عومير كرمي
على الرغم من أن المرشد الأعلى الإيراني ترك المجال للرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن للعودة إلى الاتفاق النووي وخفَّف من خطابه الانتقامي، إلّا أن رسالته الرئيسية كانت أن إيران لا يمكنها الوثوق بواشنطن عندما يتعلق الأمر بالمسائل الاقتصادية، أو القضايا الأمنية، أو حتى لقاحات فيروس كورونا.
في كل عام، يُلقي المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي خطاباً في ذكرى انتفاضة أهالي مدينة قُم ضدّ الشاه في عام 1978، وهو الأول في سلسلة من الخطابات لإحياء ذكرى أبرز اللحظات في تاريخ الثورة الإسلامية. وكما هو الحال مع خطاباته السنوية الرئيسية الأخرى، يستخدم خامنئي مثل هذه المناسبات لإبلاغ الجماهير المحلية والأجنبية حول مقاربته للأحداث الجارية. فعلى مدار العقد الماضي، ركّزت خطاباته في ذكرى انتفاضة قم على تفسير الكيفية التي يمكن فيها للأمة الإيرانية مقاومة الجبهة الغربية الموحَّدة ضدّها والتغلب على المصاعب الكبيرة في طريقها إلى “الاستقلال الوطني”. وأعاد خطاب 8 كانون الثاني/يناير لهذا العام – الذي أُلقي عبر شاشات التلفزيون بسبب جائحة “كوفيد-19” المستمرة في البلاد – تأكيد هذه المواضيع التي يتمّ تناولها منذ فترة طويلة، متضمّناً تحديثات مختلفة تعكس التطورات الأخيرة داخل البلاد وخارجها.
الولايات المتحدة في موقف ضعيف
عندما تحْدِث الاحتجاجات داخل الولايات المتحدة أو أوروبا، غالباً ما يستخدمها خامنئي لإثبات هشاشة المجتمع الغربي والأنظمة السياسية الغربية. لذا كان من المتوقَّع أن يسلّط الضوء على الأحداث الأخيرة في واشنطن كدليلٍ على انهيار الديمقراطية وحقوق الإنسان الأمريكية (“يمكننا أن نرى ما تحوّل إليه المعبود الكبير”). كما أعلن أنّ الولايات المتحدة حاولت البدء بحربٍ أهلية في إيران عام 2009، و”ابتلاها الله الآن بالمحنة نفسها في عام 2021″.
ثم صوّب آية الله كلامه بتوجيهه نحو أولئك الذين يعتقدون أنّ المصالحة مع الولايات المتحدة ستحوّل إيران إلى “فردوس”. وبعد تذكير المستمعين بما كانت إيران تبدو عليه قبل الثورة، عندما كانت تربطها علاقات جيدة بواشنطن، دعاهم إلى النظر في الحالة الراهنة للاقتصاد الأمريكي “المشلول”. وفي المقابل، قال إن الجمهورية الإسلامية حققت نجاحات عديدة في الآونة الأخيرة من خلال مقاومة الضغط الخارجي.
على إيران أن تعتمد على قدراتها الخاصة وليس على الإغاثة الغربية
في خطاب ألقاه في 23 تشرين الثاني/نوفمبر، شدد خامنئي على أنه لا ينبغي للإيرانيين أن يأملوا في الحصول على مساعدة خارجية أو تغيير سياسات الحكومات الغربية. وبدلاً من ذلك، أصدر تعليماته للمسؤولين لتحسين قدرة الجمهورية الإسلامية على مواجهة الصعوبات بمفردها. وجدد هذا الموقف في 8 كانون الثاني/يناير، بإشارته إلى أن على طهران إعداد اقتصادها لأي سيناريو سواء تم رفع العقوبات أم تشديدها. كما قال إن تصرفات النظام جعلت العقوبات غير فعالة تدريجياً.
وانعكس نهج الاعتماد على الذات الذي يتّبعه خامنئي والذي اتّسم بالقدر الأكبر من التطرف وجنون الارتياب عندما أعلن أنّ إيران لن تستورد لقاحات فيروس كورونا من الولايات المتحدة أو بريطانيا، مشككاً في مصداقيتها وفعاليتها. فزعمَ أنّه “لو يعلمون كيف يُصنَع اللقاح، لكانوا قد استهلكوه بأنفسهم حتى لا يشهدوا هذا العدد الكبير من الوفيات”. ثم ألمح إلى أن الغرب قد يحاول استخدام دول أخرى كأساس للاختبار. كما شكك في جهود فرنسا في مجال اللقاحات، مشيراً إلى تورط البلاد في فضيحة الدم الملوث في التسعينيات. وبدلاً من ذلك، قال إنه يتعين على إيران شراء اللقاحات من دول جديرة بالثقة أو الاعتماد على البديل المطوّر محلياً، والذي لا يزال قيد الاختبار.
