منهل باريش
ينفذ جهاز مكافحة الإرهاب في وحدات «حماية الشعب» الكردية حملة أمنية واسعة في مخيم الهول التابع لمحافظة الحسكة، أقصى شرق سوريا، أطلقت قوات الأمن الداخلي «أسايش» على الحملة اسم «الإنسانية والأمن».
وتعتبر الحملة الأمنية الأكبر على الإطلاق في تاريخ القوات الكردية منذ تأسيسها حتى اللحظة، حسب مصدر مقرب من أسايش، مضيفا في اتصال مع «القدس العربي» أن الإدارة الذاتية «تشعر بخطر كبير قادم من مخيم الهول بعد نشاط خلايا داعش، وهو ما دفعها لاتخاذ قرار تطهير المخيم» وقدر المصدر أعداد المشاركين بالحملة الأمنية بنحو سبعة آلاف مقاتل من مكافحة الإرهاب ووحدات حماية الشعب وحماية المرأة. بينهم ألفان من وحدات مكافحة الإرهاب. نافيا «وجود أي دور للتحالف الدولي ضد داعش، في العملية». وقالت قوات «أسايش» في بيان رسمي قبل أيام أن خمسة آلاف من عناصرها يشاركون في الحملة الأمنية في مخيم الهول.
ويشهد مخيم الهول الذي يضم أسر مقاتلي التنظيم السوريين والعراقيين، فلتانا أمنيا ملحوظا مؤخرا، حيث قتل 40 شخصا داخل المخيم خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام الجاري، 16 منهم في آذار (مارس) الماضي.
وتشير الإحصاءات التي أصدرتها الإدارة الذاتية إلى أن المخيم يعيش فيه 61 ألف شخص، بينهم 16.784 أسرة. وتنقسم هذه الأسر إلى 8277 أسرة عراقية، و5906 أسرة سورية، و2565 أسرة لمقاتلين أجانب. وتقصد بذلك مجمل الأسر في المخيمين القديم والجديد. حيث تجري العملية الأمنية في المخيم الجديد، وهو مخيم العراقيين والسوريين، بينما يضم المخيم القديم المجاور له أسر المقاتلين من الجنسيات الأخرى.
وتشدد قوات الأمن الداخلي الحراسة على المخيم القديم، حيث تشيد حوله سورين محصنين، ويفصل السور المزدوج المخيم القديم عن الجديد من الجهة الشمالية فقط. بينما يعتبر المخيم الجديد أو مخيم السوريين والعراقيين، أقل حراسة وتشديدا أمنياً، ويحيط به سور واحد، مغلق من الناحية النظرية ويجري الدخول والخروج إليه من بوابات رئيسية.
ويبلغ عدد الأطفال دون سن 18 في مخيم الهول نحو 40 ألفا، حسب منظمة اليونيسيف التي حذرت من ارتفاع معدلات العنف في المخيم، لاسيما بعد مقتل طفل في آذار (مارس) من قبل خلايا تنظيم «الدولة الإسلامية» ووصفت المنظمة الدولية للطفولة الوضع الأمني في المخيم بـ «المخيف».
واعتقلت قوات مكافحة الإرهاب في «أسايش» عشرات المشتبه بهم، خلال العملية الأمنية الدقيقة، وأشار المصدر المقرب من القوات الأمنية إلى أنه «جرى تقطيع المخيم حسب قطاعاته الأساسية، ومنع سكانه من التحرك أو الخروج من خيامهم أو الابتعاد عنها، وقامت قوات مكافحة الإرهاب بتفتيش الخيم والقاطنين تفتيشاً دقيقاً، سواء الرجال أو النساء».
وتدقق القوى الأمنية بالأوراق الشخصية لكل القاطنين وتقوم بمطابقتها مع اللوائح التي تملكها. وعلمت «القدس العربي» من عامل في إحدى المنظمات الإغاثية العاملة في المخيم أن «أسايش» قامت بتسجيل قوائم لكل الذين لا يحملون بطاقات شخصية، سواء سورية أو عراقية، بهدف استخراج بطاقات من الإدارة الذاتية تحدد هوية كل المقيمين والمراد من ذلك الإجراء هو ضبط الأعداد والشخصيات بشكل دقيق. في حين تبقى مسألة زوجات عناصر التنظيم هي الأعقد في المخيم. حيث يرفضن الكشف عن وجوههن من أجل التقاط صور شخصية لهن. وتقدر المصادر أن «أسايش» تريد حسم المسألة لصالحها من أجل ضبط قاعدة بيانات سكان المخيم بشكل نهائي.
في السياق ذاته، أكد المصدر المقرب من «أسايش» أن قوات مكافحة الإرهاب تتدرب منذ شهرين في بيئة مشابهة لمخيم الهول وتجري عمليات تحاكي العملية المفترضة، وشدد على أن قوى الأمن الداخلي «طبقت التدريبات المتعلقة بالتدريبات الجنائية، حيث أخذت عينات دم وأخرى من أجل فحص DNA وكذلك مسحت كامل بصمات اليدين وبصمة العين والتقطت صورا ثلاثية الأبعاد لكل الأشخاص الذين لا يملكون بيانات تحدد هوياتهم سابقاً».
