أمين العاصي
تحوّلت البادية السورية إلى ميدان مواجهات واسع بين خلايا تنظيم “داعش” النشطة وبين قوات النظام ومليشيات تساندها، والتي تتكبد خسائر تُوصف بـ”الفادحة” على يد مسلحي التنظيم، الذين استعادوا، كما يبدو، القدرة على شن هجمات ونصب كمائن في مساحة مترامية الأطراف، من الواضح أنهم على دراية كافية بتضاريسها الوعرة. وباتت قوات النظام والمليشيات هدفاً مباشراً لعناصر “داعش” المنتشرين على شكل مجموعات خفيفة تتحرك على دراجات نارية سريعة، وفق مصادر محلية.
ووفق المرصد السوري لحقوق الإنسان، فقد قُتل، أول من أمس الجمعة، 6 عناصر من قوات النظام من الفرقة 11 وأصيب 10 آخرون، بعضهم في حالات خطيرة، جراء استهداف حافلة تقلّهم بعبوة ناسفة زرعها عناصر “داعش” على طريق “المحطة الثالثة” باتجاه مدينة تدمر في ريف حمص الشرقي. وقد قُتل وأصيب عدد من عناصر قوات النظام، يوم الخميس الماضي، جراء هجوم نفّذه مجهولون يُعتقد أنهم من “داعش” على رتل عسكري، على الطريق الواصل بين دير الزور والميادين، ثم انسحبوا باتجاه بادية المحافظة. وأشار المرصد إلى أن عمليات “داعش” تتنوع بين تفجيرات وكمائن وهجمات، موضحاً أن عناصر التنظيم يتحركون ضمن مساحة تمتد من بادية الشولا غربي دير الزور وصولاً إلى بادية البوكمال شرقها، وطريق دير الزور ـ الميادين، وعلى طريق حميمة ـ المحطة الثالثة، باتجاه مدينة تدمر في ريف حمص الشرقي، بالإضافة إلى منطقة الرصافة في ريف الرقة الجنوبي الغربي، فضلاً عن منطقة أثريا بريف حماة الشرقي وبادية السويداء.
كما أشار المرصد إلى مقتل ما لا يقل عن 48 عنصراً من قوات النظام والمليشيات الموالية لها، بينهم ضباط وإصابة العشرات منهم، خلال الأسبوع الماضي، فضلاً عن فقدان الاتصال بأكثر من 50 عنصراً أثناء حملات التمشيط. في المقابل، قُتل 22 من عناصر “داعش” في القصف الجوي الروسي والاشتباكات.
ومن الواضح أن هجمات تنظيم “داعش” التي لا تكاد تهدأ دفعت قوات النظام إلى التنسيق مع هيئة “الحشد الشعبي” في العراق، للحد منها. وفي هذا الصدد، ذكرت شبكة “نهر ميديا” المحلية، أول من أمس الجمعة “أن قوات النظام نشرت بالتعاون مع الحشد الشعبي العراقي غرفاً مسبقة الصنع، في مناطق متفرقة على الحدود السورية العراقية بغية إنشاء نقاط مراقبة في عمق البادية”. وأشارت إلى أن الهدف جراء ذلك الحد من هجمات تنظيم “داعش” المتكررة على مقرات النظام العسكرية والمليشيات التابعة له في ريف دير الزور الشرقي، مؤكدة أن الفرقة الرابعة التي يقودها ماهر الأسد كُلفت بمهمة المراقبة والحراسة في هذه النقاط.
وكان “داعش” لجأ إلى البادية مع اشتداد الهجمات عليه في سورية والعراق، والتي انتهت مطلع عام 2019، مع السيطرة على جيب الباغوز في ريف دير الشرقي آخر معقل للتنظيم، من قبل “قوات سورية الديمقراطية” (قسد) بدعم واسع من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة.
