فايز هاشم الحلاق
هَبَّ العليلُ ولاتَ حينَ هباتِ
براقِعٌ كَشَفَتْ مَخْبوءَة وَجناتِ
يا عاشِقَ الغيدِ في دارِ البقاءِ غدًا
من جُلَّقٍ تَأتي كلُّ الجَميلاتِ
أَلا تَرى الشامَ قَدْ عاشَ الجَمالُ بِها
والحُسْنُ مُنْتَشِيًا سَكْرانَ لَيْلاتِ
وادٍ ونَهرٌ بِشَكْلِ مَتاهَةٍ يَجْري
فالعَيْنُ تَرنو إلى أرقى لَوحاتِ
عِطْرٌ تَضَوَّعَ حامِلًا مِنْ العَبَقِ
لِرّفِ عُصْفورٍ أَوْ للفراشاتِ
لَمَّا بَدى بَردَى إِمامَ غُوطتِهِ
وحَلَّقَ الناسُ صَفًا للصلاوات
والطَّيْرُ صادِحةٌ من غُصْنِها فرحًا
تُسَبِّحُ اللهَ في إتقانِ نَغْماتِ
كَمْ أَذَّنَ العَنْدَليبُ على شُجَيراتِها
يُعلَّمُ الديكَ صُبْحًا شَدْو صَيْحاتِ
يَؤُمُ حَسْونًا تَوَضَّئَ بالنَّدى
واللَّيلُ يَرْحَلُ مُسْرِعَ الخُطَواتِ
كُلُّ المَآذِنِ تَشْدو في ابتهالاتٍ
والحُوْرُ مُبْتَسِمٌ في بطئِ هَزَّاتِ
هذا هُوَ عُرْسُ الرَّبيعِ في غوطَةٍ
زَهْرٌ وأَطْيارٌ أَهْلُ احْتفالاتِ
هَل جَنَّةُ الخُلْدِ في دِمَشْقَ مُوقِعها
أَمْ أَنَّها كانَتْ مِنْ بَعْضِ جَنَّاتِ
أَحْبَبتُها صابِرًا آمنتُ في حُلُمي
أَحْبَبْتُها غَضِبًا وفي المُلِمَّاتِ
هذي دِمَشقُ فَهَلْ أَحْصيتَ ما حَضنت؟
تِلالُها جَمَعَتْ من كُلِّ زَهراتِ
رِجالُها شَمَخَتْ والذِّكْرُ سَطَّرَها
فَاسْتَطْلِعِ المَعنى وانْظُرْ لآياتِ
جَعَلَتُ من نَفْسي الجُزءَ من بَرَدى
حَتَّى سَقَيْتُ دَمي كَثيرَ وَرْداتِ
تَجري شَراييني بأَرْضِها طَوْعًا
ضَاقَتْ مسارِبُها مِثْلَ الشُّعيراتِ
تَكاثرْت في حناياها جراحاتٌ
مِنْ كُلِّ جَبَّارٍ مُتَمَلَّقٍ آتي
لا يَصنعُ الجُرح إلا حاملٌ حِقدًا
والفأرُ يُخْضعُ فيلا إِثْرَ عَضَّاتِ
لا الشَّامُ فيلٌ ولا السِّباعُ فأرانُ
بأس اعْتداءٌ تَغاوى بالبطولاتِ
يا حاسدَ الشَّام إن هبَّ الهوى شَمألٌ
خَلْفَ الهُبوب تَرى عُمْقَ الجراحاتِ
النَّاسُ تبكي بِحُرْقَةٍ من الأَلمِ
كَبُرَ المَصابُ على أرضِ النُّبوآتِ
والدَّمْعُ يَنْهَمِرُ أَمامَ حاسِدِها
تَراهُ مَسْرورًا بِصَوْتِ آهاتِ
لم يَبقَ أَنْذالٌ إلا وقَدْ فَرِحوا
بالأَحْمَرِ القاني في أَرْضِ ساحاتِ
أَتى إِليها كُلُّ ابْنِ زانيةٍ
وَلَدَتْهُ واحِدَةٌ من غيرِ زيجاتِ
أَتى لِكَيْ يَنْصُرَ من كانَ يُشْبِهُهُ
فالبومُ والغِربانُ أَهْلُ جيفاتِ
يا شامُ لا تَحْزني النَّصرُ موجودٌ
في دَمْعَةِ الأَطفالِ في المُلِمَّاتِ
من قاسيونَ يُطِلُّ مُشْرِقًا غَرِدًا
دَمُ الشَّهيدِ مُلوِّحٌ براياتِ
راياتُنا بَرَدى وغَوْطَةٌ خَضَرا
وخُلقُنا سَمْحٌ ليسَ انتقاماتِ