أحمد حمزة
بدا النظام السوري مُحتفياً، خلال الأيام القليلة الماضية، بزيارات متتالية، لمسؤولين من حليفتيه الأساسيتين، المتنافستين على النفوذ في سورية، روسيا وإيران، اللتين أرسلتا ثلاثة وفود إلى المنطقة، أحدها زار دمشق ومنها إلى أنقرة، والثاني الرياض قبل انتقاله إلى العاصمة السورية.
وفيما عُلم أن زيارتي الوفدين الروسيين لدمشق، الجمعة السبت، ركزتا على مواضيع سياسية واقتصادية، فإنه من المؤكد كذلك، أن زيارة وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف لدمشق، الثلاثاء الماضي، تناولت شؤوناً سياسية في المقام الأول، في الوقت الذي تتجه فيه الأنظار إلى العاصمة الكازاخية نور سلطان (أستانة سابقاً)، التي تستضيف الخميس المقبل جولة جديدة من محادثات مسار أستانة. ويبدو أن تحركات واتصالات واجتماعات مكوكية عديدة تدور بشأنها، وسط حديث عن حلحلة في عقدة اللجنة الدستورية السورية، التي تتمحور حولها حالياً عملية الحل السياسي.
و السبت، وصل إلى دمشق يوري بوريسوف، نائب رئيس الحكومة الروسية ورئيس الجانب الروسي في اللجنة الروسية – السورية المشتركة للتعاون التجاري والاقتصادي والعلمي والفني، حيث التقى برئيس النظام بشار الأسد. وتناول اللقاء، بحسب المكتب الإعلامي للأخير، “التعاون القائم بين البلدين في المجالات كافة والاتفاقيات الموقعة بين الجانبين في إطار اللجنة السورية – الروسية المشتركة، خصوصاً في قطاعات الطاقة والصناعة وزيادة التبادل التجاري. وعرض الجانب الروسي، مراحل التنفيذ التي تم إنجازها في هذه الاتفاقيات، والعوائق التي تؤخر إتمام ما تبقى منها”. وسبق وصول بوريسوف إلى دمشق بيوم واحد، استقبال الأسد للمبعوث الخاص للرئيس الروسي على سورية ألكسندر لافرنتييف، التي وصلها من الرياض، بعد لقائه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، واجتماعه برئيس “هيئة التفاوض السورية” نصر الحريري، في مقر السفارة الروسية في الرياض. وبينما قالت “هيئة التفاوض” إن الاجتماع تم “بناء على دعوة من الجانب الروسي، وناقش الطرفان تشكيل اللجنة الدستورية المقرر إعلانها خلال اجتماعات أستانة المقبلة (25 و26 إبريل/نيسان الحالي)، والأسس والقواعد الإجرائية الناظمة لها، وبما لا يتعارض مع جوهر القرار الأممي 2254″، فإن وزارة الخارجية الروسية، قالت في بيان بعد اجتماع لافرنتييف مع الأسد، وبعد زيارته الرياض، أن المحادثات “تناولت النظر في مسائل ضمان التسوية السياسية المستدامة للأزمة السورية بالتوافق مع قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2254”.
وبموازاة حديث بيان الخارجية الروسية عن “اهتمام خاص تم إيلاؤه في هذا السياق إلى مهمة تشكيل اللجنة الدستورية وإطلاق عملها في أسرع وقت ممكن”، فقد كان لافتاً ما ذكره البيان عن “فترة ما بعد النزاع” في سورية، إذ قال إنه تم “بحث مهمات ترتيب الأمور في سورية خلال فترة ما بعد النزاع، وتطبيع علاقات الجمهورية العربية السورية مع الدول العربية”، وهو ما يبدو أنه كان أحد محاور لقاءات المبعوث الروسي في دمشق والرياض. وكان ولي العهد السعودي قد تحدث، نهاية مارس/آذار عام 2018، بنبرة مرنة غير مسبوقة عن مصير بشار الأسد، الذي ذكرت الخارجية السعودية مراراً إنه “يجب أن يرحل في بداية العملية الانتقالية”، وأنه إما أن “يرحل أو يواجه خياراً عسكرياً”، إذ إن بن سلمان قال، في مقابلة مع مجلة “تايم” وقتها، إن “بشار الأسد باقٍ في السلطة”، مُتمنياً عليه “ألا يسمح للإيرانيين بعمل ما يريدون في سورية”. وانفتحت دول خليجية بعد ذلك على نظام الأسد تدريجياً، بداية من لقاء جمع وزير الخارجية البحريني حمد بن أحمد آل خليفة، مع نظيره بحكومة النظام السوري وليد المعلم، في سبتمبر/أيلول الماضي، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، قبل أن تفتح المنامة وأبو ظبي سفارتيهما في العاصمة السورية، التي زارها الرئيس السوداني عمر حسن البشير، قبل أن تتم إطاحته. غير أن خطوات التطبيع هذه مع الأسد، التي تسارعت وتيرتها، كُبِحَت من قبل واشنطن لاحقاً، في وقت كانت تُرحب بها روسيا، وتدفع بزعماء دول تابعة لها (أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية) إلى زيارة دمشق. ويبدو أن موسكو تحاول الالتفاف على الكبح الأميركي، وتحاول إعادة تفعيل مسار تعويم النظام عربياً وإقليمياً.
حليفة النظام الأخرى إيران، من جهتها، تبدو سائرة في الاتجاه ذاته، وهو ما ظهر جلياً، من حديث ظريف، الذي قال، في أنقرة قبل خمسة أيام، إن بلاده تسعى إلى “إعادة العلاقات لطبيعتها بين جميع البلدان، بما فيها بين تركيا وسورية”، وذلك بعد أن وصل إلى العاصمة التركية قادماً من دمشق، التي التقى فيها، رئيس النظام السوري. ورغم نفي تركيا رسمياً، لما كان غمز به ظريف، عن وساطة إيرانية بين النظام السوري وتركيا، وتصريح المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالن بأن زيارة ظريف “ليست لإجراء وساطة بين تركيا والنظام السوري، ولا يوجد مساعٍ من هذا القبيل”، إلا أن اتصالات على مستويات أمنية قائمة، بشكل ما، بين دمشق وأنقرة. وكان الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان قال، في مقابلة مع قناة “تي آر تي” التركية في فبراير/شباط الماضي، إن “لدينا سياسة خارجية على أدنى المستويات مع النظام السوري”، وأن “أجهزة الاستخبارات تعمل بشكل مختلف عن الزعماء السياسيين. الزعماء قد لا يتواصلون، ولكن أجهزة الاستخبارات يمكنها التواصل لمصلحتها. حتى إذا كان لديك عدو فعليك عدم قطع العلاقات (معه). فربما تحتاجه في ما بعد”.
المصدر: العربي الجديد