هبة محمد
تحتفظ هيئة تحرير الشام بمواقعها ومراكزها بالقرب من الطريقين الدوليين المعروفين بـ «ام4» و «ام 5»، وترسخ وجودها بالرغم من استياء فصائل المعارضة المسلحة وتنديد المدنيين المطالبين بتفكيكها، بسبب ممارساتها وانتشارها في المنطقة، وذلك عبر مظاهرات غاضبة، لا سيما بعدما سيطرت «الهيئة» على أبرز مفاصل القوة والثروة في إدلب. ويبقى المشهد أشبه بعض الأصابع بين اللاعبين المؤثرين في إدلب و»الهيئة» تبقى لاعباً قوياً في المسرح.
في المقابل تصعد روسيا من لهجتها تجاه التنظيمات المنتشرة في إدلب، وتصر على انهاء وجودهم، لحماية مواقعها وانتشارها العسكري في الساحل السوري، وذلك عبر الضغط على أنقرة، وهو ما برز الثلاثاء في تصريح وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، الذي قال إن وزارته تركز في سوريا على حماية قاعدتي حميميم وطرطوس والحفاظ على جهوزية الأسلحة والمعدات الروسية فيهما.
رفع الغطاء
وقال شويغو خلال اجتماع في موسكو «يتم في قاعدة حميميم توفير كل ما هو ضروري للطيران الحربي، كما يشهد ميناء طرطوس استمرار تجهيز منشآت خدمة وصيانة سفن الأسطول البحري الروسي» إذ تولي حكومة بلاده «الأولوية لمهام ضمان أمن وسلامة الأسلحة والمعدات الخاصة التابعة للقوات الروسية هناك، وللحفاظ على جهوزيتها القتالية».
ويُمكن الاعتقاد بأن التصعيد السياسي وقبله العسكري، يفسر رغبة روسيا في إعادة صياغة اتفاق جديد في الشمال السوري وفق نموذج يتناسب مع مصالحها الاستراتيجية ومكانتها، حيث تتخذ من ملف هيئة تحرير الشام ثغرة للضغط على تركيا، لأن هذه الأخيرة ملتزمة بإيجاد حل لها يتناسب مع تطبيق اتفاق خفض التصعيد والحل السياسي.
وإذا ما فرغت مهلة موسكو لأنقرة، وتقرر رفع الغطاء السياسي والأمني عن القوى العسكرية العاملة في محافظة إدلب أو على الأقل في المنطقة منزوعة السلاح، حسب ما يقول الباحث السياسي عبد الوهاب عاصي لـ»القدس العربي» «فلن تكون هيئة تحرير الشام قادرة بمفردها على مواجهة تحرك عسكري محتمل للنظام السوري توفر روسيا له الغطاء الجوي والميداني، رغم إعادة توزيع قواتها وبنائها لتحصينات كبيرة خلال الفترات الماضية».
وبالرغم من إدراك هيئة تحرير الشام من نفور الحاضنة الشعبية منها ورغبتهم في إنهاء بقائها وسيطرتها الميدانية، إلا ان القيادي البارز في النصرة «أبو ماريا القحطاني» توعد بردع المتظاهرين المدنيين «بالسيف» وهددهم بالقتل.
وقال في منشور له على قناته الرسمية عبر التلغرام «النظام يحرك أذنابه، ولكن بعون الله تعالى فليس لهم إلا سيف الصديق، ولقد جرب الدواعش قبلهم في إدلب فكان سيف علي رضي الله عنه لرقابهم والحفر مصيرهم».
ويعتبر القحطاني المسؤول عن إدارة أموال تحرير الشام، فضلاً عن قيادته للمجموعات القتالية في المعسكرات التابعة لها، فيما يصفه البعض بأنه «مهندس علاقات أبو محمد الجولاني متزعم التنظيم».
وكان أبو ماريا يشغل منصباً شرعياً وقاضياً في جبهة النصرة، وأميراً للمنطقة الشرقية منذ 2012، توجه بعدها إلى درعا ثم ادلب في عملية غامضة، أثارت جدلاً واسعاً حينها، لعدم وجود طريق تحت سيطرة قواته بين المحافظتين الا بالمرور في مناطق سيطرة النظام.
