محمد علي
أتاح بقاء المئات من مقاتلي فصائل المعارضة في درعا، بعد توقيع اتفاق التسوية مع النظام، واختيارهم عدم الهجرة إلى الشمال، لقادة الفصائل التي حافظت على كياناتها فرصة الصراع على ما تبقى من هياكل عسكرية متصدعة تتبع بشكل أو بآخر للوصاية الروسية والإيرانية.
صراع قديمٌ متجددٌ تعود جذوره إلى بدايات عام 2015. وقد منع هذا الصراع الفصائل من المضي قدماً في استكمال عملية تحرير حوران، حيث اقتصرت جهود الفصائل منذ ذلك العام مروراً بتوقيع التسوية عام 2018 إلى اليوم، على التنافس من أجل بسط النفوذ، كل فصيل على حساب الآخر.
شخصنة الخلافات
وشهدت درعا مؤخراً العديد من الاجتماعات للجان التفاوض المركزية، بغية تشكيل لجنة موحدة تتحدث باسم منطقة حوران، لكن هذه الاجتماعات لم تسفر عن الوصول الى طرح يناسب تطلعات قيادات “اللجان المركزية” بما يضع حداً لتباينات هؤلاء القادة.
ويعدّ الصراع العشائري أبرز وجوه الخلافات بين أعضاء اللجان في درعا البلد وريف درعا الغربي، صراع بدأ يطفو على السطح أكثر خاصة بعد استهداف أبو مرشد البردان قائد لواء “عباد الرحمن” سابقاً وبعض أعضاء اللجنة المركزية بريف درعا الغربي في أيار/مايو الماضي، ما أدى الى سقوط قتلى وجرحى.
وبعد الحادث، وجهت اتهامات للبردان من قبل القادة المنافسين بأنه على علاقة مع النظام، بسبب زيارته من قبل رئيس فرع الأمن العسكري، لؤي العلي، المقرب من روسيا، عقب الانفجار بفترة قصيرة.
لكن أصل هذا الخلاف العشائري هو فشل التوصل لاتفاق على قيادة موحدة تمثل الريف الغربي في “مشروع التوحيد العام” الذي طرحه أحمد العودة، قائد “اللواء الثامن” في “الفيلق الخامس” التابع لروسيا. فقد رفض قادة فصائل وجود أبو مرشد البردان كممثل لقيادة لجنة ريف درعا الغربي، بينما اتهم البردان بالمقابل معارضين بالوقوف وراء التفجير الذي استهدف اللجنة المركزية.
أما في درعا البلد، فقد شهدت اللجنة مشادات أيضاً مع القيادي السابق لفوج الهندسة والصواريخ في الجيش الحر أدهم أكراد بعد ترشيح أبو شريف محاميد ليكون الممثل العسكري عن اللجنة في درعا البلد، وهذا ما دفع أكراد للانسحاب من اللجنة بحجة خلافه مع باقي أعضاء اللجنة، على خلفية إصراره على انسحاب قوات النظام وروسيا من المنطقة بشكل كامل، والوفاء بالبنود التي تضمنها اتفاق التسوية.
طبيعة الانتشار في درعا
انقسم ريفا درعا الشرقي والغربي، حسب تبعية الفصائل المتواجدة فيهما. ففي الغرب النسبة العظمى من المقاتلين تتبع حالياً للفرقة الرابعة، يليها الأمن العسكري، ويتوزع انتشار الفرقة والفرع من مدينة طفس إلى بلدة جملة المحاذية للجولان السوري المحتل.
الفرقة الرابعة كان وجودها يقتصر على عناصر التسويات بالإضافة إلى بعض العناصر من “لواء الغيث”، بيد أن انتشارها بدأ بالتوسع عقب وصول التعزيزات العسكرية الأخيرة إلى درعا، والاتفاق الذي وُقّع إثر ذلك وسمح بتمركز حواجز ودوريات عسكرية تابعة لها بحجة محاربة تنظيم “داعش”، لكن إلى الآن لم تنفذ أي عملية ضد التنظيم أو أي مداهمة في المنطقة.
