بعد كل هذا الاجرام الأسدي، واضطرار أهلنا في الغوطة الشرقية، النزول إلى الملاجئ منذ أكثر من عشرين يومًا وحتى الآن، وهذه المعاناة التي لا تخفى على أحد، ضمن ظروف لا ماء فيها ولا غذاء، بل لا دواء ولا كساء، والقتل والقصف يخترق حتى الجدران، فقد باتت الملاجئ في سورية وفي الغوطة تحديدًا اسمًا من أسماء القبور في سورية، ليس إلا، وأضحت الحياة هناك تشبه الموت بل أشد منه وطأة، وصعوبة. عن واقع الملاجئ أثناء العدوان الأسدي على المدنيين، وكيف يحيا أهل الغوطة اليوم في هذه الملاجئ؟ وكيف يمضون يومهم؟ يتحدث الناس الغوطانيون من الملاجئ مباشرة إلى جيرون.
المحامي ورئيس التجمع الشعبي محمد النعسان تحدث الينا من داخل الملجأ قائلًا ” كشفت النكبة الحالية التي تتعرض لها الغوطة الشرقية عن هشاشة البنى التحتية الموجودة في الغوطة الشرقية، وعدم جاهزيتها للحاﻻت التي أعدت من أجلها، وأهم هذه البنى هي الملاجئ التي يفترض أن تكون وكما يدل على ذلك اسمها، وكما تعريفها بالمعنى الفني الهندسي، والتي يجب أن تقي النزﻻء من أهوال الحروب وفظائعها ، ففساد اﻻدارات بشكل عام، واﻻدارة المحلية بشكل خاص قبل الثورة، وقناعة النظام أن إسرائيل كعدو لن تقدم على ضرب المدنيين ، والكلفة العالية التي يتطلبها بناء ملجأ وتجهيزه ، كل ذلك كان سببًا في التغاضي عن إنشائها ، مما جعل قسمًا كبيرًا جدًا من الأبنية تشاد دون وجود ملجأ، وفي حال وجودها هي عبارة عن بناء طابقي تحت الأرض يستخدم لأغراض صناعية كورشات حرفية، أو مستودعات أو صاﻻت مناسبات أو غيرها كما هو معروف ، إذًا هي بناء طابقي تحت الأرض وليس ملجأً مسلحًا ومبنيًا وفق نظام ضابطة البناء المخصص بالأصل لمواجهة ويلات الحروب وأدواتها الشيطانية “. وأكد النعسان أنه ” قد حدث فعلًا أن كثير من المجازر وقعت نتيجة انهيار كثير من هذه الأقبية فوق رؤوس المدنيين كقبو بناء النعسان مثاﻻً ، حيث سقط البرميل على الرصيف أمام البناء مما أدى إلى انهيار كامل الجدران اﻻستنادية اﻻسمنية وعجنها بلحم ودماء الأبرياء، وكان ضحيتها ثمانية عشر شهيدًا، تسعة منهم أطفال، كما أن المؤسسات التي ادعت ثوريتها كالمجلس المحلي ونقابة المهندسين الأحرار وغيرها ، لم تقم بما هو من اختصاصها أصلًا لتجهيز هذه الملاجئ وتجهيزها بالخدمات ومتطلبات الصحة العامة، فكثير من الأقبية ﻻ توجد فيها حمامات، أو مازالت دون صبة أرضية ودون تهوية أو إنارة ، وكان من المفترض لو وجدت الإدارة الجيدة والكفاءة والنية الصادقة تفادي التقصير، وتأمين ملاجئ تساهم في تخفيف معاناة شعبنا وتقلل من عدد الضحايا وتساعد في صمودنا داخل الغوطة المنكوبة”.