ولا توجد معلومات مؤكدة توضح كيفية حصول “داعش” على السلاح والذخيرة والمواد الغذائية، لكن مصادر محلية تؤكد لـ”العربي الجديد” أن التنظيم يبرم صفقات مع جهات مع النظام السوري تزوده بما يحتاج، مشيرة إلى أن قياديين في التنظيم لديهم كتلة مالية هائلة تمكنهم من الحصول على كل شيء. وأشارت المصادر إلى أن عناصر التنظيم يتخذون من جبال في البادية مكاناً لهم، لا سيما في جبلي أبو رجمين، والعمور، وسواهما من الجبال.
وتؤكد أرقام نشرها المرصد أن قوات النظام تكبدت، منذ مارس/آذار من العام الماضي وحتى الوقت الحالي، خسائر فادحة في الأرواح، منوّهاً إلى مقتل 795 عنصراً من هذه القوات على يد تنظيم “داعش”، ومنهم من ليسوا سوريين، من بينهم اثنان من الروس على الأقل، بالإضافة لـ140 من المليشيات الموالية لإيران من جنسيات غير سورية. كما قُتل 291 من تنظيم “داعش”، خلال الفترة ذاتها خلال الهجمات والقصف الجوي من قبل الطيران الروسي ومقاتلات النظام.
وكان النظام السوري أبرم أكثر من صفقة مع التنظيم سمحت للأخير بنقل عناصره من جنوب العاصمة دمشق ومن حوض اليرموك في ريف درعا الغربي جنوبي سورية إلى البادية. ويُعتقد أن المجموعات التي خرجت من جنوب سورية بترتيب من النظام هي التي هاجمت قرى في ريف السويداء الشرقي على تخوم البادية، في 25 يوليو/تموز 2018، وقتلت أكثر من 200 مدني، وخطفت آخرين أفرج عنهم التنظيم لاحقاً بصفقة أخرى مع النظام.
وتتحرك خلايا وفلول “داعش” على امتداد البادية التي تبلغ مساحتها نحو 80 ألف كيلومتر مربع، وهو ما يمنح التنظيم القدرة على مباغتة قوات النظام التي تنتقل من وإلى محافظة دير الزور في أقصى الشرق السوري، تحديداً الهجمات التي طاولت 3 أرتال من قوات النظام الأسبوع الماضي، وفق مصادر محلية في بادية الرقة. وتمتد البادية من ريف السويداء وريف دمشق وريفي حماة وحمص غرباً إلى الحدود السورية العراقية شرقاً، ومن الحدود السورية الأردنية جنوباً إلى أطراف محافظتي الرقة ودير الزور شمالاً.
وتضم البادية مدينة واحدة هي تدمر، إضافة إلى عدد من البلدات أبرزها بلدة السخنة، وعشرات القرى المتوسطة والصغيرة. وتقع مساحة من البادية تُعرف باسم منطقة الـ55 تحت سيطرة فصائل تابعة للمعارضة، تتلقى دعماً من التحالف الدولي الذي يتخذ من منطقة التنف على الحدود السورية العراقية قاعدة له. ويمنع التحالف الدولي أي قوات غير صديقة من الاقتراب من القاعدة بعمق 55 كيلومتراً، من أجل حمايتها من أي هجمات يمكن أن تشنها مليشيات إيرانية أو فلول تنظيم “داعش”.
وتضم البادية ثروات طبيعية بكميات كبيرة أبرزها الغاز والفوسفات في ريف حمص الشرقي. وتضم منطقة تدمر عدة حقول غاز، أهمها: حقل الشاعر، وهو أكبر حقول الغاز في سورية، يليه حقل الهيل لجهة الطاقة الإنتاجية، وآراك، وحيان، والمهر، وجحار، وأبو رياح. وانتزعت قوات النظام السيطرة على هذه الحقول من تنظيم “داعش” الذي ظل مسيطراً عليها لأكثر من عامين.
المصدر: العربي الجديد