إلّا أنّ هذا الانفعال الذي ينمّ عن جنون الارتياب الطبي – والذي انعكس على النحو نفسه في خطاب النوروز الذي ألقاه في آذار/مارس 2020 في بداية الجائحة – قد يتبيّن أنه مميت لأعدادٍ لا تُحصى من الإيرانيين. وبعد ساعات من خطابه في 8 كانون الثاني/يناير، أعلنت “جمعية الهلال الأحمر” الإيراني إلغاء شحنة من 150 ألف جرعة من لقاح فايزر.
على الولايات المتحدة رفع العقوبات قبل عودتها إلى «خطة العمل الشاملة المشتركة»
وفقاً لخامنئي، فإن النظام ليس “في عجلة من أمره” فيما يتعلق بعودة واشنطن إلى «خطة العمل الشاملة المشتركة». وقال إنه إذا رفعت واشنطن عقوباتها، فستعود إيران إلى الامتثال الكامل لهذه «الخطة»، لكن إذا لم يتم رفع العقوبات مسبقاً، فإن عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي “قد تكون ضارة” لإيران. ثم أشاد بـ «المجلس» والحكومة لقرارهما “المنطقي والحكيم” في وقت سابق من هذا الأسبوع باستئناف تخصيب اليورانيوم إلى 20 في المائة، قائلاً: “عندما لا يمتثلون لأي من التزاماتهم في «خطة العمل الشاملة المشتركة»، فإنه من غير المنطقي أن تلتزم إيران بكل التزاماتها “(لتفسيرات هذا الموضوع وغيره من القضايا التقنية، راجع البحث الخاص لمعهد واشنطن بعنوان “إيران النووية: قائمة مصطلحات”). كما ذكّر خامنئي جمهوره بأن الولايات المتحدة ستحتاج إلى تعويض إيران عن الأضرار التي تكبدتها منذ انسحاب الرئيس ترامب من «خطة العمل الشاملة المشتركة» عام 2018.
وجود إيران في المنطقة وقدراتها الصاروخية غير قابلة للتفاوض
كرر خامنئي الفكرة القائلة بأن أي محادثات مستقبلية مع الغرب يجب أن تقتصر على القضية النووية. وفي رأيه أن واشنطن هي التي تحاول زعزعة استقرار المنطقة، في حين أن طهران هي جهة فاعلة تُحقِّق الاستقرار و”يتحتم عليها” تعزيز أصدقائها في المنطقة. ومن ثم، فقد وعد باستمرار الوجود الإيراني في المنطقة.
وبالمثل، وصفَ خامنئي برنامج الصواريخ والجهود العسكرية الإيرانية الأخرى بأنها قدرات “دفاعية”، مدّعياً أنّ الغرب يريد أن “يجرّد [إيران] من قدرتها الدفاعية” لكي “يجرؤ الأعداء على قصف مدننا” مثلما فعل صدام حسين في العقود الماضية. وقال إنه من خلال قيام إيران بتحسين ترسانتها الصاروخية وأنظمتها الأخرى، يمكنها ردع أعدائها وإجبارهم على أخذ قدرات النظام في الاعتبار.
أخيراً، شكر خامنئي الشعبين الإيراني والعراقي على إحياء الذكرى السنوية الأولى لمقتل اللواء قاسم سليماني، مدعياً أن أفعالهم كانت مظهراً من مظاهر الحراك الشعبي الأوسع الداعم لسياسات النظام. كما أشاد بشخصيتين أخريين رحلتا مؤخراً – العالم النووي محسن فخري زاده، الذي قُتل في كمين في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، ورجل الدين المتشدد محمد تقي مصباح يزدي، الذي توفي في وقت سابق من هذا الأسبوع – قائلاً إنهما تركا إرثاً قيّماً يجب الحفاظ عليه وتوسيعه. ومع ذلك، فعلى الرغم من الدعوات السابقة إلى الثأر لسليماني وفخري زاده، لم يعتمد خامنئي نبرة انتقامية في خطاب قُم – مما قد يشير إلى أنّ طهران تنتظر لرؤية الكيفية التي ستحدد فيها الإدارة الأمريكية الجديدة سياستها وسلوكها الإقليميَين تجاه إيران و«خطة العمل الشاملة المشتركة».
عومير كرمي، هو زميل زائر سابق في معهد واشنطن، قاد سابقاً الجهود التحليلية والبحثية لـ “الجيش الإسرائيلي” المتعلقة بالشرق الأوسط.
المصدر: معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى