الكتاب الذي صدر تحت عنوان ” نجمة البحر والعنكبوت – القوة غير القابلة للإيقاف – منظمات بلا قيادة.” للكاتبين الذين أبدعا بحق وحقيقة في التعرف على إدارة المؤسسات والشركات والمنظمات والجيوش ، وهما أوري برافمان ، ورود بيكستروم ، لقد أجهد الكاتبان نفسيهما في البحث والتنقيب والغوص في التاريخ وشئون الإدارة والسياسة والعنف وكل ما يُعنى بشئون إدارة الإنسان وما يتصل به لتقديم رؤية ونظرة شاملة للقارئ.
يقصد الكاتبان بمنهج العنكبوت في الإدارة المنهج المركزي، وعادة ما تتبعه وتقتفيه التيارات والأنظمة الاستبدادية ، إذ أن العنكبوت يمكن التخلص منه بضربة قاضية على الرأس فقط ، فتتوقف حينها الأطراف عن العمل ، وتُشل حركة الجسم كاملة ، لكون المخ في الرأس ، أما نجمة البحر المتكونة من خمسة أطراف فليس لها رأس أو مخ ، فكل طرف من أطرافها يملك مخه ورأسه الخاص به ، وبالتالي فحركة نجمة البحر توافقية بين الأطراف الخمسة ، والقضاء على طرف واحد لا يعني القضاء على هذا المخلوق ، كما أن القضاء على طرف يعني فرزه لطرف آخرين ، وبالتالي فإن هذا المنهج الإداري يعني أن التعامل الفظ والساذج معه بالقضاء على طرف أو طرفين منه أو أكثر إلا باستثناء إن تمكن الخصم من القضاء على كل الأطراف ، وهو جهد ليس بسيطاً في عالم المنظمات السرية وعالم الإدارة والسياسة.
يشرح الكاتبان في مقدمة المؤلَّف ص 5 ما يريدانه من التأليف فيقولان : ” هذا الكتاب يشرح ما سيحدث فيما إذا لم يكن أحد مسئولاً ، إنه يتكلم فيما إذا لم يكن هناك هرمية قيادية ، فأنت ستعتقد أنه سيكون هناك فلتان ، وحتى ربما فوضى ؛ لكن في كثير من الساحات حين تفتقر إلى وجود القيادة التقليدية ، فإن هذا يمنح فرصة لصعود مجموعات قوية تقلب الشركات والمجتمعات رأساً على عقب . ” ولا ينسى الكاتبان أن يدللا على ذلك بمثال أليف ربما لكل سكان هذا الكوكب ، وهو مثال القاعدة وأسامة بن لادن حين يقول في ص6 : ” ماذا يستطيع أن يفعله شخص من داخل كهفه ، إن القاعدة تستطيع أن تفعله ، لأن ابن لادن يقوم بدور القيادة غير التقليدية أبداً . “
يضرب الكاتبان بعد ذلك مثالاً آخر للتدليل على نظريتهما ، وهو ما فعله تاجر عام 2001 حين قدم معلومات وخدمات مجانية للأطفال في كل أرجاء العالم وعلى الإنترنت ، ولم يظن يوماً أن جهوده ستؤدي بملايين الأطفال إلى استخدام شيء ما يقال له ” ويكي” ، وهي عبارة عن تقنية معلوماتية تسمح لمستخدمي المواقع بتحرير مضمون المواقع بأنفسهم ، كما في مواقع الويكيبيدديا وغيرها ، وينشئ بذلك أكبر مخزن معلوماتي في عصرنا.
وبالتالي فإن سبب نجاح كل الموسوعات القوة الخفية الدافعة والمحفزة لها ، وبقدر ما تكون قوياً وقاسياً في التعاطي معها ، بقدر ما تنتشر أكثر وأكثر ، وبقدر ما تبدو وكأنها فوضوية وغير منظمة فهي في الحقيقة غير ذلك ، بل وفي تصاعد ونمو ، وكلما حاولت التحكم والسيطرة عليها ، تغدو أبعد ما تكون عن التنبؤ بها ، وبنتائجها.. وبالتالي فإن المجموعات الفوضوية تمكنت أخيراً من هزيمة المؤسسات صاحبة المؤسساتية ، لقد تغيرت قواعد اللعبة ، هكذا يختم المؤلفان مقدمتيهما ليضعا في نهاية الكتاب عشر قواعد للعبة الجديدة التي يتحدثان عنها ضمن مساق هذا الكتاب القيم.
