بسام مقداد
أرفق المبعوث الأميركي إلى سوريا جيمس جيفري إعلان استقالته من منصبه بالتأكيد أن السياسة الأميركية في سوريا لن تتغير مع وصول جو بايدن. وكانت وكالة الاناضول التركية قد نقلت في 4 من الشهر الجاري عن موقع ناطق بالروسية تصريحاً لجيفري قال فيه، بأن واشنطن لن تغير موقفها من العقوبات على نظام بشار الأسد والوجود الإيراني في سوريا، بل ستشدد من هذه العقوبات، التي ستشمل كل من يقدم دعماً ماليا، ويلعب دوراً في تفعيل مؤسسات النظام العسكرية. وأكد على فعالية العقوبات السابقة، وقال، بأن الشركات، في أوروبا وفي الشرق الأوسط، لن تتجرأ على التعامل مع نظام الأسد.
لم يتأخر النظام السوري في توظيف هذا الموقف الأميركي لصالح ماكينته الدعائية، ويعلن لوكالة نوفوستي على لسان النائب السوري محمد خير عقم، في 8 من الشهر الجاري، بأنه سيان بالنسبة له من ينتصر في الإنتخابات الأميركية، لأنه كائنا من كان المنتصر “سيكون أكثر ولاءاً للكيان الصهيوني”. وقال عقم بأن بايدن سوف ينتهج سياسة أكثر توازناً حيال الأوروبيين والعديد من البلدان الأخرى. وأكد، بأن للحزب الديموقراطي إجمالاً خبرة أكبر في السياسة الخارجية، والديموقراطيون يدركون، أن ترامب أضر بالسياسة الخارجية للبلاد، لكونه أكثر صراحة بالنسبة لجوهر هذه السياسة في منطقة الشرق الأوسط.
واعتبر هذا النائب، أن من غير المحتمل أن يترك التبدل في البيت الأبيض تأثيراً على سياسة العقوبات الأميركية حيال سوريا، بما فيها “قانون قيصر” الذي فرض، عملياً، عقوبات على جميع جوانب الإقتصاد السوري. وقال عقم، بأن سوريا لا تستطيع خوض أية مفاوضات مع الأميركيين، لأنها لا تستطيع التفاوض مع “المحتلين، قبل إنسحاب القوات الأميركية من البلاد”.
وكانت وكالة نوفوستي قد نشرت في اليوم عينه تصريحاً للسفير البريطاني السابق في سوريا بيتر فورد، قال فيه، بأنه يتوقع الحد الأدنى من التغييرات في سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط في عهد جو بايدن. وأشار إلى أنه، حين حاول ترامب سحب القوات الأميركية من سوريا، سمحت له القيادة العليا للمخابرات الأميركية بالحد الأدنى من التعديلات باتجاه سلمي. وقال فورد، بأنه خلال 36 سنة في الكونغرس و8 سنوات في مركز نائب الرئيس، لم يحاول بايدن تحدي توافق الحزبين المؤسساتي في المسائل الأساسية.
ويقول فورد أنه، بالرغم من موقف رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو الذي كان يفضل ترامب، سوف يسعى بايدن قريباً لخطب وده، سيما وأنه سيبدأ بالتفكير في ولايته الثانية وقوة اللوبي الإسرائيلي. كما لن يسعى بايدن لأي تغيير في الشراكة المربحة للولايات المتحدة مع السعودية، التي وسعها ترامب. كما سيعمل على إنجاز عمل ترامب في تطبيع العلاقات بين الدول العربية وإسرائيل. ولا يتوقع فورد سوى بعض التغييرات في السياسة حيال إيران، مع العلم أن بايدن قد يبدو غير قادر على تذليل العدائية حيال الإتفاقية النووية مع إيران وسط قيادة أجهزة المخابرات الأميركية.
