أمين العاصي
على وقع هدنة تركية روسية، سجّل أخيراً انخفاض في وتيرة التصعيد من قبل قوات النظام ومليشيات تساندها في شمال غربي سورية، بعد نحو شهر من تكثيف عملياتها العسكرية في المنطقة بمساندة من الطيران الروسي، وهو ما أدى إلى تراجع المعارضة السورية المسلحة عن العديد من المناطق، فيما فشلت قوات النظام في تحقيق اختراق على محور جبل الأكراد في ريف اللاذقية الشمالي، حيث استدعت أخيراً الغازات السامّة للمساعدة في هذه المهمة.
وتؤكّد فصائل المعارضة السورية أنها غير معنية بأي “هدنة”، ما لم تنسحب قوات النظام من المناطق التي سيطرت عليها أخيراً. ولكن هذه القوات ليست في وارد الانسحاب من أي من هذه المناطق، وتتحدّث عن تطورات جديدة في خريطة السيطرة بعد انتهاء هدنة، توصل إليها الجانبان الروسي والتركي لمدة 72 ساعة بدأت منتصف ليل الجمعة -السبت.
وفي تطور ميداني لافت، قصفت قوات النظام بغازات سامّة، صباح أمس الأحد، تلة الكبانة في منطقة كنسبة في جبل الأكراد بريف اللاذقية الشمالي، بعد فشلها عشرات المرات بالتقدم على هذا المحور، وذلك بحسب ما أفادت به وكالة “إباء” التابعة لـ”هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً)”، وكذلك ناشطون محليون. وأوضح الناشطون أنّ قوات النظام قصفت أمس بغاز الكلور السام تلة الكبانة، ما أدى إلى إصابة أربعة أشخاص بينهم ناشط إعلامي، مشيرين إلى أنه رغم ذلك، لم تتمكّن قوات النظام من التقدّم في المنطقة.
ومنذ بداية شهر مايو/ أيار الحالي، لم تتوقّف محاولات قوات النظام إحداث اختراق في هذا المحور الاستراتيجي، إلا أنّها فشلت في ذلك وتكبّدت خسائر فادحة بشرية ومادية. وتعدّ قرية الكبانة وتلّها، أعلى قمة جبلية خارجة عن سيطرة النظام في ريف اللاذقية الشمالي، وهي مطلّة على جسر الشغور وسهل الغاب وبداما والناجية والشغر والجانودية وغيرها من المناطق، وصولاً إلى جبل الزاوية في محافظة إدلب. وتعود استماتة قوات النظام للسيطرة على التلة، لكون ذلك يُمكّنها من رصد المنطقة نارياً، ومن ثم يصبح تقدّمها إلى باقي المناطق أسهل، لكونها ستقود المعارك من الأعلى إلى الأسفل، وفق ما تقول مصادر ميدانية في فصائل المعارضة السورية.
ويأتي ذلك فيما انخفضت وتيرة القصف الجوي على محافظة إدلب ومحيطها، أمس الأحد، في انعكاس، كما يبدو، لتفاهم تركي روسي يحاول تبريد الجبهات لمدة 72 ساعة، أمل التوصّل بعده لاتفاق يجنّب المنطقة تصعيداً واسع النطاق.
وأكدت مصادر محلية لـ “العربي الجديد”، أن هناك هدنة بما يتعلق بالقصف الجوي فقط، مضيفةً: “هناك اشتباكات على الأرض بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة بين فصائل المعارضة وقوات النظام في ريف حماة الشمالي وإدلب الغربي”. وذكرت مصادر محلية لـ”العربي الجديد”، أن قوات النظام جدّدت أمس القصف المدفعي والصاروخي على مدينة خان شيخون بريف إدلب، ما أسفر عن مقتل ثلاثة مدنيين وإصابة آخرين بجروح. كذلك طاول القصف المدفعي والصاروخي مناطق في قريتي شهرناز وجب سليمان في جبل شحشبو بريف حماة الشمالي الغربي، ما أسفر عن حرائق وأضرار مادّية في المحاصيل الزراعية.
وأضافت المصادر أنّ قصفاً براجمات الصواريخ والمدفعية من قوات النظام طاول أيضاً قرية الزكاة وبلدة كفرزيتا شمالي حماة، وبلدة الهبيط بريف إدلب الجنوبي، تزامناً مع قصف مدفعي على قريتي الأربعين والزكاة في ريف حماة الشمالي الغربي.
ومن الواضح أنّ قوات النظام تحاول الاستفادة من سريان الهدنة، من أجل تثبيت مواقعها في المناطق التي قضمتها من فصائل المعارضة، التي أكدت أنها غير معنية بأي هدنة لا تؤدي إلى انسحاب قوات النظام “من المناطق التي تم اقتطاعها بالقصف الوحشي على المدنيين الأبرياء”.