في الفصل الأول يركز الكاتبان على لغز مجموعات الأباتشي الإسبانية المتمردة ، و التي قاومت القوات الإسبانية لمئات السنين ، ويقول المؤلفان في ص 19 : ” خاض الأباتشي معارك و لمئات السنين ، والسؤال كيف ظلوا أحياء بعد ذلك كله ؟؟!! لقد وزعوا السلطة السياسية ، وجعلوا السلطة المركزية قليلة جداً ، فالأباتشي احتفظوا بوجودهم لكونهم لا مركزيين . ” ويتابعان فيقولان : إن المنظمات المركزية سهلة على الفهم ، فالمركزية تعني قائداً واحداً يتخذ القرار ، ومقيم في مكان واحد ، وبالتالي القدرة على فهمه والتعاطي معه أمراً سهلاً .. أما في الإدارة اللامركزية فليس هناك قائد مركزي ولا مكان قيادة محدد ، وكذلك لا توجد هرمية تنظيمية ، وكل قائد محلي له سلطات محددة وقليلة ، فهو يؤثر على من حوله ، وهو ما دعا نيفينز إلى تسمية ذلك بالنظام المفتوح ، إذ أن كل واحد مخوّل في أن يتخذ قراره بنفسه ، ولكن هذا لا يعني أن اللامركزية في القرار تعني الفوضى ، فهناك قوانين وقواعد عامة تحكم الجميع ، لقد كان الأباتشي محصنين عن القضاء عليهم بسبب الغموض الذي يكتنفهم ، وهو نفس ما تتحلى به القاعدة وطالبان وغيرها من المنظمات المسلحة هذه الأيام.
حين سعت القوات الإسبانية إلى القضاء على الأباتشي هاجمتهم ، فتحولوا إلى لا مركزيين أكثر من السابق ، وتقوّوا أكثر من ذي قبل ، وحين هاجمت الحكومة بيوتهم في قراهم تحولوا إلى مجموعات من البدو الرحل ، فباختصار الإدارة اللامركزية واللامركزيون لديهم قدرة كبيرة على التأقلم مع المتغيرات والمستجدات أكثر بكثير من المستقرين والمتنعمين في القيادة والإدارة المركزية … فحين يتم مهاجمة اللامركزيين يتفرقون ويتشتتون ، ويصبحون أكثر انفتاحاً ولامركزية ، وهو ما حصل مع القاعدة في أفغانستان ، فبعد الضربة تشتت عناصرها في الآفاق ، وغدوا أكثر خطراً على الأميركيين ، وخلقوا أطرافاً أخرى لنجمة البحر في العراق وجنوب شرق آسيا والصومال وغيرها.
يبحر بنا المؤلفان في عالم وبحر الانترنت ويقولان : إن موقع كازا للموسيقى يلعب دور اللامركزية أيضاً ، إذ سمح لمرتاديه بتنزيل أشرطة الموسيقى دون وجود سيرفر مركزي ، ويقارن المؤلفان الكازا بالاباتشي من حيث اللامركزية فلا قيادة رئيسية موحدة ، والرواتب قليلة ونحو ذلك من متطلبات اللامركزية.
