية في دير الزور وحلب.
ولا تعدّ الاشتباكات الأولى من نوعها، إذ كان حيّ الحمدانية في مدينة حلب شهد قبل أيام اشتباكات مماثلة بين مسلحين موالين لروسيا وآخرين تابعين إلى مليشيات ممولة من إيران، استخدمت فيها الأسلحة الثقيلة، ما أدى إلى سقوط قتلى وجرحى من الطرفين وبين المدنيين، فيما نسبت مصادر موالية للنظام القصف على الحيّ إلى فصائل المعارضة. وقالت مصادر محلية إن الاشتباكات التي شهدها الحيّ ومواقع قريبة من الأكاديمية العسكرية، جرت بين مجموعات تابعة إلى مليشيات “الدفاع الوطني” و”الفرقة الرابعة” و”لواء الباقر” من جهة، ومليشيا “لواء القدس” المدعوم من روسيا من جهة أخرى. وبدأت المواجهات بين الطرفين، بعدما اعترضت دورية تابعة إلى “الفرقة الرابعة” طريق مجموعة مسلحة من “لواء القدس” أثناء مرورها في الحي، وتطورت المواجهات بعدما وصلت تعزيزات عسكرية للطرفين، من الأكاديمية العسكرية في الحمدانية ومن كتيبة المدفعية في جمعية الزهراء.
كما شهد مطلع إبريل/ نيسان الحالي احتكاكات بين الجانبين في حلب، بعد اعتقال الشرطة العسكرية الروسية عدداً من عناصر مليشيا “حركة النجباء” المدعومة من إيران وسط المدينة، وذلك بعد أن اعترضت مجموعة تابعة لـ “الحرس الثوري” دورية للشرطة العسكرية الروسية في جبل عزان بريف حلب الجنوبي، ومنعتها من المرور باتجاه قاعدة “السيدة رقية”، حيث طلب ضباط إيرانيون من الشرطة العسكرية الروسية المغادرة بسبب دخولهم منطقة عسكرية خاصة بالإيرانيين. وجاء هذا التوتر في حلب، امتداداً للاشتباكات التي جرت سابقاً في ريف حماة، حيث سيطر “الفيلق الخامس” التابع لقوات النظام، والمدعوم من روسيا، على جبهات ريف حماة، مبعداً المليشيات الإيرانية و”الفرقة الرابعة” الموالية لطهران، ما أدى إلى انتقال الصراع إلى مدينة حلب بسبب أهميتها الكبيرة عسكرياً وسياسياً واقتصادياً. وكانت أحياء حلب الغربية شهدت إعادة انتشار للمليشيات منذ مطلع مارس/ آذار الماضي، إذ انتشر عناصر “لواء القدس” المدعوم من روسيا، على حساب المليشيات المدعومة من إيران التي كانت تسيطر بشكل شبه كامل على الكتل السكنية في الأحياء الغربية. وتشكل “الفرقة الرابعة” و”لواء الباقر” و”الدفاع الوطني” طوقاً أمنياً يحيط بالأكاديمية العسكرية، التي تعتبر نقطة مراقبة إيرانية، إضافة إلى كونها أكبر نقطة عسكرية داخل مدينة حلب تابعة لـ “الحرس الثوري” و”حزب الله” اللبناني.
وعملت روسيا منذ مطلع العام الحالي على استقطاب “لواء القدس” الذي كان يوالي إيران، وضمت إلى صفوفه مئات العناصر الجدد الذين تم تدريبهم، وخصوصاً في معسكر حندرات شمالي المدينة، الذي أنشأته القوات الروسية بالقرب من نقطة المراقبة الروسية الجديدة في تلة حندرات. ونشرت روسيا المئات من عناصر “لواء القدس” الجدد في حي جمعية الزهراء والأطراف الشمالية من حي حلب الجديدة، وأنشأت لهم قاعدة تمركز رئيسية داخل كتيبة المدفعية بالقرب من نقطة المراقبة الروسية في جمعية الزهراء، بعد أن ارتدوا الزيّ الرسمي للشرطة العسكرية الروسية، وتم تزويدهم بأسلحة حديثة وتقنيات لوجستية متطورة. وقال خبراء عسكريون، إن موسكو تسعى للاعتماد على “لواء القدس” في المنطقة ليكون ذراعاً عسكرية لروسيا في مواجهة المليشيات التي ترعاها إيران، حتى لا تزجّ بعناصر الشرطة العسكرية الروسية مباشرة في مثل هذه المواجهات. كما تسعى روسيا لأن يشارك “لواء القدس”، إلى جانب “الفيلق الخامس”، في حماية حدود المنطقة العازلة التي اتفق عليها الجانبان التركي والروسي ضمن اتفاق سوتشي، والتي تمتد على أجزاء من محافظات حلب وإدلب وحماة واللاذقية، إضافة لدوره الأمني داخل مدينة حلب. يذكر أن مليشيا “لواء القدس” شُكلت منتصف عام 2013 بقيادة الفلسطيني محمد سعيد، الذي كان له علاقات قوية مع الاستخبارات الجوية في حلب، وكثير من عناصر اللواء هم من أبناء اللاجئين الفلسطينيين المقيمين في مخيميّ النيرب وحندرات. وشارك “لواء القدس” في أغلب عمليات النظام العسكرية في حلب ودرعا والغوطة الشرقية ودير الزور، وكرّمت القيادة الروسية في سورية قادته العسكريين أكثر من مرة.