عملياً تهدف الفرقة الرابعة من انتشارها في الريف الغربي إلى تقطيع أوصال المنطقة وعزل تجمعاتها السكنية بالدرجة الأولى، وحماية معسكر “زيزون” الذي يعتبر المركز الرئيسي للفوج 666 التابع للفرقة، والذي كان مستهدفاً بشكل مباشر من قبل الثوار في درعا، وقد حدّ هذا الانتشار من عمليات الاغتيال التي كانت تستهدف الضباط والعناصر في جيش النظام، بحيث تم تأمين الخط العسكري من معسكر “زيزون باتجاه مركز مدينة درعا.
أما بالنسبة للفيلق الخامس، فقد اتضح منذ بداية تشكيله مع سقوط الجنوب، أن مناطق انتشاره توسعت بشكل رئيسي في ريف درعا الشرقي، بقيادة أحمد العودة الذي يعتبر مدينة بصرى الشام معقله الرئيسي.
وبعد التفجير الذي جرى في هذه المدينة في تموز/يونيو، طالب العودة بأن يكون قائد لواء مستقل ضمن الفيلق الخامس، لكن عدد المقاتلين التابعين له لا يُعتبر كافياً من أجل ذلك، على اعتبار أن ملاك اللواء في قوات النظام يجب أن يكون بين 3000-5000 عنصر، ما دفع العودة إلى فتح باب التجنيد لاستقطاب المزيد من المقاتلين الذين حصلوا على تعهد بعدم المشاركة في معارك مع النظام أو ضده، والخدمة في محافظة درعا حصرياً.
وإثر ذلك ألتحق عدد كبير من شباب الريف الشرقي بصفوف اللواء الثامن، تحت مظلة الفيلق الخامس أو “جيش حوران الموحد” كما أسماه العودة، لكن هذا الجيش لم يكن شاملاً لكل حوران، واقتصر على مجموعات من ريف درعا الشرقي، غالبهم من عناصر الاحتياط والمنشقين عن النظام.
التبعية للنظام
يقول الناطق باسم “تجمع أحرار حوران” أبو محمود الحوراني في تصريح ل”المدن”، إن خلافات قادة الفصائل والاتهامات المتبادلة بينهم لا علاقة لمصلحة الثورة أو منطقة حوران بها، بل أساسها شخصي يتصل بمصالح القادة الخاصة.
وأضاف “يصبح الأمر مثيراً للسخرية عندما ينتقد أحمد العودة بعض القادة المنافسين بسبب تبعيتهم للفرقة الرابعة، والعكس صحيح، عندما تنتقد قيادات من المنتمين إلى الفرقة الرابعة العودة، ويبدأ الطرفان باتهام بعضهم البعض بالتبعية للنظام، على الرغم من تبعية الجهتين أصولاً للنظام في الوقت الحالي”.
وأكد الحوراني أن “الفيلق الخامس جهة عسكرية أعلن عنها وزير الدفاع بحكومة النظام بشكل واضح، وعليه فإن هذا الصراع هو صراع بالوكالة، بحيث أن كلا الطرفين يقاتل تبعاً للجهة التي يقدم لها فروض الولاء والطاعة. أما الاتهامات المتبادلة فدافعها شخصي ويتعلق بمصالح القيادات الحالية لا المصلحة العامة، فجميع الفصائل التي بقيت في درعا حالياً تتبع للنظام بشكل أو بآخر، على اختلاف انتماءاتها التنظيمية، بين الفرقة الرابعة أو الأمن العسكري أو الفيلق الخامس”.
في تموز/يوليو الماضي تم تخريج دورة عسكرية للواء الثامن. بعد تخريج الدورة خرجت مظاهرة لعناصر “اللواء” بحضور الشرطة العسكرية الروسية، أطلقوا خلالها هتافات مناهضة للنظام، وطالبت بخروج القوات الإيرانية والإفراج عن المعتقلين، الأمر الذي رأى فيه الكثيرون محاولة من أحمد العودة كسب عواطف الحاضنة الشعبية المعارضة للنظام، وتعزيز صورته كمعارض للنفوذ الإيراني، وتسجيل المزيد من النقاط في سلة منافسيه من قادة الفصائل الأخرى، الذين يُعتبر ملعب الخدمات وتأمينها للسكان ميدان تنافسهم لكسب هذه الحاضنة، من دون تحقيق نجاحات كبيرة.
المصدر: المدن