القيادي في النصرة مظهر الويس وصف هو الآخر المتظاهرين بالمنافقين، مشيراً إلى أن المظاهرات التي خرجوا بها مؤخراً هي خدمة للنظام، وهدفها الإشغال عن قتاله، فيما كتب أحد مسؤولي الاعلام في هيئة تحرير الشام «اي مظاهرة تخرج في الشمال المحرر ضد أي فصيل عسكري مجاهد سوف تعتبر مسيرة مؤيدة تساعد وتناصر العدو لدخول النصيرية والمحتل الروسي والمجرم الايراني واستباحة أرضنا وأعراضنا وسوف يتم التعامل معهم كمعاملة الشبيحة، الكلام موجه فقط للضفادع والعملاء والشبيحة».
لهجة التهديد والوعيد من جانب «جبهة النصرة» دفعت قيادات من المعارضة المسلحة بالرد، حيث قال القيادي في فيلق الشام «عمر حذيفة» المظاهرات جميلةٌ بفكرتها وتنظيمها وأداء القائمين عليها، وهي ضرورةٌ ملحَّةٌ في إيصال رسالتها وكتابة تاريخ أصحابها، ولكن للأسف يبدو أنّ البعض ممّن امتطوا جياد هذه الثورة أرادوا حرف البوصلة فيها بالطعن والتخوين والشتم والسباب وغير ذلك ممّا قد يؤدي إلى ما لا تحمد عقباه.
كما قال القيادي في المعارضة السورية عبد الوهاب عليوي رداً على تهديدات هيئة تحرير الشام، «كنت انتظر أي قائد من الجبهة الوطنية للتحرير أو من قادة الجيش الوطني ليقوم بالرد على أبو ماريا القحطاني الذي توعد أهلنا المتظاهرين بالسيف ووصفهم بالمنافقين لكن أحداً لم يفعلها، وبما أني من بقايا الرعيل الأول للثورة أقول، إلزم غرزك …فما عرفنا أحداً أكثر منك نفاقاً وتزلفاً بشهادة أمراء من الهيئة، والسيف الذي تهدد به.. يوشك أن يتفلت من يدك ويقطع لسانك قبل رقبتك … ولا هؤلاء الذين يتظاهرون ضد فسادكم وبطشكم لما سمع أحد باسمكم…».
مستقبل إدلب
ويعتبر مراقبون ان مستقبل إدلب يعتمد التزام جميع الأطراف بالاتفاقات الثنائية التي حصلت في استانة وسوتشي، كما أن الروس لن يستكينوا للوضع الذي تلى اتفاق سوتشي وسيطرة هيئة تحرير الشام على معظم قطاع إدلب.
المعارض السياسي درويش خليفة أوضح لـ»القدس العربي» رأى ان الوضع في ادلب بات واضحاً للجميع و»لن يبقى على ما هو عليه – لا حرباً ولا سلماً – وهذا يضع الأسرة الدولية أمام مسؤولياتها في تطبيق القرار الدولي 2254 القاضي بالانتقال السياسي حسب تسلسل بنوده». واعتبر «اننا امام خيارين اما تطبيق الاتفاقات الثنائية أو تطبيق القرارات الدولية. ومنع تفرد روسيا في الحل السوري وفق رؤيتها في إعادة تأهيل نظام الأسد الذي يشكل بقاؤه عقبة في وجه إعادة الاستقرار بسبب استفحاله في قتل المناهضين له وتهجيرهم من مدنهم وقراهم».
وبالنسبة لضامن الفصائل المسلحة عبر مسار أستانة (تركيا) قال درويش إنها مازالت تحاول و تبذل جل طاقتها في حل سلس لهيئة تحرير الشام ، التي باتت ذريعة روسية لقضم المزيد من المناطق التي كان مسيطراً عليها من الثوار بعد تدميرها وتهجير أهلها من ديارهم. وبالتالي نزوحهم نحو «الكردور» الحدودي مع تركيا ليشكل أزمة أنسانية تضع الضامن التركي في حالة حرج دولي وإنساني، خاصة ونحن مقبلون على فصل الشتاء.
أما هيئة تحرير الشام فهي حسب رؤيته أمام حلين أحلاهما مر، فبالنسبة لقادتها؛ إما الانصهار في الجبهة الوطنية للتحرير التي قاتلت يوماً ما معظم فصائلها أو الدخول بمعركة خاسرة في وجه الطيران الحربي والقصف الهمجي الروسي على ما تبقى من قطاع إدلب وبالتالي خسارتهم تكون مضاعفة على الصعيدين العسكري والمدني. إذ أن وجود الهيئة مرتبط بذراعها المدنية «حكومة الإنقاذ» وهذا كفيل بطي صفحة هيئة تحرير الشام وإنهاء كل ما يلوذ بتنظيم القاعدة الجهادية العابرة للحدود.
المصدر: القدس العربي