هبة محمد
قتل 59 شخصاً على الأقل الثلاثاء في اشتباكات بين قوات النظام والفصائل الجهادية والمقاتلة في شمال غربي سوريا، وفق ما أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان.
وشنت المعارضة السورية هجوماً معاكساً ضد قوات النظام السوري وحزب الله اللبناني في ريف حماة، حيث استخدمت هيئة تحرير الشام عربة مفخخة لضرب تجمع عسكري للأطراف المهاجمة في قرية «سكيك» في ريف إدلب الجنوبي، والتي تقدم إليها النظام يوم الاثنين، بعد هجمات جوية روسية وكثافة نيرانية برية.
الهجوم بالعربة المفخخة أدى وفق وسائل إعلامية معارضة إلى مقتل وجرح العشرات من قوات النظام السوري وحزب الله، ويأتي الهجوم المعاكس لهيئة تحرير الشام، بعد صدها والمعارضة السورية هجوماً للنظام السوري والفيلق الخامس وحزب الله لليوم الثاني على التوالي في القطاع الجنوبي من ريف إدلب شمال سوريا، ضمن المناطق الخاضعة لاتفاق خفض التصعيد بين روسيا- وتركيا.
ووفق المرصد السوري لحقوق الإنسان، فقد نجحت المعارضة السورية وهيئة تحرير الشام، في إفشال هجوم واسع النطاق للنظام وداعميه بالقرب من مدينة خان شيخون جنوب إدلب، وتمكنوا وفق المصدر من قتل 30 عنصراً للقوات المهاجمة خلال أقل من 24 ساعة.
كما دارت اشتباكات عنيفة على محور قرية «سكيك» في ريف إدلب الجنوبي بين الجانبين، وذلك بعد الهجوم المفخخ الذي قاده أحد عناصر هيئة تحرير الشام، فيما كثفت الجيش الروسي والنظام من غاراتهم الجوية ضد مناطق الاشتباكات.
إضافة إلى تدمير فصائل تابعة للجيش السوري الحر لدبابة تابعة للنظام السوري، وسيارة تحمل عناصر من حزب الله وآخرين تابعين لفصائل عسكرية مدعومة منه، إثر استهدافهم بصواريخ موجهة على محور تل سكيك في ريف إدلب الشرقي.
قصف يومي
وتتعرّض محافظة إدلب وأجزاء من محافظات مجاورة منذ نهاية نيسان/أبريل لقصف شبه يومي من طائرات سورية وأخرى روسية، تزامناً مع معارك عنيفة تدور على أكثر من جبهة في الأيام الأخيرة. وتسيطر هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) على الجزء الأكبر من إدلب ومحيطها، وتتواجد فيها فصائل اسلامية ومعارضة أقل نفوذاً. واندلعت صباح الثلاثاء معارك عنيفة في ريف إدلب الجنوبي، تسببت وفق المرصد في مقتل 20 عنصراً من الفصائل المقاتلة، غالبيتهم من هيئة تحرير الشام بينما قتل 23 عنصراً من قوات النظام.
وفي ريف اللاذقية الشمالي المجاور لإدلب، تسببت معارك بين الطرفين في منطقة في جبل الأكراد في مقتل عشرة مقاتلين من الفصائل الجهادية، مقابل ستة عناصر من قوات النظام والمسلحين الموالين لها، وفق المرصد.
وتتزامن المعارك مع غارات وقصف كثيف يطال أرياف إدلب الجنوبي واللاذقية الشمالي وحماة الشمالي. وتسببت غارات روسية على مدينة خان شيخون أمس الثلاثاء بمقتل ثلاثة مدنيين وفق المرصد. وحققت قوات النظام منذ الأحد تقدماً في ريف إدلب الجنوبي، حيث تمكنت من السيطرة على بلدة الهبيط ومحيطها. وتحاول التقدم في المنطقة باتجاه خان شيخون، كبرى مدن ريف إدلب الجنوبي.
ومنطقة إدلب ومحيطها مشمولة باتفاق توصلت إليه روسيا وتركيا في سوتشي في أيلول/سبتمبر 2018، نصّ على إقامة منطقة منزوعة السلاح تفصل بين مناطق سيطرة قوات النظام والفصائل. كما يقضي بسحب الفصائل المعارضة أسلحتها الثقيلة والمتوسطة وانسحاب المجموعات الجهادية من المنطقة المعنية. إلا أنه لم يتم استكمال تنفيذه.