عزو فليطاني عضو الهيئة السياسية في الغوطة الشرقية ومن داخل ملاجئ دوما قال ” الغالبية العظمى من هذه الملاجئ غير مجهزة إطلاقًا وبدون إكساء وهي عبارة عن مستودعات وأقبية رطبة، وقد بدأت بعد العشرين يوم في الملجأ تظهر بعض الأمراض، والحشرات مثل القمل والبق ، فالملاجئ عبارة عن قبور أموات جماعية للأسف، وهذا أقل وصف للملاجئ، وعن الإضاءة فأغلب أدوات الشحن واللدات انتهت، وبالإضافة لعدم انتهائها وخوفًا من طائرات الاستطلاع العملاقة التي تجوب سماء الغوطة ليلًا نهارًا فقد توقفت، والوضع المعيشي مأساوي جدًا، فعلينا أن نعرف أن 400 ألف من المواطنين نزلوا جميعهم إلى الملاجئ، فتصوروا كم يحتاجون إلى خدمات، كذلك فإن الإنسان بالغوطة لم يعد يفكر بتجهيز ملجأ بقدر ما يفكر اتقاء شر صاروخ أو قذيفة أو طائرة عملاقة وما إلى ذلك ، كذلك عدم وجود وقود ، وعدم توفره يعني لم يعد بإمكانك استخدام الحطب بالملاجئ للطبخ أو للتدفئة الخ ويأتي موضوع سحب مياه الصرف الصحي، بالإضافة إلى تعبئة المياه كلها هذه عبارة عن مصاريف ملاجئ والموضوع هنا لم يعد أكل وشرب ، ومع ذلك فالهيئات الإغاثية والهيئات الإنسانية لم يقصروا و يشتغلون ليل نهار، كما أن المطابخ تقصف أكثر من مرة مما يضطرهم أن يبدلوا مكان الطبخ، علما بأن الطرقات مرصودة ليلًا نهارًا ولا يستطيع أحد الحركة.” وتابع فليطاني يقول “هناك تقصير في بعض الجوانب استطعنا من خلال المحافظة ومن خلال التعاون مع الدفاع المدني بدوما خاصة أن نتلافاها”. ثم انتهى إلى القول ” الملاجئ هي القبور الجماعية تحت الأرض، وفعلًا صرنا نحصد الأموات، من خلال القبور الطابقية والملاجئ هذه غير مؤمنة بجدران اسمنتية، فالملجأ الذي كنا فيه مع عائلتي وعائلة ابني جاء عليه صاروخ شطر البناء من الطابق الرابع حتى فتح ثغرة بالملجأ مترين مربع، وقلب الجدار على بعض الموجودين فيه”.
أما يوسف الغوش من ملاجئ زملكا قال ” قبل هذا التصعيد الخطير كان أهل الغوطة يلجؤون إلى الملاجئ بفترات متباعدة نسبيًا ومعظمهم يسكن في شقق داخليه غير مكشوفه، أما الآن فإن الطائرات وصواريخها وبراميلها تكاد لا تفارق السماء منذ خمسة عشر يومًا، مما اضطر الأهالي السكن شبه الدائم بالأقبية، وأكثرها غير مخدم صحيًا”. وأضاف الغوش يقول ” وما زاد الطين بلة هو حركة النزوح الداخلي بين مناطق تتعرض لقصف ومناطق أقل، مما ضاعف أعداد سكان الأقبية بشكل مخيف، وحدث أن دخلت عدة صواريخ موجهة إلى الأقبية فقتل الكثير من الأهالي بسبب هذه الكثافة، وبالفعل يمكن أن نتحدث اليوم عن سكان الأقبية وما يحدث فيها من تجارب انسانية رائعة من التعاون والأكل المشترك وتبادل قصص الثورة في المناطق ، وتعارف ومصاهرة بين القاطنين وما يمكن أن يحدث من مشاكل وحساسيات بسبب بعض الاختلافات وحساسيات بسبب بعض الاختلافات في التقاليد، والسلبية في مواجهة الحياة الجديدة بالأقبية، ولا يقل عن هذا المشهد التراجيدي إثارة، إلا عندما يلف الصمت الأوجه عند إغارة الطائرات، والذي يتحول لضجيج وفزع عال عندما تقصف الطائرة قرب القبو، إنه عالم آخر، مزيج من الخوف من جحيم الأعداء والأنس بحضن الاسمنت، وانصهار بين العائلات والمناطق لتصبح القضية واضحة خارج عتمة هذه الأقبية اللعينة، أن ثمة طاغية آثم يمنع عنا ضوء الشمس والحريه”.