عنون المؤلفان للفصل الثاني بـ ” العنكبوت ونجمة البحر ورئيس الانترنت ” ، وهنا يتحدث المؤلفان عن إدارة الكوارث الطبيعية فيضربان مثالاً في ص 39 على كارثة إعصار كاترينا 2005 فيقولان : ” حين وقع هذا الإعصار المدمر كان الناس على الأرض لديهم المعلومات الكافية والمهمة لإدارة شئون أزمتهم ، لكنهم كانوا بلا صلاحيات في تطبيق خطة إنقاذ عملية وواقعية ، فالمخرّب والمفسد الحقيقي في هذه الحالات هو النظام الإداري للمسألة . “
ما زلت أقارن بين طريقة تعاطي الأهالي والمجتمع المدني في المالديف وسيرلانكا التي رأيتها أثناء تغطيتي لأحداث تسونامي ونجاحهما الخارق في التعاطي مع تلك الأزمة ، وبين النظام البالي البيروقراطي الذي ينتظر الأوامر وينتظر العلاوات على خدمته كما الحال في حكومات تلك المنطقة والحكومة الباكستانية خلال كارثة الزلزال أو كوارث الفيضانات.
لقد تواصل المجتمع البشري إبّان مرحلة الثورة الصناعية عبر الهاتف والتلغراف والبريد ، حيث كان يسيطر على العالم بضع شركات وعدد من القراصنة الذين غيّروا وجه الثورة الصناعية العالمية ، لكن خروج الانترنت علينا الآن قلب الأمور رأساً على عقب في أقل من عقد ” عقب هكذا يقول المؤلفان في ص 41 ، ويضع الكاتبان هنا بضعة أسئلة لمن يريد أن يتعرف فيما إذا كان النظام عنكبوتياً ، فيقولان عليكم أن تسألوا أنفسكم الأسئلة التالية :
1- هل هناك شخص قائد ؟ فالنظام الإكراهي يعتمد على النظام والتراتبية ، أو بعبارة أخرى على شكل الهرم ، وبالتالي هناك قائد بخلاف النظام الآخر الذي هو نظام مفتوح ولا قائد محدد معروف المكان .
2- هل هناك مركز للقيادة ؟ كل منظمة عنكبوتية لديها مراكز قيادية معروفة المحل والمكان ، أما المنظمات المتخذة من نظام نجمة البحر نظاماً فليس لديها مراكز قيادية دائمة ، ولا بريد معروف ، فهي موزعة على عشرات ، بل ومئات التجمعات ، وبالتالي يصعب ضربها والقضاء عليها ، كما حصل مع ضربة القاعدة للحادي عشر من سبتمبر ، فلاحقها التحالف الدولي ، لكنه لم يتمكن من القضاء عليها لكون مقر القيادة والبريد وكل شيء مجهول وغير معروف.
3- هل الضرب على الرأس يقضي عليها ؟ ضرب رأس العنكبوت يقضي عليه ، ولذلك فالمساعي تتجه دائماً إلى محاولة اغتيال الرئيس وغزو الجيش للعاصمة ، أما نجمة البحر فليس لديها رأس ، ولذا حين قتل الأسبان ناتانز كقائد للأباتشي حل آخر محله ، وهو ما عنى أن برنامج الأباتشي ونحوها من المنظمات العاملة على طريقة نجمة سار بعد قتل نانتاز أو شبيهه دون أي تأثر أو تضرر.
4- هل هناك أدوار توزيعية واضحة ؟ ففي النظام المركزي العنكبوتي هناك أقسام وأفرع مرتبطة بالرأس ، بينما في النظام الآخر لنجمة البحر كل واحد قريب من طرف النجمة ويقوم بالدور المنوط به ، ولا داعي ليبلغ الأطراف الأخرى بما ينبغي أن يفعله .
5- لو قطعت وحدة معينة ، هل تتضرر المؤسسة ؟ فكل وحدة من نظام اللامركزية تتمتع باستقلال ذاتي عن الوحدات الأخرى ، وهو ما يفتقر إليه النظام المركزي العنكبوتي .
6- هل المعرفة والسلطة متركزة أم موزعة ؟ فالمعرفة في النظام العنكبوتي مركّزة في الرأس والمركز ، أما نظام نجمة البحر فكل فرد يفترض أن لديه معرفة وصلاحيات متساوية مع الأفراد الآخرين .