وكالة الأنباء الفدرالية “FAN” العائدة للأوليغارشي يفغيني بريغوجين ـــــــ “طباخ بوتين”، نشرت في 4 من الشهر الحالي نصاً بعنوان “كيف ستتغير سياسة الولايات المتحدة في سوريا بعد الإنتخابات”، قالت فيه، بأن اختتام الإنتخابات الأميركية قد تكون له عواقب غامضة، ليس للولايات المتحدة فقط، بل وللعالم أجمع. فمن جهة، التوتر الداخلي في البلاد قد يضطر الحلفاء الأوروبيين للتشكيك في المثل العليا لواشنطن، ويترك أثره على سياستهم الخارجية. ومن جهة أخرى، قد يواجه سكان سوريا والبلدان الأخرى، التي يشملها التوسع الأميركي، أشكالاً جديدة من التدخل الخارجي.
تنقل الوكالة عن سياسي روسي إفتراضه بأن الوضع، الذي خلفته الإنتخابات في الولايات المتحدة، قد يترك تأثيره على مجمل السياسة العالمية، ويجعل حلفاء واشنطن، وخاصة الأوروبيين منهم، يأخذون بوجهة نظر روسيا في العديد من القضايا المعاصرة. وإذا ما تحقق هذا السيناريو، فإن التغيير في السياسة الخارجية للبلدان الأوروبية قد يطال الوضع في الشرق الأوسط بالدرجة الأولى. وفي حال إتخاذ الأوروبيين مثل هذا الموقف يمكن توقع انخفاض ضغوطهم السياسية والعسكرية على دمشق، مما يعني زوال إحدى بؤر زعزعة الوضع في البلاد، ويسمح للسلطات السورية، بالتالي، بالتصدي بمزيد من الفعالية للإرهابيين، الذين يسيطرون على جزء من الأراضي السورية. وإذا ما رُفعت العقوبات الأوروبية عن سوريا، او جرى تخفيفها، تصبح برامج واشنطن المعادية لسورية موضع تساؤل، مثل “قانون قيصر”. ويحذر هذا السياسي من أن مثل هذا السيناريو، ليس ممكناً، إلا إذا اتخذ الأوروبيون موقفاً مؤيداً لروسيا في القضية السورية.
كما تنقل الوكالة عن نائب مدير كلية التاريخ والسياسة في جامعة التربية في موسكو فلاديمير شابوفالوف تأكيده، بأنه لا ينبغي توقع تغيير جذري في سياسة الولايات المتحدة حيال سوريا، بغض النظر عمن يشغل المكتب البيضاوي. ويقول، بأن سياسة الولايات المتحدة في الأزمة السورية في عهد دونالد ترامب وسلفه باراك أوباما، كانت تحمل طابعاً معادياً لسوريا بوضوح، ولا يعتقد بأنه ستطرأ على هذا الموقف تعديلات إيجابية.
ويرى الرجل، أن ثمة بعض الفروقات في الأعمال التوسعية لكل من الديموقراطيين والجمهوريين في السياسة الخارجية، وهي، على الأغلب، في الأسلوب، وليس في الجوهر. بالنسبة للجمهوريين تمثل “السياسة الواقعية” حجر الزاوية في سياستهم الخارجية، إذ أنهم لم يعمدوا إلى إخفاء مطامحهم التوسعية في فترة رئاسة دونالد ترامب، ويظهر ذلك بجلاء في الضربات العسكرية الأميركية في سوريا، وفي قتل الجنرال قاسم سليماني، ما يعتبر مثالاً ساطعاً على “السياسة الواقعية” هذه.
أما في ما يتعلق بالديموقراطيين، يقول شابوفالوف، بإن سياستهم قد تزعزع الوضع في سوريا عبر التأثير على دمشق من خلال “الوسطاء” من عداد بعثات السلام والحملات الإنسانية. وما يميز سياستهم التوسعية عادة هو حجبها بالحديث عن حقوق الإنسان والدفاع عن الشعوب المضطهدة. وقد تجلت مقاربتهم الليبرالة الزائفة هذه في ممارسات التحالف الدولي في عهد باراك أوباما. ومن المحتمل أن يعودوا إلى ممارسة مقاربتهم هذه في سوريا، من خلال الحديث عن حقوق الشعب السوري ووضعه الإنساني. وستتم العودة إلى مساعدة “الخوذ البيضاء”، وعلى مستوى أعلى مما كان في السنوات الماضية، أو سوف تظهر بدل “الخوذ البيضاء” منظمة أخرى، أو منظمات، تنتهج باسم الشعب السوري سياسة موالية لأميركا في المنطقة.
المصدر: المدن