وأعلنت الوحدات الكردية عن توقيف عشرات المشتبه بهم، كما عثرت على أسلحة وأجهزة كومبيوتر وبيانات خاصة بتنظيم «الدولة الإسلامية» إضافة إلى ألبسة عسكرية، وبطاريات ومواد تستخدم في صناعة العبوات الناسفة والمفخخات. كما عثرت على حفر وأنفاق، لم تتأكد «القدس العربي» فيما إذا كانت تصل خيم داخل قطاعات المخيم أم أنها تصل إلى خارج المخيم وتمر من السور.
وأعلنت «أسايش» في بيان صحافي من مخيم الهول في اليوم السابع على بدء العملية الأمنية، انتهاء المرحلة الأولى من عملية «الإنسانية والأمن» موضحة أنها اعتقلت 125 شخصا من المدرجين على قوائم المطلوبين، بينهم عشرون قيادياً. ومن بين المعتقلين، القاضي الشرعي لمخيم الهول، أبو محمد الجميلي، وهو عراقي الجنسية، مواليد مدينة الأنبار، وعمل سابقا قاضيا شرعيا في تنظيم القاعدة في العراق، قبل انتقاله لسوريا وانضمامه لتنظيم «الدولة الإسلامية». ويعتبر مسؤول تجنيد المقاتلين، أبو سعد العراقي أبرز الموقوفين، إضافة إلى أحد خبراء الاتصالات ضمن التنظيم ويدعى مصطفى الخلف، مواليد 2003 في الموصل، ومسؤول أمني يعرف باسم علي الخليف، عراقي الجنسية أيضا من البعاج، تولد سنة 2002. وتدعي «أسايش» أن القياديين دخلا إلى المخيم أطفالا، ولكنهما ظلا مرتبطين بالتنظيم.
بالتوازي مع العملية الواسعة في مخيم الهول، وجد القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية، مظلوم عبدي الفرصة سانحة للضغط على الدول التي ينحدر منها المقاتلون الأجانب في تنظيم الدولة الإسلامية وأسرهم، وقال في تغريدة على موقع التواصل الاجتماع تويتر، يوم الاثنين: «نجدد دعوتنا الدول الأجنبية إلى استعادة مواطنيها وتقديم المزيد من الدعم الإنساني لمخيم الهول لتحسين الظروف والاستقرار فيه».
ومن غير المعلوم إذا كانت الإدارة الذاتية قد حققت نتيجة مرضية على المستوى الأمني في مخيم الهول. فرغم العدد الكبير من عناصر قوات الأمن الوطني ومكافحة الإرهاب وحماية المرأة المشاركين في العملية، لم تتطرق أسايش إلى المرحلة الثانية والثالثة من العملية أو تتحدث صراحة عن الجدول الزمني لتحقيق استقرار ما في مخيم الهول. وظلت المعلومات تسرب بشكل شحيح وغير كافي لبناء تصور حول المراحل المقبلة. وتسعى أسايش إلى زيادة عدد نقاطها داخل المخيم. ويتحدث مقربون منها وبعض العاملين في الإدارة الذاتية عن عزمها نصب كاميرات مراقبة داخل المخيم وليس على أسواره فقط، والعمل بآليات جديدة ويومية تضبط من خلالها الموجودين في المخيم وتبنه إلى هروب بعض الأسر أو العناصر إلى خارج المخيم.
ومن المرجح أن وحدات الحماية الكردية تستشعر خطر انفجار مخيم الهول، والذي ترافقت حوادث القتل فيه مع نشاط كبير لتنظيم «الدولة» في دير الزور في مناطق سيطرتها (الوحدات الكردية). ورغم الشكوى الكبيرة من قبل الإدارة الذاتية حول قضية مقاتلي التنظيم وأسرهم والكلفة الكبيرة التي تنفقها من أجل حراستهم وتأمين سلامتهم، وبرامج إعادة التأهيل التي تنفقها على زوجات المقاتلين وأطفالهم، فإن ورقة المقاتلين الأجانب وأسرهم هي قوة في المفاوضات مع دول التحالف الدولي ضد «داعش» أو باقي الدول، وتشكل هذه الورقة قوة بيد الإدارة الذاتية تستثمر بها سياسيا من خلال بقاء القنوات السياسية مفتوحة معها، وكذلك تعود بنفع اقتصادي على المنطقة بسبب توسع عمل البرامج السياسية والإنسانية العاملة في منطقتها. كما أن خطر عودة التنظيم سينعكس إيجابيا على استمرار الشراكة الأمريكية مع المقاتلين الأكراد.
المصدر: القدس العربي