وتنتشر المليشيات التابعة لإيران في ريفي حلب الجنوبي والشرقي، وتسيطر على شريط طويل من نقطة المراقبة الإيرانية في الأكاديمية العسكرية، وحتى النقطة الثانية في أرض المصطبة شمالي الحاضر في ريف حلب الجنوبي، مروراً بخان طومان ومعمل الإسمنت والراشدين. ويزيد طول هذا الشريط عن 50 كيلومتراً، ويحظى بدعم القاعدة الإيرانية الخلفية في منطقة جبل عزان جنوبي حلب، إضافة إلى بسط سيطرتهم على عشرات القرى في المنطقة بعد تهجير سكانها. وترتبط مساعي إيران وروسيا بتعزيز سيطرتهما في حلب وريفها، بالمفاوضات الجارية بين تركيا وروسيا حول إعادة فتح طريق حلب غازي عنتاب الدولي، الذي تم إغلاقه عام 2012 عقب سيطرة الجيش السوري الحر على أجزاء واسعة من الطريق الممتد من مدينة أعزاز على الحدود التركية، وحتى حي الليرمون الذي يمثل المدخل الشمالي لمدينة حلب، الذي تسيطر عليه اليوم ثلاث قوى مختلفة الأهداف والرايات تدعمها قوى إقليمية ودولية. وتُسيطر فصائل المعارضة على القسم الممتد من دوار الليرمون حتى بلدة بيانون في ريف المدينة الشمالي بمسافة تُقدر بـ17 كيلومتراً، ثم تفصله سيطرة المليشيات الموالية لإيران والمتمركزة في مدينتي نبل والزهراء وتسيطر على مسافة 8 كيلومترات من الطريق، تليها سيطرة الوحدات الكردية على 3 كيلومترات من الطريق، وتبدأ من بلدة منغ مروراً بمدينة تل رفعت وصولاً إلى قرية مرعناز المتاخمة لمدينة أعزاز، ثم تعود السيطرة لفصائل المعارضة على القسم الباقي في نهاية الطريق الممتد من نهاية قرية مرعناز حتى معبر باب السلام الحدودي.
وتدور المفاوضات بين روسيا وتركيا على طرح، يقضي بإخراج المقاتلين الموالين لإيران من بلدتي نبل والزهراء، وتسيير دوريات روسية وتركية على طول الطريق، وهو ما ترفضه طهران بالمطلق، وهي تصرّ على بقاء مليشياتها في نبل والزهراء والبلدات والقرى الأخرى الواقعة على طريق إمداد المدينتين، خلال معارك فك الحصار عنهما في شتاء عام 2016. وبعد سيطرة الفصائل الموالية لتركيا على عفرين، أدركت إيران أنها خسرت العمق الاستراتيجي لمواقع سيطرتها، وباتت قوات المعارضة تطوق البلدتين من جميع الجهات باستثناء ممر لا يتجاوز عرضه 10 كيلومترات مهددة بخسارته في أي لحظة. وفي حال قررت روسيا إعطاء الضوء الأخضر لتركيا بالسيطرة على كامل الطريق، سيتصاعد الخلاف مع إيران التي تدرك أن مواقعها في شمال حلب باتت مهددة في أي تقارب روسي تركي يخصّ تلك المنطقة.
وتحتضن معامل الدفاع بمنطقة سفيرة جنوبي شرق حلب أكبر القواعد الإيرانية. كما عملت إيران على إنشاء مجموعة قواعد عسكرية لتكون منطلقاً لفرض إرادتها بوصفها لاعباً أساسياً في الميدان السوري، أهمّها قاعدة جبل عزان على السفح الشرقي لجبل عزّان الاستراتيجي في جنوب مدينة حلب، التي اتخذها الإيرانيون قاعدة لمليشياتهم اعتباراً من سبتمبر/ أيلول 2015، وأقاموا حولها عدداً من النقاط العسكرية. وهناك قاعدة الوضيحي التي استولت عليها المليشيات الإيرانية في 2015، بالقرب من البلدة التي تحمل الاسم نفسه والواقعة عند محطة تلاقي سكة قطار الحجاز الواصل بين حلب واللاذقية وسكة قطار الساحل السوري – حلب، وترصد طريق حلب الرقة والمدارس العسكرية في حلب، كما تتحكم بكل الطرق الواصلة إلى جنوب حلب. ولديها أيضاً قاعدة سدّ شغيدلة في ريف حلب الجنوبي باتجاه الشمال من بلدة الحاضر، وتربط هذه القاعدة بين الحاضر وجبل عزان، وهي نقطة دفاع متقدمة عن القاعدة الإيرانية في جبل عزان من جهة الجنوب الغربي.
وهناك قواعد أخرى عديدة في ريف حلب الجنوبي، مثل تلة البنجيرة والأربعين وتل شغيب، إضافة إلى نقطة أكاديمية الهندسة العسكرية، وهي أهم المنشآت التعليمية العسكرية في سورية، وتقع على طريق حلب – دمشق الدولي، وتعدّ بوابة الدخول الجنوبية الغربية إلى مدينة حلب، ونقطة المراقبة الإيرانية في تلة البقارة في ريف حلب الجنوبي. وأهم المجموعات التابعة لإيران في المنطقة هي “الحرس الثوري الإيراني” و”فيلق القدس” بقيادة قاسم سليماني، و”لواء محمد رسول الله” و”لواء صابرين” التابعان لـ “الحرس الثوري”، إضافة إلى “حزب الله” اللبناني، وبعض التشكيلات العراقية وغير العراقية مثل “لواء أبي الفضل العباس”، و”كتيبة قمر بني هاشم الجوالة” و”حركة النجباء” و”لواء الإمام الحسين” و”لواء فاطميون”. وتشير تقديرات إلى أن عدد أفراد هذه المليشيات هو بحدود 25 ألف مقاتل، ينتشر منهم في ريف حلب الجنوبي ما بين 10 و15 ألف مقاتل.
المصدر: العربي الجديد