7- هل المنظمة مرنة أم متشددة ؟ فالنظام اللامركزي فضفاض ومرن ، والأطراف عادة ما تستجيب وبسرعة إلى القوى الداخلية و الخارجية ، فهي تنتشر وتنمو باستمرار ، وتنتشر وتتقلص وربما تموت ، ثم تعيد الظهور من جديد ، وهذه الخاصية تجعلها مرنة جداً ، فمواقع الانترنت الأقرب إلى النظام اللامركزي ، آلاف المواقع تظهر ومئات وربما الآلاف تموت بالمقابل ، أما النظام المركزي فمركزي ومتشدد ولا يستطيع أن يقرر موظف البنك شيئاً ما لم يعد إلى المركز والرأس .
8- هل تستطيع عدّ الموظفين أو المشاركين ؟ ففي النظام اللامركزي لا تستطيع عدهم ومعرفتهم ، فهي مهمة مستحيلة ، فكم عدد مستخدمي الانترنت أو الجالسين على الكومبيوتر ليشاهدوا فيلماً أو موقعاً ؟!! من الصعب حصرهم ، فالقوات الاسبانية تستطيع أن تعرف عدد قواتها ، أما قوات الأباتشي فمن الصعب معرفة عدد أفرادها .
9- هل عمل المنظمات ممولة من رأس المنظمة ، أم كل وحدة وقسم ذاتي التمويل ؟ ففي النظام اللامركزي كل وحدة مستقلة عن الأخرى ، وبالتالي فهي ذاتية التمويل وتعتمد على نفسها ، بخلاف النظام المركزي الذي يعتمد على تمويل الكل من المركز ، وبالتالي تستشري البيروقراطية ، قاتلة روح الإبداع والمبادأة .
10- هل مجموعات العمل تتواصل بشكل مباشر أو من خلال وسيط ؟ ففي النظام المركزي المعلومات المهمة في القيادة المركزية للمنظمات ، وتتجه كل المعلومات إلى القيادة ، بخلاف النظام الآخر ..
ينتقل الكاتبان في الفصل الثالث إلى الحديث عن نظام وخواص نجمة البحر تحت عنوان ” بحر نجمة البحر” ، فيبحران بنا في عالم الانترنت وشركاته للتدليل على صوابية نظرتهما تجاه نجمة البحر واللامركزية ، ويخلص الكاتبان في ص 67 إلى نتيجة مهمة تقول : ” لقد تعلمنا درساً مهماً من منظور الناس ، وهي أنهم لا يهتمون أو يعتنون فيما إذا كان النظام المتبع عنكبوتياً أو نجمة بحر ما داموا يحصلون على حريتهم ، ويعملون كما يريدون ، وبالتالي فهم سعيدون بتلك الحرية . ” ثم يقول الكاتبان إن الجار في النظام المفتوح يعد أكثر وأكبر من مسألة جار قريب من منزلك ، لكن مع اعترافه أنه حين تمنح الناس الحرية تحصل على بعض الفوضى ، ولكن تنال أيضاً إبداعاً حقيقياً لأن كل واحد يسعى للمساهمة ، ويجهد نفسه من أجل تلاقح الأفكار ونضجها .
في الفصل الرابع يغوص المؤلفان في خصائص الأطراف الخمسة لنجمة البحر ، ويعدان كل طرف مرتكزاً أساسياً لنظام اللامركزية ، فالطرف الأول بنظرهم هو عبارة عن الدوائر ، فكل مجموعة أباتشي إسبانية تشبه الدائرة ، من حيث الاستقلالية والحكم الذاتي ، إذ يعدّ كل فرد عضو في الأباتشي إما بالولادة أو بالتبني أو بالاستيلاء ، وبانضمامك تكون كامل العضوية وتقدم أفضل ما لديك ، فالانترنت سمح للدائرة أن تصبح واقعية ، كما ينضم العضو من كومبيوتره دون أن يغادر بيته ، وهنا تكون الدائرة مستقلة القرار وذاتية التمويل ، وتدير نفسها بنفسها ما دام الاتفاق قائماً على الأطر والقوانين العامة التي تخدم النظام اللامركزي وأيديولوجيته .
