عماد كركص
مع دخول اجتماعات الجولة الخامسة من أعمال اللجنة الدستورية السورية، يومها الثاني اليوم الثلاثاء، بدأ يتضح أكثر أن وفد النظام يشارك فيها بنية تعطيل أعمالها لكسب عامل الوقت كما فعل في الجولات الأربع الماضية، وذلك في ظل معارضة يبديها عند محاولة الوصول إلى اتفاق على جدول أعمال الجولة الحالية المقرر أساساً بمناقشة المبادئ الأساسية في الدستور.
وشدد وفد النظام على أن منهجية العمل تلك تتطلب التوافق عليها خلال اجتماع الهيئة المصغرة للجنة الدستورية المكونة من 45 عضواً، لا قبيل الدخول في الاجتماعات، في مسعى للمراوغة ولكسب مزيد من وقت أعمال الهيئة.
هذه الصيغة لقيت رفضاً من وفد المعارضة، في حين لم يفلح المبعوث الأممي غير بيدرسون، في إيجاد توافق بين الجانبين، لتبدأ الجولة وسط مشاحنات بدأها أعضاء وفد النظام بالتركيز على رفع العقوبات وإدانة مختلف أشكال الاحتلال الأجنبي، وكذا لجوئهم لمقاطعة مداخلات وفد المعارضة بشكل مستمر، الأمر الذي جعل اجتماعات اليوم تخرج بدون نتائج تذكر.
وفي حين لوحت المعارضة، قبيل انعقاد أعمال الجولة الحالية، باللجوء إلى مراجعة مشاركتها في مسار اللجنة في حال استمر النظام بعملية التعطيل والمماطلة، فإن هذا التلويح بات خياراً مطروحاً بقوة على طاولة وفد المعارضة وهيئة التفاوض السورية المنبثق عنها.
وأشار مصدر من هيئة التفاوض وأحد أعضاء الهيئة الموسعة للجنة الدستورية عن قائمة المعارضة، إلى أن استمرار التعطيل في هذه الجولة التي كان من المقرر أن تكون مفصلية وهامة في عمل اللجنة، بعد تعطيل ومماطلة شهدتهما الجولات الماضية، سيفضي لأن يبحث وفد المعارضة تعليق مشاركته في أعمال اللجنة، مشيرا إلى أن هذا الخيار بات قيد البحث والنقاش بين هيئة التفاوض ووفد المعارضة إلى اللجنة الدستورية.
وأكد المصدر، الذي فضل عدم الإفصاح عن اسمه، في حديث مع “العربي الجديد”، أن الأجواء غير المبشرة داخل اجتماعات الجولة الحالية، متحدثا عن عراقيل أتى وفد النظام بها إلى هذه الجولة ولا يحمل جدية بدعم إنجاح العملية الدستورية برمتها. وبحسب المصدر ذاته فإن أبرز تلك العراقيل تتمثل في تركيز وفد النظام والأعضاء المحسوبين عليه ضمن قائمة المجتمع المدني، على زج مشكلة السيادة المنقوصة واستمرار فرض العقوبات على النظام وكون الدولة ناقصة السيادة، من خلال وجود عدد من الجيوش على أراضيها، بشكل لا يسمح لها بالدخول بحل سياسي إلا بعد حل هذه المشكلة، وبالتالي لا يمكن صياغة دستور جديد إلا مع إنهاء كل أشكال الاحتلال وإقرار الحل السياسي.
وكشف المصدر أن وفد المعارضة في اللجنة بات يدرس مختلف الخيارات والسيناريوهات ومنها الانسحاب، في حال أفضى تعنت النظام بفرض رؤيته لجدول أعمال الجولة لتعليق أعمالها، مشيراً إلى أن ضمن الخيارات تعليق وفد المعارضة لمشاركته في أعمال اللجنة، وأن الأمر بات محط نقاش بين هيئة التفاوض والوفد.
وأكد أن انتهاء اجتماعات اليوم الثاني من أعمال الجولة الحالية، قد يسفر عن قرار من الوفد بهذا الشأن سواء بالتعليق، اعتراضاً على تعنت النظام بالتهرب وعدم الالتزام بجدول الأعمال، أو الاستمرار.
