مارك لينش؛ وشبلي تلحمي
ترجمة: علاء الدين أبو زينة
ليست أحوال الشرق الأوسط في عوز إلى التعليقات والآراء. ولكن، ما رأي الخبراء الأكاديميين المتخصصين في الشرق الأوسط؟ في مقال نشرته في الأصل مدونة “مونكي كيج” في صحيفة “الواشنطن بوست”، يناقش مارك لينش وشبلي تلحمي البيانات التي أنتجها مسح أجري حديثاً حول التطورات في هذه المنطقة.
* *
هل مات حل الدولتين للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي؟ هل سيؤدي قرار إدارة بايدن بالعودة إلى “خطة العمل الشاملة المشتركة” -الاتفاق النووي الإيراني للعام 2015- إلى تقليل مخاطر حصول إيران على قنبلة نووية؟ ما مدى أهمية الانتفاضات العربية التي اندلعت قبل عقد من الزمن، وهل هي بصدد العودة؟
لا يفتقر الشرق الأوسط أبدًا إلى التعليقات والآراء. وثمة العديد من الاستطلاعات عالية الجودة التي تسأل بانتظام علماء السياسة وخبراء السياسة الخارجية عن آرائهم حول سياسة الولايات المتحدة في تلك المنطقة. ولكن ما رأي الخبراء الأكاديميين المتخصصين في الشرق الأوسط؟
قرب أواسط شباط (فبراير)، أجرينا استطلاعًا فريدًا استمزجنا فيه العلماء ذوي الخبرة في شؤون الشرق الأوسط، ليكون الأول في مشروعنا الجديد “مقياس آراء الباحثين في الشرق الأوسط”. وبالاعتماد على عضوية “جمعية دراسات الشرق الأوسط”، و”قسم سياسات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا” التابع لرابطة العلوم السياسية الأميركية، و”مشروع العلوم السياسية في الشرق الأوسط بجامعة جورج واشنطن”، حددنا 1.293 من هؤلاء الباحثين. ويتحدث الغالبية العظمى منهم اللغات الإقليمية، وقد أمضوا وقتًا طويلاً في الشرق الأوسط، وكرسوا حياتهم المهنية للدراسة الدقيقة للمنطقة وسياساتها. وفي غضون ثلاثة أيام، وافق 521 باحثًا على المشاركة في الاستطلاع، وردوا (بمعدل استجابة بلغ 40 في المائة)، مقسمة بالتساوي تقريبًا بين علماء السياسة والعلماء غير السياسيين.
طرحنا على هؤلاء الخبراء أسئلة وصفية، وليس عن ما يعتقدون أنه يجب أن يحدث -أو ربما سيحدث- في الشرق الأوسط. ويطلب المسح تقييمهم للمنطقة كما هي أوضاعها حاليًا وما قد تكون عليه أحوالها بعد عقد من الزمان. ولم يسأل المسح المستطلعة آراؤهم عن تفضيلاتهم بشأن النتائج أو السياسات.
ترسم نتائج الاستطلاع صورة مدهشة للشرق الأوسط، ورؤى قيّمة قد تأخذها في الحسبان إدارة بايدن -التي قالت إنها تهدف إلى أخذ آراء الخبراء على محمل الجد- بينما تعكف على صياغة السياسة الخارجية للولايات المتحدة في المنطقة.
* *
إسرائيل والفلسطينيون: واقع دولة واحدة قريبة الشبه بالأبارتيد
ربما تكون النتيجة الأكثر وضوحاً للاستطلاع هي التقييم الجماعي للصراع الإسرائيلي الفلسطيني. تصف أغلبية كبيرة من المشاركين، هي 59 في المائة، الواقع الحالي لإسرائيل والفلسطينيين بأنه “واقع دولة واحدة شبيهة بنظام الفصل العنصري”. ويرى 7 في المائة آخرون أنه “واقع دولة واحدة يتسم باللامساواة، لكنه ليس شبيهًا بالفصل العنصري”. ويصف 2 في المائة فقط الوضع بأنه احتلال إسرائيلي مؤقت للضفة الغربية وقطاع غزة، بينما يصف 30 في المائة المشاركين الوضع الحالي بأنه احتلال إسرائيلي شبه دائم.
في حين أن إدارة بايدن ستسعى على الأرجح إلى إطلاق الجهود الدبلوماسية، فإن الخبراء لا يَعرضون أكثر من أمل ضئيل بتحقيق حل على أساس الدولتين. في الاستطلاع الذي أجريناه، قال 52 في المائة من المشاركين إن مثل هذه النتيجة لم تعد ممكنة، بينما رأى 42 في المائة أنها غير محتملة خلال الأعوام العشرة المقبلة. واعتبر 6 في المائة فقط أن تحقيق هذا الحل ممكن خلال العقد المقبل.
هذه التوقعات قاتمة بشكل خاص لأنه من دون أفق لوجود إسرائيل منفصلة وفلسطين منفصلة، يتوقع 77 في المائة من المستطلعة آراؤهم رؤية واقع دولة واحدة أقرب إلى نظام الفصل العنصري، بينما يتوقع 17 في المائة آخرون واقع دولة واحدة تشهد تزايداً لعدم المساواة، لكنها ليست قريبة من الفصل العنصري. ويتوقع 1 في المائة فقط رؤية دولة ثنائية القومية يتمتع فيها الجميع بحقوق متساوية.
