إبراهيم حميدي
صعّد الجانبان الأميركي والتركي عسكرياً وسياسياً عشية اجتماعات اللجنة المشتركة في أنقرة اليوم، كي يضغط كل منهما على الآخر، للحصول على أفضل موقف تفاوضي وسط مساعي الجانبين للبحث عن تفاهمات جديدة إزاء ملفين يخصان سوريا. هما «المنطقة الأمنية» شرق الفرات، وتطبيق خريطة الطريق في منبج غرب النهر. وستكون صفقة منظومة «إس 400» الروسية الحاضر الغائب على طاولة المفاوضات.
واشنطن فتحت صندوق أدوات الضغط من دون إغلاق الباب. وتشمل السلة العقوبات، وإلغاء تسليم «إف 35» المتطورة، وتدريب الطيارين الأتراك. كما أنها عزّزت موقفها في التحالف الدولي ضد «داعش» شرق سوريا؛ حيث أجرى مسؤولون أميركيون جولة محادثات لإقناع دول مثل بولونيا وهنغاريا وألبانيا للمساهمة في قوات برية تملأ الفراغ، بعد خفض عدد القوات الأميركية، بناء على طلب الرئيس دونالد ترمب. كما قام التحالف بتوسيع بعض قواعده العسكرية شرق نهر الفرات، خصوصاً في عين العرب (كوباني)، بالتزامن مع تنشيط الوجود الأميركي في قاعدة التنف، في الزاوية السورية – العراقية – الأردنية.
أنقرة، من جهتها، كثّفت اتصالاتها مع فصائل سورية معارضة، للاستعداد لـ«توغل» شرق الفرات. كما قامت بفتح نوافذ في جدار الحدود قبالة بعض المناطق، مثل تل أبيض. وعززت وجودها العسكري على الحدود السورية، ونشرت وحدات خاصة، وسط قيام مسؤولين رفيعي المستوى بجولات ميدانية. ووظّفت أنقرة اغتيال ثلاثة من الدبلوماسيين الأتراك في أربيل لشنّ حملة ضد «حزب العمال الكردستاني» وحلفائه في سوريا، المتمثلين بـ«وحدات حماية الشعب» الكردية، التي تشكل العمود الفقري لـ«قوات سوريا الديمقراطية» حلفاء واشنطن شرق الفرات.
ويحاول كل طرف توظيف ذلك في تعزيز موقفه لحلحلة «العقد» الرئيسية القائمة لصالحه في ملفي «المنطقة الأمنية» شرق الفرات، و«خريطة منبج». بالنسبة إلى الملف الأول، هناك 3 «عقد»؛ عمق المنطقة، ودور الجيش التركي، ومصير «الوحدات» الكردية. بالنسبة إلى الملف الثاني، هناك «عقدتان»؛ المجلس المحلي – المدني لمنبج، ومصير «الوحدات».
تريد أنقرة إقامة «منطقة أمنية» بعمق بين 30 و35 كيلومتراً من جرابلس على نهر الفرات إلى فش خابور على نهر دجلة، خالية تماماً من «الوحدات» الكردية، وأن يكون للجيش التركي الدور الرئيسي فيها، من دون مشاركة أوروبية. وهي تريد أيضاً إخراج جميع «الوحدات» من منبج إلى شرق الفرات، وتفكيك المجلس المدني لمنبج، وتشكيل مجلس جديد من شخصيات جديدة.
أما واشنطن فهي مستعدة للبحث في إقامة «منطقة أمنية» بعمق 5 كيلومترات، مع استعداد بعض المسؤولين الأميركيين للحديث عن منطقة بعمق 5 – 14 كيلومتراً، بحيث لا تشمل المدن ذات الغالبية الكردية، مثل عين العرب (كوباني)، وتلتف حول مدينة القامشلي، حيث يقع مربع أمني للحكومة السورية. وهي لا تريد وجوداً برياً للجيش التركي، مع استعدادها للقيام برقابة جوية لهذه المنطقة للعزل بين «الوحدات» الكردية وتركيا. ويمكن أن تبدي بعض المرونة في عمق المنطقة، طالما أنها لا تمس المناطق الكردية، إضافة إلى مرونة حول مصير القادة الأكراد غير السوريين. واشنطن ترى، مدعومة بفرنسا التي أقامت قاعدة عسكرية قرب منبج، أن «خريطة الطريق» نُفذ معظمها، وجرى تسيير دوريات مشتركة، وأن المجلس المدني الحالي يعكس الوضع الحقيقي للمدينة، وأن عشرات من «الوحدات» غادروا إلى شرق الفرات.
ستكشف نتائج اجتماعات اللجنة الأميركية – التركية حدود التصعيد بين البلدين ومدى انتقاله إلى الميدان العسكري الشمالي السوري، قبل سلسلة اجتماعات يشارك فيها الجانب التركي مع حلفائه الآخرين؛ اجتماع آستانة بين «الضامنين» الثلاثة (روسيا، إيران، تركيا) يومي 1 و2 أغسطس (آب) المقبل، والقمة الثلاثية لـ«الضامنين» في تركيا نهاية الشهر، عشية القمة الرباعية بين الرؤساء؛ الروسي فلاديمير بوتين، والتركي رجب طيب إردوغان، والفرنسي إيمانويل ماكرون، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل.
المصدر: الشرق الأوسط