الطرف الثاني هو دور المفاعل الكيميائي ، فحين تضع النيتروجين والهيدروجين في مكان ما وتأتي بعد يوم فلن يحصل شيء ، ما لم تضع الحديد وسطهما ، فهو الذي يقوم بدور المفاعل الكيميائي بينهما ، ويحقق قيام المعادلة الكيميائية ، هذا العنصر هو الشخص الذي يبدأ عمل الدائرة ثم يتوارى بعيداً إلى الخلفية ، وفي حال الأباتشي الإسبانية فقد كان نانتان يلعب دائماً هذا الدور ، فالعنصر الكيميائي حين يرى أن عملية التفاعل حصلت ووقعت يغيب ويتوارى ، فقد حقق هدفه ، فهو عنصر ملهم للآخرين ، لكن يظل دوره محسوساً به ، حتى بعد غيابه وابتعاده.
أما الطرف الثالث فهو الإيديولوجية ، فلا بد من إيديولوجية لهذا النظام ، كحافز لهذه المجموعات ، ومصدر الهام لهم ، فالإيديولوجية لمواقع الموسيقا ” إي مول ” هي توفر عملية تبادل الموسيقا فيما بين الأعضاء ، أو حصول أي شيء مجاناً من قبل مواقع انترنتية معروفة ، فهي الأيديولوجية في عالم المال والأعمال ، بخلاف الأمر في التنظيمات السياسية والفكرية .
وهناك الطرف الرابع الذي هو الشبكة الموجودة أصلاً ، بحيث أن البرنامج معروف للجميع ، والكل يتحرك لنجاحه ، بخلاف النظام المركزي الذي ينتظر الأوامر من عل ، وهو ما يحد من عملية الإبداع ، وبالتالي حتى لو كانت هناك أفكار إبداعية لا يُعلم من هو صاحبها ومخترعها ، أو مشجع عليها ، فربما يسرقها غيره بخلاف النظام اللامركزي ، الذي يتحرك ضمن دوائر صغيرة عدد أفرادها قلائل ، وبالتالي يصعب سرقة اختراعات وجهود الآخرين.
الطرف الخامس هو الرائد ، فإن كان المفاعل الكيميائي يتمتع بالجاذبية ، فإن الرائد ينقل العملية إلى مرحلة أكثر تقدماً ، فالمفاعل الكيميائي يربط الناس والمجموعات بعضها ببعض لينقلها الرائد إلى مستوى متقدم ، فالرائد عادة لا يعمل ضمن التراتبية المعروفة ، وإنما يعمل كالمفاعل الكيميائي بفضاء بعيد عن التراتبية والهيكلية ، وبالمحصلة هذه الأطراف الخمسة تعمل بشكل توافقي و انسيابي لتخدم الفكرة والبرنامج الأساسي للحركة أو الشركة … الخ
الفصل الخامس يخصصه الكاتبان للمفاعل الكيميائي لأهميته ، ويتحدثان عن القوة الخفية للمفاعل الكيميائي ، فخلف كل الشركات والمواقع الانترنتية وكل ما يمت إلى اللامركزية بصلة مثل الويكبيديا والكاز للموسيقى وغير ذلك هناك عنصر مفاعل كيميائي هو القوة الخفية لنجاح كل هذا العمل الكبير ، شخص صاحب رؤية وفكرة ، و إيجابي ، وجاد وحريص على العمل ومثابر ومحترم وفارض احترامه على الآخرين ، وكل الصفات القيادية التي تخوله أن يمارس هذا الدور المنوط به ، ويخوض هنا الكاتبان في توظيف الشركات الكبرى لشخصيات من هذا النوع الذين قلبوا الشركة رأساً على عقب ونقلوها من مرحلة الخسارة إلى الربح ، أو من مرحلة الربح إلى الربح والتطور الأكبر.