* *
إيران والاتفاق النووي
سوف تؤدي عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي الإيراني (المعروف بخطة العمل الشاملة المشتركة) كما هو مكتوب حاليًا إلى التقليل من احتمال حصول إيران على سلاح نووي خلال العقد المقبل -وهذا ما يقوله 75 في المائة من المشاركين في الاستطلاع. ويقول 21 في المائة إن العودة إلى “خطة العمل الشاملة المشتركة” لن تحدث فارقًا حقيقيًا- بينما يقول 2 في المائة فقط إن العودة إلى الاتفاق ستزيد من احتمالية امتلاك إيران سلاحاً نووياً.
ربما ليس من المستغرب أن يعارض الخبراء بأغلبية ساحقة كلاً من القيام بعمل عسكري ضد إيران واستمرار سياسة “الضغط الأقصى” التي انتهجتها إدارة ترامب على حد سواء. وكان الانقسام الأساسي يدور حول التكتيكات: قال 67 في المائة من المشاركين إنه سيكون من شأن عودة الولايات المتحدة على الفور إلى خطة العمل الشاملة المشتركة قبل معالجة القضايا الأخرى أن يخدم المصالح الأميركية بشكل أفضل، بينما يفضل 23 في المائة التفاوض أولاً على صفقة كبرى، والتي تشمل معالجة قضايا الصواريخ الباليستية والسياسات الإقليمية، بالتوافق مع الحلفاء مثل إسرائيل والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.
* *
ما الذي حدث للربيع العربي؟
مال الخبراء المشاركون في استطلاعنا إلى الاختلاف حول المستقبل وأهمية انتفاضات العام 2011 التي هزت العالم العربي. ويقول غالبية العلماء إن تلك الانتفاضات ما تزال نشطة: 30 في المائة يتوقعون موجة أخرى من الاحتجاجات الجماهيرية خلال العقد المقبل، بينما يقول 46 في المائة إن الانتفاضات ما تزال مستمرة بأشكال مختلفة. ويعتقد 7 في المائة فقط من المشاركين أن الانتفاضات قد انتهت وذهبت، بينما يعتقد 17 في المائة أنها لن تتكرر على الأرجح لمدة عقد على الأقل.
ولكن، هل كانت تلك الانتفاضات مهمة حقاً؟ تصف أغلبية ضئيلة، 54 في المائة، تأثيرها بأنه كبير، لكنه ليس تحويليًا. وبالنسبة لـ29 في المائة من المشاركين، كانت هذه الانتفاضات تحولية، بينما رأى 17 في المائة أنها مجرد اضطراب مؤقت له القليل من التأثير على المدى الطويل.
* *
وماذا عن الولايات المتحدة والشرق الأوسط؟
3 في المائة فقط من العلماء والخبراء المشاركين يرون أن الولايات المتحدة أصبحت أقوى في الشرق الأوسط اليوم مقارنة بعقد مضى، بينما يرى 75 في المائة أن الولايات المتحدة أصبحت أضعف. ومن اللافت أن 38 في المائة فقط ما يزالون ينظرون إلى الولايات المتحدة على أنها القوة الخارجية الوحيدة المهيمنة في المنطقة. ولا يتعلق الأمر بالمنافسة الروسية في المقام الأول -حيث يرى 8 في المائة فقط منطقة ثنائية القطب على غرار ترتيبات الحرب الباردة. وتنظر أغلبية طفيفة (54 في المائة) إلى المنطقة على أنها متعددة الأقطاب، مع وجود عدد من القوى العظمى التي تتنافس على النفوذ والسلطة. وينبغي أن تفتح هذه النتائج أعين أولئك الذين ما يزالون يؤمنون بالتفوق الدائم للولايات المتحدة في المنطقة.
ولا يرى العلماء انتعاشًا مقبلا لأسبقية الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. وبالنظر إلى المستقبل، يتوقع 10 في المائة فقط أن تصبح الولايات المتحدة أقوى في المنطقة بعد عقد من الآن. لكن هذا لا يعني بالضرورة انخفاضًا حادًا في قوتها: يتوقع 48 في المائة أن تكون الولايات المتحدة أضعف خلال عقد من الزمان، بينما يتوقع 41 في المائة أنها ستكون كما هي الآن تقريبًا. ومن المثير للاهتمام أن العلماء لا يتفقون على ما إذا كان هناك انخفاض عام لأهمية الدول الخارجية في تحديد ما يحدث في الشرق الأوسط: يقول 42 في المائة إن القوى الخارجية لديها القدر نفسه من التأثير الذي كان لها قبل عقد من الزمن، ويقول 29 في المائة إن لهذه القوى تأثيرا أكبر، بينما يقول 28 في المائة إن تأثيرها الآن أصبح أقل.
ما الذي ينتظرنا في الأمام بالنسبة للشرق الأوسط -والولايات المتحدة أيضاً؟ أشارت إدارة بايدن إلى أنها ستستمع إلى الخبراء لتجنب حدوث كوارث مثل حرب العراق في العام 2003. ويمكن أن يساعد هذا الاستطلاع الفريد صانعي السياسة الأميركيين الجدد على فهم حقائق الشرق الأوسط كما يراها العلماء والخبراء في شؤون المنطقة.
*مارك لينش: أستاذ العلوم السياسية والشؤون الدولية.
*شبلي تلحمي: زميل أول غير مقيم- السياسة الخارجية، مركز سياسة الشرق الأوسط.
*نشر هذا التقرير تحت عنوان: Biden says he will listen to experts. Here is what scholars of the Middle East think.
المصدر: الغد الأردنية/(الواشنطن بوست)