إسماعيل جمال
حتى مساء أمس الخميس، لم تعلن الولايات المتحدة الأمريكية أو تركيا أي تفاصيل حول الاتفاق الذي جرى التوصل إليه بين البلدين، الأربعاء، حول إقامة منطقة آمنة في شرقي نهر الفرات شمالي سوريا، وهو ما يرجح أن ما جرى التوصل إليه اتفاق عام يلبي رغبة البلدين في تأجيل الخلاف السياسي الكبير والعملية العسكرية التي أكدت تركيا أنها كانت على بعد وقت قصير من إطلاقها في المنطقة.
وعقب مفاوضات عسيرة استمرت لمدة ثلاثة أيام، أصدر الجانبين الأمريكي والتركي بيانين منفصلين لكنها متطابقين من حيث المحتوى يؤكد التوصل لاتفاق مكون من ثلاثة نقاط أساسية، وهي (البدء في تنفيذ إجراءات أولية لمعالجة مخاوف تركيا الأمنية والاتفاق على متابعة تشكيل مركز عمليات مشترك في تركيا في أقرب وقت ممكن من أجل تنسيق وإدارة منطقة آمنة سيتم تشكيلها في شمالي سوريا، والاتفاق على جعل المنطقة الآمنة ممر سلام واتخاذ كافة التدابير الإضافية لضمان عودة اللاجئين).
وعلى الرغم من أن الرئيس التركي تحدث لاحقاً عن بنود الاتفاق مع الجانب الأمريكي، إلا أنه اكتفى بالحديث عن البنود المعلنة دون أضافة أي تفاصيل أخرى، حيث قال: «اتخذنا مع الأمريكيين قراراً بإقامة مركز عمليات، وعملية إنشاء ممر السلام ستبدأ مع إقامة مركز العمليات مع الأمريكيين».
والخميس أيضاً، تحدث وزير الخارجية مولود جاوش اوغلو عن الاتفاق دون تقديم أي معلومات تفصيلية أخرى، رغم إصرار الصحافيين الأتراك على توجيه الأسئلة له في هذا السياق، واكتفى بالقول إن هذا الاتفاق «بداية مهمة جداً»، وإن الهدف من الاتفاق إقامة منطقة آمنة وتطهيرها من الوحدات الكردية بشكل كامل.
لكن أبرز ما تحدث به الوزير هو التحذير من أن بلاده «لن تسمح» بأن يتحول الاتفاق حول المنطقة الآمنة في شرقي نهر الفرات إلى عملية إلهاء ومماطلة على غرار ما جرى في اتفاق منبج الموقع بين البلدين منذ أشهر طويلة ولم يطبق حتى الآن كما تقول أنقرة.
وبشكل خاص، لم تعلن أي تفاصيل بعد حول عمق المنطقة الآمنة التي طالبت تركيا بأن يكون من 30 إلى 40 كيلومتراً وعرضت الولايات المتحدة عمق لا يزيد عن 5 إلى 15 كيلومتراً، وامتداد المنطقة التي عرضت واشنطن مناطق محدودة على عشرات الكيلومترات بينما طالبت أنقرة بأن تمتد من بداية شرق الفرات وحتى الحدود العراقية بطول 430 كيلومتراً، وهو ما يرجح عدم الاتفاق على هذه النقاط المحورية والأساسية بين الجانبين حتى الآن.
كما لم يعلن حتى الآن أي تفاصيل عن الجهة التي سوف تدير هذه المنطقة وما إذا جرى الاتفاق علمياً على هذه النقطة أم لا، كونها كانت أبرز النقاط الخلافية بين الجانبين وتطالب أنقرة بأن تكون المنطقة بشكل كامل تحت سيطرتها وإدارتها وبتعاون معين مع الولايات المتحدة، إلى جانب مطالبتها بتدمير كافة التحصينات والمواقع التابعة للوحدات الكردية وسحب الأسلحة الثقيلة منها.
ويرى مراقبون أن الاتفاق كان عبارة عن محاولة لتأجيل الخلافات بين البلدين، ومنع انفجارها في الوقت الحالي، وإعطاء فرصة لهما لمحاولة التوصل إلى اتفاق حقيقي، كون أنقرة رفعت السقف بشكل كبير جداً ولم يعد بإمكانها الحديث عن تمديد جولة المفاوضات الحالية دون الإعلان عن اتفاق أو البدء فعلياً بعملية عسكرية.
فالولايات المتحدة لأول مرة لمست بشكل حقيقي جدية أنقرة وقربها من البدء بعملية عسكرية ولذلك نقلت إخباراً تركياً رسمياً عبر القنوات العسكرية بضرورة أخذ الاحتياطات اللازمة لعدم حصول صدام وتضرر القوات الأمريكية المنتشرة في شمالي سوريا، وبالتالي اتجهت واشنطن لتقديم تنازلات معينة في ملف المنطقة الآمنة إلى جانب وعود بالتوصل إلى اتفاق مرضٍ لتركيا والطلب بإعطاء فرصة أكبر للحوار عبر غرفة العمليات المشتركة التي جرى الاتفاق على تشكيلها.
وعلى الجانب الآخر، ما زالت أنقرة تعطي أولوية أكبر لحل الأزمة دبلوماسياً مع أمريكا، وتشكيل المنطقة الآمنة بالتعاون مع الولايات المتحدة، وتجنب الدخول في عملية عسكرية سيكون لها ثمن كبير على الصعيد العسكري والسياسي لا سيما العلاقات مع الولايات المتحدة، وبالتالي وافقت على إعطاء فرصة أكبر للحوار ولو لفترة قصيرة مقبلة. كما أن بعض المصادر التركية تحدثت عن رفض الجهات العسكرية الأمريكية تقديم إحداثيات القوات الأمريكية المنتشرة في شرقي نهر الفرات لكي تتجنب أنقرة ضرب هذه المناطق، وهو ما يعقد أي عمل عسكري تركي ويرفع مخاطر إلحاق الضرر بالقوات الأمريكية المنتشرة بالمنطقة، وبالتالي يرفع مخاطر الصدام بين البلدين وهو ما لا يرغبه أي منهما.
لكن دوائر القرار في أنقرة ترى أن فترة أسابيع قليلة ستكون كافية لمعرفة ما إن كانت واشنطن ترغب بالفعل في القيام بخطوات عملية نحو إقامة منطقة آمنة وطرد الوحدات الكردية من الحدود أم أنها ستحوله إلى نسخة جديدة من اتفاق منبج دون أي تطبيق عملي على الأرض، وبالتالي العودة مجدداً بالتهديد بالعمل العسكري وربما بدء التنفيذ هذه المرة.
المصدر: القدس العربي