أمين العاصي
بدأت الإثنين جولة تفاوض جديدة في مدينة جنيف السويسرية بين المعارضة السورية والنظام ضمن “اللجنة الدستورية” المشكلة من الأمم المتحدة والمنوط بها وضع دستور جديد للبلاد، في ظلّ انخفاض سقف الآمال بتحقيق انفراج، مع استمرار سياسة النظام بعرقلة جهود الأمم المتحدة وإصراره على أنّ مهمة اللجنة تعديل الدستور الذي وضعه في عام 2012 وليس وضع دستور جديد وفق ما نصت قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة.
وأوضحت الهيئة العليا للمفاوضات التابعة للمعارضة السورية في تعميم صحافي أنه من المقرر أن تستمر الجولة، وهي الرابعة منذ بدء التفاوض حول الدستور في سورية، حتى الرابع من ديسمبر/ كانون الأول المقبل. وأشارت إلى أنه سيجتمع أعضاء “الهيئة المصغرة” المنبثقة من اللجنة والتي تضم 15 عضواً من كل فريق، في مقر الأمم المتحدة في مدينة جنيف لاستكمال مناقشة جدول أعمال الجولة الثالثة حول الأسس والمبادئ الوطنية. وأوضحت أنّ جولة خامسة من المفاوضات مقررة في يناير/ كانون الثاني المقبل لمناقشة المبادئ الأساسية للدستور.
وتتألّف اللجنة الدستورية، وهي نتاج مؤتمر “سوتشي” أو ما سمي بـ”مؤتمر الحوار الوطني السوري” الذي عقد مطلع 2018، من 150 عضواً، ثلثهم من المعارضة التي تمثلها الهيئة العليا للتفاوض، وثلث آخر من النظام السوري، والثلث الأخير من المجتمع المدني السوري. واستبق المبعوث الأممي إلى سورية غير بيدرسن أعمال الجولة الرابعة بزيارة شملت دمشق وموسكو وطهران والرياض من أجل تهيئة الأجواء لتحقيق اختراق يساعد على استمرار أعمال اللجنة الدستورية التي ترى الأمم المتحدة أنها ربما تكون الضوء الوحيد في نهاية النفق السوري الطويل.
وأوضح إبراهيم الجباوي، وهو المدير التنفيذي للمكتب الإعلامي في الهيئة العليا للمفاوضات وعضو اللجنة الدستورية، أنّ “الثوابت الوطنية” التي ستُناقش في الجولة الرابعة من اجتماعات اللجنة الدستورية “عنوان عريض فضفاض”، مضيفاً في حديث مع “العربي الجديد”: “قد نخترع ويخترعون مئات التعابير التي نعتبرها ويعتبرونها ثوابت وطنية”. وعن ثوابت وفد المعارضة السورية، قال جباوي: “ثوابتنا الوطنية كما هي وغير متحولة وهي لب الثورة السورية أساساً، فالانتماء الوطني ووحدة سورية أرضاً وشعباً وعمقها العربي ولغتها وتاريخها وتنوعها الإثني والعرقي أولوياتنا، ثم نبذ التطرف والاستبداد والديكتاتورية وغيرها”.
وحول إمكانية إحداث انفراجة ما خلال هذه الجولة، أكد جباوي أنّ وفد المعارضة السورية “ذاهب باندفاع وبرحابة صدر ومستعدون لمناقشة أي حرف يطرح، إيماناً منا بوجوب اغتنام الفرص لمحاولة إنجاز شيء يصب في مصلحة الشعب السوري المقهور”. وأضاف: “لكننا في المقابل لا بدّ أن نعترف بأننا نواجه خصماً ليس في جعبته ما يبعث الأمل، فهو مقيّد بسلاسل تمنعه من المناورة في الأخذ والعطاء وتمنعه حتى من الاعتراف بأنّ الطرف الآخر هو سوري أيضاً”.
من جانبه، لا يزال النظام مصرّاً على أنّ مهمة اللجنة الدستورية هي “تعديل” الدستور الذي وضعه في عام 2012، وليس وضع دستور جديد للبلاد، وفق ما تنص عليه قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة بالقضية السورية. وتشير كل المعطيات المتوافرة إلى أنّ النظام “يشتري الوقت” ويُدخل اللجنة في التفاصيل من أجل الوصول إلى مايو/أيار من العام المقبل، وهو موعد إجراء انتخابات رئاسية يخطط بشار الأسد لإنجازها وفق دستوره ليضمن دورة رئاسية جديدة لمدة 7 سنوات مقبلة. ومن شأن ذلك دفع القضية السورية إلى مزيد من التعقيد والاستعصاء السياسي، خصوصاً أنّ المعارضة ترفض بالمطلق بقاء الأسد في السلطة.
ويعطي دستور 2012 الرئيس صلاحيات مطلقة، خصوصاً لجهة الإشراف على الجيش والأجهزة الأمنية والتي يعتمد عليها بشار الأسد في تثبيت سلطته، بينما تطالب المعارضة السورية بدستور يوزّع الصلاحيات بين السلطات الثلاث (الجمهورية، الحكومة، البرلمان).
ورأى أحد أعضاء اللجنة الدستورية، الذي فضّل عدم ذكر اسمه لأنه غير مخول بالحديث العلني، أنه “لا يوجد أي مؤشر على أن اختراقاً ما سيحدث في الجولة الرابعة”، مضيفاً في حديث مع “العربي الجديد”: “سيحافظ النظام مرة أخرى على موقفه الرافض لإحداث أي انفراج، ويؤجل الاستحقاقات التي عليه الالتزام بها”.
وفي السياق، قال عضو اللجنة الدستورية سليمان القرفان، في حديث مع “العربي الجديد”، إنّ “النظام والروس غير جادين في الانخراط بالعملية السياسية، وبالتالي نتوقع أنّ النظام وعلى الرغم من إصراره على جدول أعمال ينصّ على مناقشة المبادئ الوطنية، إلا أنه من خلال الجولة الثالثة، اتضح أنّ الوفد المسمى من الحكومة ليس في جعبته سوى إضاعة الوقت وغير جاد حتى بمناقشة ما هي المبادئ الوطنية”. وتوقع الفرقان أن تكون الجولة الرابعة “امتداداً للجولة الثالثة لجهة إضاعة الوقت وإصرار الوفد القادم من دمشق على عدم الخروج بأي اتفاقات أو أوراق، وخلق المبررات للتنصّل من الجولة الخامسة”.
من جهتها، بيّنت عضو اللجنة الدستورية سميرة مبيض، في حديث مع “العربي الجديد”، أنّ “هدف الجولة الرابعة متابعة حوارات الجلسة الثالثة، وهي بذلك لا تزال معنية بالهوامش وليس بجوهر المبادئ الدستورية”. وأضافت: “تبعاً لمسار الجولة الثالثة، فقد كان طرح الهوية السورية بحد ذاته اختراقاً لهذا المفهوم الجامد منذ نصف قرن في سورية، وبحال توصّل المعنيون لاتفاق في هذا السياق، فيمكن اعتباره تقدماً جزئياً وإن كان ذلك لا يعني توقع استمرارية سلسة للمسار الدستوري. فمفاوضات المبادئ الدستورية هي ما ستأخذ الحيز الأوسع من الجهود والنقاشات للوصول إلى توافق مستدام”.
المصدر: العربي الجديد