أمين العاصي
لا تلوح في الأفق القريب بوادر انفراجة في الشمال الغربي من سورية، إذ تراوح المفاوضات الروسية التركية حول محافظة إدلب ومحيطها مكانها، ومن الواضح أنها “باتت ورقة للمساومة والابتزاز” من قبل الجانب الروسي، حسبما أفاد قيادي في فصائل المعارضة السورية، مهدداً بـ”حرب استنزاف” ضد الروس في سورية. وفي الوقت الذي لا تزال فيه قوات النظام والطيران الروسي تقصف مدن محافظة إدلب وبلداتها، تتعمق مأساة المدنيين، مع إبراز منظمات عدة أرقاماً كبيرة لعدد النازحين والقتلى والجرحى في شهري نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي وديسمبر/ كانون الأول الحالي، في ظل تجاهل عربي ودولي للكارثة الإنسانية. وجدّد الطيران الحربي الروسي فجر أمس السبت غاراته بصواريخ فراغية على مدينة معرة النعمان في ريف إدلب الجنوبي، حسبما أفادت مصادر محلية، مضيفة أن قوات النظام قصفت المدينة بالمدفعية الثقيلة. وأكدت المصادر أن الأضرار اقتصرت على الجانب المادي. ومن الواضح أن النظام وحلفاءه الروس مصرون على تهجير أغلب سكان ريف إدلب الجنوبي، وهو ما يفسّر قصف مدن وبلدات نزح معظم سكانها منذ 19 ديسمبر الحالي، عند بدء تحرك قوات النظام على الأرض بعد شهر ونيف من التمهيد الجوي والمدفعي.
من جانبه، أشار مصدر مطلع إلى تنفيذ مقاتلات روسية غارات جوية منتصف ليل الجمعة – السبت استهدفت أحد الأفران الرئيسية في بلدة معصران في ريف إدلب الشرقي، ما أدى إلى خروجه عن الخدمة بشكل كامل. ولفت إلى أن خطوط التماس في ريف إدلب الجنوبي الشرقي شهدت اشتباكات وقصفاً صاروخياً متبادلاً بين قوات النظام من جهة وفصائل المعارضة السورية من جهة أُخرى.
في غضون ذلك، تجددت الاشتباكات بين المعارضة السورية المسلحة وقوات النظام على محور بلدة جرجناز بريف إدلب الجنوبي الشرقي. وأكدت مصادر عسكرية لـ”العربي الجديد” أن المعارضة دمرت عربة مجنزرة لقوات النظام في المحور المذكور، مشيرة إلى أن فصائل المعارضة تحاول منع النظام من التمركز في البلدة التي سيطر عليها أخيراً. وكانت قوات النظام قد سيطرت في الأيام الماضية على أكثر من 40 بلدة وقرية في ريف إدلب الجنوبي الشرقي إثر هجوم مدعوم بالطيران الحربي الروسي، أدى إلى تهجير آلاف المدنيين ومقتل وجرح العشرات. وتؤكد المعطيات الميدانية أن فصائل المعارضة تحاول امتصاص الصدمة والانتقال إلى مرحلة الهجوم بعد خسارتها مواقع هامة، إضافة إلى وجود خطر داهم يتهدد مدينتي سراقب في ريف إدلب الشرقي ومعرة النعمان في الريف الجنوبي. ولم ترشح معلومات مؤكدة عن نتائج المفاوضات الجارية منذ أيام بين الجانبين التركي والروسي في العاصمة الروسية موسكو حول جملة ملفات متشابكة من بينها ملف محافظة إدلب.
بدورها، تفيد مصادر المعارضة أنه في حال عدم توصل موسكو وأنقرة إلى تفاهم يضع حداً للعملية العسكرية في شمالي غرب سورية، يحول دون تفاقم الكارثة الإنسانية التي ستتحمّل تبعاتها تركيا، فإن المنطقة ذاهبة إلى مواجهة عسكرية مفتوحة بعد عودة الدعم العسكري التركي للفصائل المعارضة بأسلحة نوعية، وفي مقدمتها صواريخ “التاو”، التي لطالما فتكت بقوات النظام في السنوات الماضية. وذكرت مصادر محلية أن تعزيزات عسكرية، بينها أسلحة ثقيلة ومدرعات، وصلت إلى الفصائل لصدّ أي هجوم محتمل من قبل قوات النظام على مدينتي معرة النعمان وسراقب باتجاه مدينة معرة النعمان وبلدة سراقب.