ثائر ادريس عضو مكتب تنفيذي لمحافظة ريف دمشق قال لجيرون ” باتت الأقبية في هذه الحملة من القصف أشبه ما تكون بمهاجع جماعية ترى فيها ألوان البؤس من المشقة، بسبب انعدام تخديمها والأعراض المرضية التي ظهرت على الأطفال بسبب الرطوبة والعدوى في الأمراض وقلة المياه لكن أيضًا تجد فيها التعاضد والتكاتف، والكل يتحمل الكل، حيث أصبحت مكانًا يشع نورًا بالدعاء للمجاهدين من النساء، ومكانًا تقوم فيه نشاطات للتخفيف عن الأطفال ومحاولة إشغالهم بما يناسب عقولهم ، ويقطع كل ذلك فجأة صاروخ غادر، أو برميل حاقد من نظام فاشي يبيد كل شيء، وفجأة يتلعثم اللسان ولا يدري أحد ما يفعل سوى تفقد الحاضرين الذين أصبحوا إخوة، ثم ليتابعوا حياتهم في الظلام حتى يحين فجر الحرية”.
الناشط الإعلامي بلال خربوطلي من كفربطنا تحدث لجيرون بحرقة ليقول ” ما يحدث بالغوطة الشرقية شيء لا يمكن الكلمات أن توصفه، لا توجد أي أبجدية أو أي عبارات تستطيع وصفه، لقد استنفذنا بصراحة كل عبارات الألم وعبارات الحزن وعبارات المأساة، ليس هناك كلمات تعبر عن ذلك، نحن نعيش ضمن مسلخ بشري حقيقي، فكل إنسان ينتظر ساعة ذبحه، أو ساعة موته أو ساعة قتله، نتعرض لجميع أنواع القتل والتعذيب، وجميع أنواع المأساة، لم يبق أي مقومات حياة، فالشعب هنا ينتظر الموت ، ينتظر ساعته ، والأقبية غير آمنة ولا يمكن القول إنها ملاجئ أساسًا، هي أقبية عادية، وحجم القصف ودموية القصف كبيرين، وما يجري يدمر الأقبية فوق رؤوس أهلها”. وأضاف خربوطلي ” حتى الأطفال لم تسلم من رائحة الكلور ولقد اختنقت الكثير من الأسر، التي أصيبت بحالات اختناق وهي بالأقبية وليس هناك شيء يسلم من الموت ولا من الإجرام، لا طعام لدى الأطفال، يأكلون أي نوع من الأكل، حتى نسد الرمق، فالأب يبدي ابنه عن ذاته حتى لا يبكي من الجوع، لا يوجد أي كلام يعبر صراحة عما يجري، لم نعش يوم القيامة لكن غالباً يوم القيامة مثل هذه الأيام، التي نعيشها، فكل ما تم وصفه عن يوم القيامة، نحن نعيشه الآن “. ولم يبق إلا أن قال ” مهم جدًا أن نقول إن الملاجيءه لا ملاجئ بالغوطة، حتى الأنفاق المحفورة غير آمنة، فقد تمت عبر مبادرات شبابية، الناس هنا يبحثون عن الأمان تحت الأرض، لأن كل شيء يقتل فوق الأرض، حتى تحت الأرض كل شيء يقتل، ويختنق، الناس تحاول النزول تحت الأرض، تبحث عن أمان، أمان جسدي
فقط، وما تبقى من الأمان الغذائي أو الأمان الصحي غير موجود، نحن نعيش ساعات يوم القيامة قبل أوانها، وأهالي الغوطة ومن سيخرجون منهم أحياء، سيعيشون يوم القيامة مرتين، هذه المرة وتلك التي ستكون فيها يوم القيامة، هذا هو الواقع بكل اختصار لا يوجد أي كلام ثاني لا يوجد أي كلام”.
المصدر : جيرون