وفي السياق، زعمت صحيفة “الوطن” التابعة للنظام أمس، أنّ قوات الأسد التزمت بهدنة الـ72 ساعة، منذ منتصف ليلة الجمعة ـ السبت، مدعيةً أنّ فصائل المعارضة السورية لم تلتزم. ونقلت الصحيفة عن “مصدر ميداني”، قوله إنّ “الهدنة تسمح بإعادة تموضع نقاط المراقبة التركية الروسية وانسحاب المجموعات الإرهابية إلى عمق وشمال محافظة إدلب”، مشيرةً إلى أنّ قوات النظام “سيطرت خلال الأيام الماضية على 19 قرية ومزرعة وموقعاً استراتيجياً، وتوغّلت بعمق 20 كيلومتراً في ريف حماة الشمالي وسهل الغاب” شمال غربي حماة. وقالت الصحيفة نفسها إنّ “الهدنة طلبها النظام التركي كي يقوم بسحب نقاط المراقبة الخاصة به، لتتناسب مع خريطة السيطرة الحالية، ومع التحولات التي ستطرأ على تلك الخريطة، بعد انتهاء الهدنة”.
ويحمل ما نشرته “الوطن” مؤشرات واضحة، على أنّ النظام لن يسحب قواته من المناطق التي سيطر عليها أخيراً، ما يعني أنّ الشمال الغربي من سورية مقبل على تصعيد جديد، ربما يعقبه حسم مصير محافظة إدلب ومحيطها.
ولم يعلن الجانبان الروسي والتركي حتى اللحظة انهيار اتفاق سوتشي المبرم بينهما في سبتمبر/ أيلول الماضي، الذي تمّ بموجبه إنشاء منطقة عازلة في محيط إدلب بين مناطق النظام والمعارضة، بحدود تراوحت بين 15 و20 كيلومتراً، خالية من السلاح الثقيل، تحاول قوات النظام السيطرة عليها منذ أواخر الشهر الفائت.
وتتوزّع نقاط المراقبة التركية التي أقيمت وفق تفاهمات مسار أستانة واتفاق سوتشي، في 12 موقعاً في أرياف حلب وإدلب وحماة واللاذقية. وتقع النقطة الأولى في قرية صلوة بريف إدلب الشمالي، والثانية في قلعة سمعان بريف حلب الغربي، والثالثة في جبل الشيخ عقيل بريف حلب الغربي. أمّا النقطة الرابعة فتقع في تلة العيس بريف حلب الجنوبي، بينما الخامسة في تل الطوقان بريف إدلب الشرقي، والسادسة قرب بلدة الصرمان بريف إدلب الجنوبي. وتأتي النقطة السابعة في جبل عندان بريف حلب الشمالي، والثامنة في الزيتونة في جبل التركمان، والتاسعة في مورك بريف حماة الشمالي، والعاشرة في الراشدين الجنوبية بريف حلب الغربي، والحادية عشرة في شيارمغار بريف حماة الغربي، فيما النقطة الأخيرة في جبل اشتبرق بريف إدلب الغربي.
في موازاة ذلك، أكدت مصادر في المعارضة السورية لـ”العربي الجديد”، أنّ “الجبهة الشامية” التي تضمّ فصائل تابعة لـ”الجيش السوري الحر”، والمتمركزة في منطقة أعزاز ومحيطها في ريف حلب الشمالي، أرسلت تعزيزات عسكرية إلى ريف حماة الشمالي، في مؤشر واضح على أنّ المعارضة المسلحة تعتبر معركة شمال غربي سورية مصيرية.
بدوره، قال القيادي في “الجيش السوري الحر” مصطفى سيجري: “هناك محاولة من الروس والنظام لتثبيت نقاط تقدمهم، والاستفادة من الهدنة، وهناك موقف الفصائل الرافض للتسليم للأهداف الروسية”، مضيفاً في حديث مع “العربي الجديد”: “هناك تَفهُّم من جانب الحلفاء في الجمهورية التركية، وعليه، لن تدخر الفصائل أي فرصة لاستعادة ما خسرته في العدوان الأخير”.
وكانت قوات النظام سيطرت خلال توغلها المفاجئ الذي بلغ ذروته في التاسع من الشهر الحالي على مناطق عديدة، هي: مدينة قلعة المضيق، بلدة كفرنبودة، قرية الجنابرة، تل هواش، قرى الجابرية، التوبة، الشيخ إدريس، الكركات، المستريحة، التوينة، الشريعة، باب الطاقة، الحويز والحمرا.
وتقول فصائل “الجبهة الوطنية للتحرير” (أكبر تجمع لفصائل المعارضة في شمال غربي سورية)، إنّ قوات النظام والمليشيات المساندة لها، تكبّدت خسائر فادحة في معارك مايو الحالي، بالآليات والأفراد، حيث قتل ضباط برتب عالية خلال المعارك، إضافة إلى مقتل وإصابة العشرات من العناصر. وبثّت الجبهة أوّل من أمس السبت مقاطع فيديو تظهر تدمير آليات عدة، ومقتل عناصر من قوات النظام في ريف حماة الشمالي بصواريخ موجهة.
المصدر: العربي الجديد