ينتقل بنا المؤلفان بعد ذلك إلى أدوات المفاعل الكيميائي ، وهي اهتمام حقيقي بالآخرين ، واتصالات واسعة مع الآخرين ربما يصل علاقاته مع الآخرين إلى الآلاف ، وقدرة كبيرة على التخطيط بمعنى وضع الناس في الأماكن المناسبة التي يخدمون فيها ، ورغبة في المساعدة ، فإرادة المساعدة هي الوقود الذي يدفع المفاعل الكيميائي على ربط الناس بعضهم ببعض ، ثم الحب والرغبة للعمل ، ومقابلة الناس حيث يكونون بمعنى الذهاب إليهم ، فثمة فرق بين الحب والرغبة في العمل ، وفي أن تكون المبادر والمتجه إلى الناس ولقائهم ، وهناك أداة أخرى وهي الذكاء العاطفي ، إذ كل الأشخاص الذين يمثلون عنصر المفاعل الكيميائي إنما هم عباقرة ويقادون بالعاطفة ، وكل ذلك لا بد له من الثقة بالآخرين ، والأداة الأخرى هي الاستلهام ، إذ أن كل واحد منهم يؤمن بالأحلام الكبرى ، وهناك الأداة ما قبل الأخيرة ، وهي التسامح مقابل الغموض ، فالمفاعل الكيميائي بحاجة إلى تسامح عال المستوى ، للحفاظ على خاصية الغموض ، كون المنظمات اللامركزية مائعة ، ومن تعوزه الأوامر والهيكلة سيغدو مجنوناً بسرعة كبيرة ، فمنظمات نجمة البحر بحاجة إلى الغموض للبقاء ، ولكن ما أن ينتهي دوره ينبغي عليه الانسحاب من مكانه ، وإلا فسيحوّل المنظمة إلى منظمة عنكبوتية مركزية القرار والعمل.
وفي الفصل السادس يتحدث المؤلفان عن طرق ووسائل محاربة اللامركزية فيقولان عن القاعدة بأن قيادتها لا تصادق على كل هجوم يُشن ، فأعضاؤها يتبنوا عقيدتها ويستنسخون عملها السابق ، وحتى أن عدداً من المجموعات تستخدم ماركتها المسجلة ، ولمحاربة اللامركزية يقترح المؤلفان في هذا الفصل عدة خطوات واستراتيجيات :
1- الاستراتيجية الأولى : تغيير الإيديولوجية ، والمقصود بها هنا في حال المجموعات المسلحة والإيديولوجية هو خلق شخصيات وجهات وأفراد داخل المجموعة للانفصال عنها ومحاربتها ، كما حصل في اسبانيا بخلق مجموعات موازية ، بحيث يمنح المتنفذون في هذه المجموعات أدوات التأثير على الناس ، وسعت الحكومة الباكستانية والأميركية بنظر الطالبان في هذا الأمر بخلق قائد طالباني محليّ هو ملا نذير ليواجه مقاتلي الأوزبك في باكستان ، والبعض يضع دعم الأميركيين والحكومة الأفغانية لبعض المسلحين ومجلس الأنبار في العراق لقتال تنظيم القاعدة في نفس الإطار.
2- الاستراتيجية الثانية : جعلهم مركزيين كمثال الأبقار في اسبانيا ، فقد ظل الأباتشي خطر على الأميركيين حتى عام 1914 ، فتعذر على الجيش هزيمتهم ، فاختاروا مجموعة نافاجو وهم من الأباتشي وغدت تابعة لهم ، ومنح زعيمهم قطيعاً من الأبقار والأغنام ، وبدأ يوزعها على الناس ، وهم يتجمعون حوله لتتحول المنظمة إلى مركزية يمكن التعامل من خلالها مع زعيم واحد ، بعد أن تراجع دور الأباتشي المقاومين وانفض الناس من حولهم.