وأشار المصدر إلى أن بيدرسون يبدو عديم الحيلة حيال كل تصرفات وفد النظام، بعدم القدرة على إخضاعه لجدول الأعمال بناء على ولاية اللجنة خلال هذه الجولة وما سبقها، وهذا ما يصعب مهمة اللجنة ككل.
وقبيل اجتماعات اليوم الثلاثاء، قال الرئيس المشارك للجنة الدستورية عن هيئة التفاوض السورية، هادي البحرة، إنّ “الأهمية الفعلية لهذه الدورة تكمن في أنها ستظهر بشكل واضح للمجتمع الدولي مواقف الأطراف كافة تجاه العملية الدستورية ككل، ومن يعيق أعمالها ويضع العثرات في طريقها ليمنعها من ممارسة ولايتها وإنجاز مهمتها، في أسرع وقت ممكن”.
وأوضح في إحاطة صحافية مكتوبة تم توزيعها على الصحافيين وحصل “العربي الجديد” على نسخة منها، أنّه “لا يمكن لأي عملية تفاوضية أن تنجح دون وجود طرفين راغبين في التوصل إلى حل يؤدي للتنفيذ الكامل والصارم لقرار مجلس الأمن رقم 2254 (المتعلق بالتوصل لتسوية سياسية بسورية)”. وشدّد البحرة على أنّه “لا يمكن الاستمرار بأعمال اللجنة إن لم تبدأ بممارسة اختصاصاتها، وتحرز نتائج ملموسة خلال فترة قصيرة”.
وأضاف: “إننا كممثلين عن قوى الثورة والمعارضة نحمل مسؤولية تمثيل اللاجئين والنازحين بمعاناتهم التي يعيشونها لعامهم العاشر، ونحمل في قلوبنا وضمائرنا عذابات المعتقلين والمغيبين قسريا التي لم يستطع المجتمع الدولي حتى اللحظة إيجاد أي حل لها، كما نحمل معاناة السوريات والسوريين في أرجاء سورية كافة في ظل ما يعانونه من شظف العيش وغلاء المعيشة وانخفاض في الدخل وشح في الخدمات وفقدان لمستلزمات الحياة الأساسية، كل هؤلاء يريدون إنجاز الحل السياسي وتنفيذ قرارات مجلس الأمن ذات العلاقة وتحقيق العدالة، اليوم قبل الغد”.
وفي حين أكّد جاهزية ممثلي هيئة التفاوض “لفعل المستحيل من أجلهم (السوريين) ومن أجل مستقبل أبنائنا وأحفادنا ووطننا”، أعرب البحرة عن موقفه الرافض لـ “الاستمرار بالتعاطي العبثي مع هذه المطالب”.
وتابع قائلا: “لا بد من إيجاد سبل أخرى لتمكين اللجنة الدستورية من إنجاز مهمتها خلال أشهر بحد أقصى، وتفعيل العملية السياسية لإنجاز الاتفاق على المواضيع الأخرى في القرار 2254، وأولها إقامة الحكم ذي المصداقية والشامل للجميع وغير القائم على الطائفية.” ودعا البحرة الدول الراعية للعملية السياسية ومجلس الأمن الدولي إلى إيجاد تلك السبل، في حال ثبت تعطيل عمل اللجنة من قبل أي طرف من الأطراف، قائلا: “شعبنا ينتظر نتائج لا وعودا فارغة”.
ومن المقرر أن تناقش الجولة الحالية المبادئ الأساسية للدستور، وفي مقدمتها الهيكل العام للدستور، ويبنى عليه باقي فصوله، ويتم من خلالها رسم الملامح الأساسية للدولة الجديدة، ومن المبادئ المفترض مناقشتها في هذه الجولة: الرؤية العامة لشكل النظام السياسي، وكيفية الفصل المتوازن بين السلطات، وتحقيق استقلالية القضاء، وسيادة القانون، وضمان الحقوق والحريات وغيرها من المضامين الدستورية. غير أن استمرار التعطيل لا يبشر بالوصول إلى توافق حتى على جزء بسيط من جدول أعمال الجولة الحالية، التي من المقرر أن تختتم في الـ29 من الشهر الحالي. وتشي الأجواء السائدة بأنه قد تسفر الخلافات عن تعليق أعمال الجولة قبل ذلك، كما حصل في الجولة الثانية من أعمال اللجنة الدستورية.
المصدر: العربي الجديد