أحمد حمزة
نجحت المعارضة السورية المسلحة وفصائل معها، في استعادة المبادرة في جبهات المواجهات في ريف حماة الشمالي الغربي، عبر هجوم مساء الثلاثاء، استطاعت خلاله استعادة بلدة كفرنبودة في هذا الريف، وطرد قوات النظام السوري منها. غير أن خطوط السيطرة في المنطقة لا يبدو أنها ستصمد طويلاً، مع تلويح روسيا بالانتقام لخسائر النظام، وتبرير ذلك “بمهاجمة الإرهابيين قاعدة حميميم الروسية”، وذلك في وقت تسيطر فيه الخلافات على العلاقة بين موسكو وأنقرة تجاه الملف السوري.
وبعد يومين من هدوءٍ حذر (الأحد والاثنين)، بدأ مع الحديث عن “هدنة” لـ72 ساعة، السبت الماضي، رفضتها فصائل المعارضة السورية، أطلقت الأخيرة مع فصائل أخرى، معركة مساء الثلاثاء، في جبهات المواجهات بريف حماة الشمالي الغربي. وبعد نحو سبع ساعات، أي مع فجر أمس الأربعاء، أعلنت الفصائل أنها طردت قوات النظام من كفرنبودة، بعدما كانت الأخيرة قد تقدّمت اعتباراً منذ 7 مايو/ أيار الحالي، من مواقع نفوذها قرب السقيلبية والمغير وكرناز والحماميات، نحو تل العثمان والجنابرة، ثم لاحقاً في كفرنبودة وقلعة المضيق، وقرى شمال القلعة.
وبدأت المعارك مع غروب شمس الثلاثاء، عند السابعة مساءً، فيما بدا أن الفصائل المشاركة بالهجوم تعمّدت أن يكون ليلاً. وشرحت مصادر عسكرية في شمال غربي سورية، لـ”العربي الجديد”، أن “الجبهة الوطنية للتحرير”، هاجمت نقاط تمركز قوات النظام في محيط تل الهواش، ونجحت فعلاً في قطع طرق التواصل بين مجموعات قوات النظام الموجودة في كفرنبودة والحميرات من جهة، مع مؤازرتهم وخطوط إمدادهم في قلعة المضيق وغربها وجنوبها. بالتزامن مع ذلك، فتحت فصائل “جيش العزة” (التابع للجيش السوري الحر)، ومجموعات من “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقاً)، محور قتالٍ آخر، إذ هاجمت من محور الهبيط قوات النظام المتمركزة داخل بلدة كفرنبودة، والتي باتت بحدود الساعة الواحدة ليلاً شبه محاصرة، قبل أن تعلن الفصائل المهاجمة بسط سيطرتها الكاملة على كفرنبودة. وبثت الفصائل التي دخلت كفرنبودة، ليلاً، أشرطة مصورة من داخل البلدة، تُظهر آليات عسكرية وأسلحة خسرتها قوات النظام في البلدة، وتُظهر كذلك عسكريين وضباطاً من هذه القوات ألقت المعارضة القبض عليهم.
وتواصلت المعارك، يوم أمس، وقالت مصادر محلية إن “الجبهة الوطنية للتحرير” فتحت محوراً جديداً ضد قوات النظام في الريف الغربي لحماة باتجاه قرية المستريحة ومنطقة تل هواش، ما يعني نيّتها السيطرة على تل عثمان. وقصفت الفصائل بشكل مكثف منذ ما بعد ظهر أمس، مواقع النظام والمسلحين الموالين له في الكركات والمستريحة والشيخ إدريس ومحيط تل هواش. وإزاء النكسات العسكرية التي منيت بها قواته خلال الساعات الماضية، أطلق النظام طيرانه الحربي لاستهداف المدنيين في إدلب. وقالت مصادر محلية إن غارات جوية على مدينة سراقب أوقعت 4 قتلى، فيما قتل شخصان في بلدة معرة حرمة وآخر في مدينة جسر الشغور.
وقال القيادي البارز في “جيش العزة”، مصطفى البكور، لـ”العربي الجديد”، إن “المعارك ستستمر إلى أبعد مدى ممكن”. وعمّا إذا كانت الفصائل العسكرية ستتجه لاستعادة قلعة المضيق التي خسرتها منذ أيام، قال البكور “سنصل إلى أبعد من القلعة”.
وقال قياديٌ آخر في “الجبهة الوطنية للتحرير”، طلب عدم ذكر اسمه، إن القوات التي ينتمي إليها “عازمة على المضي مبدئياً، حتى استرجاع كافة المناطق التي تقدّمت إليها قوات الأسد”. وأضاف القيادي الذي يشارك في المعارك، لـ”العربي الجديد”، أن “كل الأمور الميدانية تسير لصالحنا الآن… استعدنا عدة مناطق هامة، وقلعة المضيق باتت قريبة أيضاً”، مشيراً إلى أن “لا ضغوط ولا قيود على الفصائل كي توقف الهجوم، بل العكس”.
مقابل ذلك، كانت وزارة الدفاع الروسية تعلن، في بيان أمس، أن “إرهابيين نفذوا في 22 مايو، 17 عملية إطلاق صواريخ من منطقة خفض التصعيد في إدلب باتجاه قاعدة حميميم الجوية الروسية، 8 صواريخ منها لم تصل إلى القاعدة الجوية، أما الصواريخ التسعة المتبقية فقد تم صدها من قبل قوات الدفاع الجوي في القاعدة الجوية الروسية”. وأضافت، في بيان أمس، أن قوات النظام “صدت منذ صباح 22 مايو، 3 هجمات مكثفة لمقاتلي جبهة النصرة على كفرنبودة. وشارك في هذا الهجوم نحو 500 مقاتل و7 دبابات و4 سيارات مشاة ونحو 30 سيارة مزودة برشاشات ثقيلة وسيارتين تحملان متفجرات يقودها انتحاريون”، مدعية أن قوات النظام “قضت على أكثر من 150 مسلحاً لجبهة النصرة، ودمرت 3 دبابات و24 سيارة مزودة برشاشات ثقيلة”.
ويشي البيان الروسي بنيّة لتصعيد الحملة العسكرية في المنطقة، إذ كلما كانت موسكو تريد القيام بعملية ما كانت تدعي أن “إرهابيين” استهدفوا قاعدة حميميم.
ويأتي ذلك مع بروز مؤشرات عديدة على تصاعد الخلاف التركي الروسي حول هذا الملف، لتظهر أسلحة نوعية بيد الفصائل التي تتصدى لزحف قوات النظام وحلفائها، بالتوازي مع خروج تعزيزاتٍ ومؤازراتٍ من فصائل في “درع الفرات”، إلى ريف حماة الشمالي الغربي.
وعلى الرغم من أن الاتصالات بين المسؤولين العسكريين والسياسيين، الروس والأتراك، شهدت كثافة الأسبوع الماضي وقبله، والتقت مجموعة العمل المشتركة للبلدين في أنقرة، يومي الخميس والجمعة، إلا أن ما يظهر في ميدان المعارك يشي بأن هذه الاتصالات لم تُفلح في التوصل إلى تفاهماتٍ بين طرفي اتفاق سوتشي. وفي وقت متأخر من ليل الثلاثاء، قال وزير الدفاع التركي، خلوصي آكار، إن “إخلاء نقاط المراقبة (للجيش التركي) في إدلب بعد هجوم النظام لن يحدث بالتأكيد، لن يحدث في أي مكان”، مضيفاً خلال حديثٍ نقلته وسائل إعلامٍ تركية: “لن تتراجع القوات المسلحة التركية من مكان تمركزها”، معتبراً أن “النظام (السوري) يبذل ما في وسعه للإخلال بالوضع القائم، مستخدماً البراميل المتفجرة والهجمات البرية والقصف الجوي”. وشدد على أن أنقرة تسعى للمضي قدماً في ملف إدلب بطريقة لا تفضي إلى إنهاء الاتفاق مع روسيا.
وتعليقاً على هذه التطورات، رأى القيادي في الجيش الحر، العقيد فاتح حسون، في حديثٍ لـ”العربي الجديد”، أن هجوم المعارضة، الثلاثاء، “أثبت داخلياً قدرتها على الصمود والمناورة، وأثبت خارجياً أن الإشاعات التي كانت تروّجها جهات مبغضة عن عمليات بيع ومقايضة هي مجرد افتراءات لا صحة لها ولا أساس”. واستدرك قائلاً: “المعركة ما زالت بين كر وفر، ولا يوجد تثبيت جغرافي لمناطقها، ولا تحديد لمحاورها بعد، ولكن يوجد إصرار على تحرير ما تمت خسارته وزيادة”. وحول نتائج هذه التطورات على اتفاقية سوتشي، أكد حسون أن روسيا والنظام هما اللذان خرقا الاتفاقية.
المصدر: العربي الجديد