3- الاستراتيجية الثالثة : اجعل نفسك لا مركزيا ، ففي حال محاربة اللامركزية فمن الأفضل الانضمام إلى النظام وصنع نجمة بحر أخرى ، فتغيير الإيديولوجية تعني تغيير الحمض النووي للحركة أو المجموعة والشركة ، وعن موضوع خلق نجمة بحر موازية يتحدث المؤلفان عن زيارتهما لكينيا ، وكيف أن بعض السكان العاديين يعرفون تحركات بعض عناصر القاعدة الذين استهدفوا السفارة الأميركية ، وكيف أنهما التقيا بعض الناس ، وحدثوهما عن معرفتهم بسكن عناصر القاعدة ، ليتساءل المؤلفان بعدها ، لماذا لا يتم شراء هؤلاء الذين يعرفون تحركات عناصر القاعدة ، ويكونون مجموعات موازية تقاوم القاعدة .
في الفصل السابع يتحدث الكاتبان عن المنظمات الهجينة، والتي تأخذ شطراً من المركزية وشطراً آخر من اللامركزية بما يخدم مصالحها وأهدافها، ويضرب أمثلة على تغيير شركات من المركزية إلى اللامركزية مثل جنرال موترز على يد جاك ويلش مديرها السابق ، والذي يعد مثالاً إدارياً رائعاً ، فقد كتب كتاباً مهماً عنوانه ” الفوز ” ، ووضع ويلش خطة للشركة قفزت فيها من رأسمال 12 بليون دولار عام 1981 إلى 375 بليون دولار بعد خمس وعشرين سنة من وضع الخطة .
أما الفصل الثامن فيتحدث عن نقطة أعتقد جازماً أنها تشغل بال الكثيرين كما شغلت بالي أنا حين قراءة هذا الكتاب ، وهي نقاط الاحتكاك بين المركزية واللامركزية بحيث تكون أحياناً قد اعتمدت النظام الأول ، لكن تجد نفسك في نقطة معينة مضطر إلى السير مع النظام الثاني أو العكس ، وهنا يتحدث عن تجربة اليابان وكيف أنها تتبع نظاماً هجيناً مشتركاً بين المركزي واللامركزي ، ويشير إلى التباينات الثقافية بين الأميركيين واليابانيين ، ويعزو نجاح غزو السيارات اليابانية العالم هو اكتفاؤهم بالربح اليسير مبررين ذلك بالقول بأن ثقافتهم الكونفوشيوسية تعني ما يسمونها طريقة كايزين ، أي الربح القليل وأن الهدف والغاية من العمل هو التحسن والترقي واستمرارية العمل برؤية أوسع واقتدار ، والاعتماد على النفس ؛ بينما العقلية الأميركية تعتمد على الربح الفاحش .. ولنضرب مثالاً على بيع الموسيقى على الانترنت، فربما تكون النقطة الحساسة للامركزية هنا أن يتم الحصول على مبلغ مالي مقابل تنزيل هذه الموسيقى ، وبالتالي تتجه المنظمة أو الشركة في هذه النقطة تحديداً إلى المركزية مخالفة تركيبتها وهيكليتها الأصلية كشركة لا مركزية.
في الفصل التاسع والأخير وتحت عنوان عالم جديد يضع المؤلفان عشرة قواعد للتعاطي مع اللعبة الجديدة للعالم ، وهي تراجع المدى الاقتصادي ، وتأثير الشبكة ، وقوة الفوضى والمعرفة حتى آخر مدى أي منظمة أو شركة ، والحرص على مساهمة الجميع ، والحذر من الاستجابة لما يوصف بالهايدرا ، وهو حيوان مائي متعدد الرؤوس كلما قُطع منه رأس نبت آخر ، وهناك قاعدة المفاعل الكيميائي ، ومنظومة القيم ، وعملية القياس والمراقبة والإدارة ، ومعرفة فيما إذا كانت المؤسسة تتجه أكثر إلى اللامركزية أو العكس ، وفيما إذا كانت هناك القدرة بحيث تغير الإيديولوجية في جعل المنظمة من لامركزية إلى مركزية ، والأمل المفضل هو أن تضرب المنظمة بالانضمام والالتحاق بها ، ثم تغيرها وتبدلها.