ونجح الاتفاق في ارساء هدوء نسبي، قبل أن تبدأ دمشق تصعيدها منذ نهاية نيسان/أبريل وانضمت اليها روسيا لاحقاً. وتسبّب التصعيد وفق المرصد في مقتل 816 مدنياً. كما قتل أكثر من 1200 من مقاتلي الفصائل مقابل أكثر من 1100 من قوات النظام والمسلحين الموالين لها. ودفع التصعيد أكثر من 400 ألف شخص إلى النزوح في شمال غربي سوريا، حسب الأمم المتحدة.
وأعلنت دمشق مطلع الشهر الحالي موافقتها على وقف لإطلاق النار استمر نحو أربعة أيام، قبل أن تقرر استئناف عملياتها العسكرية، متهمة الفصائل بخرق الاتفاق واستهداف قاعدة حميميم الجوية التي تتخذها روسيا مقراً لقواتها في محافظة اللاذقية الساحلية. وتشهد سوريا نزاعاً دامياً تسبّب منذ اندلاعه في 2011 في مقتل أكثر من 370 ألف شخص وأحدث دماراً هائلاً في البنى التحتية وأدى إلى نزوح وتشريد أكثر من نصف السكان داخل البلاد وخارجها.
من جهة أخرى نقل مراسل «سبوتنيك» عن مصدر ميداني سوري في بلدة سكيك في إدلب قوله: إن قوات الرصد والاستطلاع في الجيش السوري تابعت عربة مفخخة أرسلها تنظيم «جبهة النصرة» كان يقودها انتحاري سعياً لتفجيرها في إحدى نقاط الجيش تمهيداً لهجوم معاكس لاستعادة بلدة سكيك المحررة.
العين على الخان
واقتربت قوات النظام السوري من خان شيخون بعد سيطرتها على مناطق قريبة منها مثل بلدة الهبيط الإستراتيجية الواقعة شرق المدينة، فضلاً عن بلدة سكيك وتل سكيك -غرب خان شيخون- وتهدف قوات النظام لتطويق المدينة من أجل السيطرة على خان شيخون التي تعتبرها منطقة استراتيجية ومهمة للغاية من أجل تقدمها في إدلب.
وفي هذا الإطار، يقول الباحث السوري بدر ملا رشيد لـ «القدس العربي»: كان سقف نجاح اجتماعات « أستانة»، هو إعلان خفض مناطق التصعيد في سوريا، ومنذ البداية فشل المقترح لا بل على العكس إزدادت هجمات النظام وروسيا والميليشيات الإيرانية على المناطق التي كانت من ضمن المتفق على تجنبيها القتال.
وفي كل مرة كانت لدى روسيا والنظام حجج واهية، لتبرير الاجتياح وقتل المئات من المدنيين، أما في إدلب فقد جعلت روسيا حجتها سيطرة «هيئة تحرير الشام» على المحافظة وريف حماة الشمالي، وعدم تمكن تركيا من إنهاء وجود جبهة النصرة، وهي عملية تُدرك تركيا أن القيام بها سيقلب كافة موازين القوى شمال غربي سوريا، إلى جانب الخسائر الاقتصادية والبشرية التي من الممكن أن تتعرض لها في غياب وجود أطرافٍ مساندة لانقرة في هذه المهمة خارج دائرة النظام وروسيا.
ويضيف الباحث: عموماً تعتمد روسيا في جزء كبير من اعتدائها مع النظام على ادلب على مخرجات محادثات أستانة فيما يخص فتح الطرق الدولية وتأمين حدود المحافظات الساحلية وقاعدة حميميم. كما تحاول روسيا تحقيق هذا الأمر بعيداً عن تحقيق أية إنجازات في الملف السياسي، وبالاخص ما اتفق عليه شركاء استانة حول تشكيل لجنة دستورية، وتحقيق بعض الاهداف العسكرية.
كما لم يستبعد المتحدث، تصادم الأطراف السوري المحلية والدولية بمواقف روسيا مع الأسد، أكثر من السابق، فيما يخص تخفيض سقف الإصلاحات والتغييرات السياسية في بنية النظام، لنصل إلى مرحلة يقبل ما تبقى من قوى معارضة بالدخول لانتخاباتٍ وفق نسب السيطرة الحالية والمستقبلية التي ستكون لصالحها. وإذا ما استمر الوضع على حاله، كون روسيا تستخدم كل ما في جعبتها من أسلحة سنشاهد من خلالها تدميراً كاملاً للبنية البشرية والعسكرية المتبقية في إدلب وشمال حماة.
المصدر: القدس العربي