من جهته، أكد القيادي في الجيش السوري الحر، مصطفى سيجري في حديثٍ لـ”العربي الجديد”، أنه “حتى اللحظة لم يتوصل الجانبان الروسي والتركي إلى اتفاق حول محافظة إدلب”. وفي سلسلة تغريدات له على موقع “تويتر” أشار سيجري إلى أنه “مع تعنّت الاحتلال الروسي وإصراره على الاستمرار بجرائمه ودعمه المطلق لنظام الإرهاب في دمشق، وبعد انقلابه على التفاهمات مع الحلفاء في الجمهورية التركية، سندخل مرحلة جديدة من المقاومة والنضال”. ولفت إلى أن “المعركة ستشهد تكتيكاً عسكرياً جديداً”، مضيفاً أن “الاحتلال الروسي سيدفع الثمن الكبير في معارك الاستنزاف. معركتنا طويلة في مواجهة الاحتلال الروسي والإيراني، ولن تتوقف أو تنتهي إلا بالتحرير الكامل ولجميع الأراضي السورية وطرد الاحتلال وأدواته”. وأضاف أن “إدلب باتت ورقة للمساومة والابتزاز حتى على ملفات خارجية، وهذا من شأنه تعقيد المهمة وإطالة المعاناة، إلا أن الأرض أرضنا، وهذه قضيتنا، والمقاومة خيارنا”. وأشار إلى أن “الفارق في موازين القوى بيننا وبين العدو كبير جداً، نواجه اليوم روسيا، ثاني أقوى قوة عسكرية في العالم، وإيران المنشأ الرئيس للتنظيمات الإرهابية، والنظام الإماراتي الذي دخل المعركة داعماً للإرهاب سياسياً ومالياً”. وقال: “يتعرض أهلنا وشعبنا لخذلان عربي وإسلامي غير مسبوق، بالإضافة إلى تجفيف كل مصادر الدعم العسكري والإنساني منذ عام 2016، إلا أن كل ذلك وغيره لن يكون إلا مدعاة للصمود”.
على الصعيد الإنساني، تتفاقم الكارثة في إدلب مع نزوح عشرات آلاف المدنيين من منازلهم وتوزعهم في ريف إدلب الشمالي وفي منطقة عفرين وريف حلب الشمالي، في ظل تجاهل دولي لمأساة من المتوقع أن تأخذ أبعاداً أكثر خطورة في الأيام المقبلة. ووثّق فريق “منسقو الاستجابة” في سورية استمرار النظام السوري وحلفائه في الأعمال العسكرية العدائية على شمالي غرب سورية، مع نزوح 264,028 شخصاً منذ مطلع نوفمبر الماضي بسبب الحملة العسكرية من النظام على المنطقة. وأشار الفريق إلى أن ازدياد أعداد الضحايا من الأطفال والنساء، الذي وصل إلى أعداد كبيرة، يؤكد أن تلك العمليات العسكرية تستهدف المدنيين بشكل واسع، وهدفها إلحاق الضرر الأكبر بحق المدنيين العزّل في المنطقة.
وقال مدير الفريق محمد حلاج، في تصريح صحافي، إن أكثر من 48,005 عائلات مؤلفة من 264,028 شخصاً نزحوا من مدينة معرة النعمان والبلدات والقرى المحيطة بها، خلال الفترة الممتدة من 1 نوفمبر الماضي حتى 28 ديسمبر الحالي. وأضاف حلاج أن النازحين توزعوا على 34 مدينة وبلدة وقرية شمال مدينتي إدلب وحلب، مشيراً إلى أن الفريق يعمل على إحصاء النازحين وتوثيقهم، ورصد احتياجاتهم الإنسانية والإغاثية. من جهتها أكدت الأمم المتحدة الجمعة أن 235 ألف مدني فروا من منازلهم في شمالي غرب سورية. وقال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إن موجة النزوح الجماعي وقعت بين 12 ديسمبر و25 منه، لافتاً إلى أن أغلب النازحين فروا من معرة النعمان وبلدات وقرى في جنوب محافظة إدلب ومن مدينة إدلب ومن مخيمات على الحدود السورية التركية.
وذكر المكتب أن تقارير عدة أفادت بأن معرة النعمان ومنطقة الريف المحيط بها “أصبحت خالية تقريباً” من السكان. ووثقت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” مقتل 86 مدنياً، بينهم 21، طفلاً بقصف قوات النظام وروسيا محافظة إدلب بين 15 ديسمبر الحالي و26 منه. وأضافت “الشبكة” في تقرير صدر أمس السبت أن قوات النظام قتلت 42 مدنياً، بينهم 10 أطفال، وارتكبت 4 مجازر، بينما قتلت القوات الروسية 44 مدنياً، بينهم 11 طفلاً، وارتكبت مجزرتين. ووثق التقرير 47 اعتداءً على مراكز حيوية على يد قوات النظام وروسيا، كان من بينها 9 حوادث اعتداء على مدارس، واثنان على منشآت طبية، و13 على أماكن عبادة، وستة على أسواق، وتوزعت إلى 38 حادثة اعتداء على يد قوات النظام، و9 على يد القوات الروسية.
المصدر: العربي الجديد