أمين العاصي
تعطلت الحياة في مناطق سيطرة النظام السوري، خصوصاً في العاصمة دمشق، التي تحولت إلى “مدينة أشباح” وفق المعطيات والصور التي تصل منها، حيث لم تعد هناك مواصلات عامة أو خاصة، بسبب ندرة المحروقات، خصوصاً مع بدء ظهور آثار العقوبات الاقتصادية على النظام، في إطار الضغط الدولي المستمر عليه منذ سنوات. ولا حديث لدى سكان دمشق إلا عن تردي الحالة المعيشية التي تعصف بالسوريين الواقعين تحت سيطرة النظام، حيث “لا مواصلات ولا كهرباء، في ظل تفشٍ غير مسبوق لفيروس كورونا، وغلاء غير مسبوق في أسعار المواد التي لا غنى عنها لاستمرار الحياة”، وفق مصادر محلية.
وقال أحمد، الذي يقطن في حي الميدان الدمشقي، في حديث مع “العربي الجديد”، إنه يذهب إلى عمله في قلب العاصمة سيراً على الأقدام. وأشار إلى أن “هناك بالفعل من بات يستخدم الأحصنة والحمير للتنقل داخل دمشق وفي مدن سورية أخرى”. ولفت إلى أن “الأدهى من كل هذا أنه لا يوجد أمل في انفراج قريب. كل المعطيات تؤكد أن حلاً سياسياً بعيد المنال، وأن الحال في طريقه للأسوأ”. وأوضح أن أغلب المصابين بفيروس كورونا “يعالجون أنفسهم في منازلهم”، مشيراً إلى أن المستشفيات في مناطق النظام امتلأت بالمرضى.
وكانت حكومة النظام أصدرت، الإثنين الماضي، قراراً يقضي بتخفيض مخصصات البنزين بنسبة 50 في المائة، لتُصبح الكمية المخصصة للسيارات السياحية الخاصة 20 ليتراً كل 7 أيام، والسيارات العامة 20 ليتراً كل 4 أيام، فيما أوقفت تزويد سيارات النقل العام (الأجرة) بالمازوت المخصص حتى إشعار آخر، والاكتفاء بعمل باصات الشركة العامة للنقل التابعة لحكومة النظام.
ومن الواضح أن النظام لا يخشى من اندلاع احتجاجات على سوء الأوضاع المعيشية، إذ إن القمع الشديد الذي تعامل به مع المناطق الخارجة عن سيطرته طيلة 10 سنوات يجبر السوريين الخاضعين لسيطرته على تحمّل كل شيء. وأشار إبراهيم، الذي يقطن ضاحية قدسيا شمال غربي دمشق، في حديث مع “العربي الجديد”، إلى أن “أغلب السوريين في مناطق النظام نادمون، لأنهم لم يهاجروا عندما كانت الهجرة متاحة قبل عام 2016 إلى مختلف البلدان الأوروبية”. وبرأيه، فإنه “لو فتح هذا الباب مرة أخرى لن يبقى في البلد إلا المستفيدون من هذه الحالة المزرية التي نمرّ بها”.
وفي السياق، قال الباحث الاقتصادي في مركز “جسور” للدراسات، خالد تركاوي، لـ “العربي الجديد”، إن “لدى النظام السوري الكثير من الموارد الاقتصادية التي يمكن أن تخفف من الأزمة الخانقة التي تضغط على الملايين الخاضعين لسطوته”. وأوضح أنه “لم يتعرض إطعام جيش النظام وأسلحته ودباباته لأي تقنين أو تخفيض، لأن النظام لا يزال يعتمد الحل العسكري، ويصرف كل الموارد على جيشه وأجهزته الأمنية ومليشياته”. ولفت إلى أن أولوية النظام هي العمليات العسكرية، والشعب يأتي ثانياً، وليس مهماً إن جاع، أو لم يبق لديه الحد الأدنى من أسباب الحياة.
من جانبه، أشار الائتلاف السوري المعارض، في بيان يوم الجمعة الماضي، إلى أن السوريين في مناطق سيطرة النظام “يعيشون أوضاعاً اقتصادية كارثية لا سابق لها في تاريخ سورية الحديث، حيث يستمر انهيار قيمة العملة، وطبع أوراق نقدية بلا رصيد، مع ارتفاع فاحش في الأسعار وانعدام في المواد الأساسية، إضافة إلى مظاهر الفقر والجوع والمرض، والانعدام شبه الكامل للخدمات الأساسية”، في مؤشر خطير على انهيار شامل في حال استمر وجود هذا النظام الذي يبدد موارد البلاد في الحرب على السوريين واستجلاب المليشيات والغزاة. وأشار إلى أنه “لا يوجد حل للكوارث التي تلاحق السوريين إلا برحيل هذا النظام المجرم الذي سبّب كل هذا الخراب، ووقف حربه الوحشية على سورية وأهلها، وإنجاز الانتقال السياسي”. واعتبر أن “أي خطاب يسعى لدعم النظام بحجة إنهاء هذه المعاناة، ليس سوى نفاق سياسي، يسعى لتوظيف الجريمة من أجل مكافأة المجرم وضمان تحقيق أهدافه، بدل الضغط من أجل محاسبته وإنقاذ المدنيين من إجرامه”.
وتأتي الأزمة الخانقة التي يمر بها النظام السوري في ظل برود في العملية السياسية، وغياب أي تحرك من قبل المبعوث الأممي إلى سورية غير بيدرسن من أجل “إعادة الروح” إلى هذه العملية التي تراوح في المكان ذاته منذ منتصف عام 2012، حيث صدر بيان “جنيف1”. وعلى الرغم من الحصار المحكم على النظام من قبل المجتمع الدولي وأميركا، من خلال قانون “قيصر” المفعّل منذ منتصف العام الماضي، لم يبد نظام بشار الأسد أي استجابة لتسهيل مهمات الأمم المتحدة لدفع العملية السياسية، خاصة لجهة كتابة دستور جديد للبلاد يمكن أن تجري بناء عليه انتخابات برلمانية ورئاسية. ومنذ بدء اجتماعات هذه اللجنة، أواخر 2019، لم يخفِ النظام خططه لإفشال مهماتها.
وكانت أصداء مأساة نحو 10 ملايين يقطنون في مناطق النظام (وفق تقديرات مركز “جسور” للدراسات)، دفعت وزراء خارجية 18 دولة أوروبية إلى إصدار بيان مشترك منذ أيام، أشاروا فيه إلى “أننا لن نظل صامتين في وجه الفظائع التي ترتكب في سورية، والتي يتحمل النظام وداعموه الخارجيون المسؤولية الأساسية عنها”. ومن الواضح أن النظام غير مكترث بمعاناة السوريين في مناطقه، حيث يتهيّأ لإجراء انتخابات رئاسية منتصف العام الحالي، وفق دستور عام 2012، تخوّل الأسد البقاء في السلطة حتى عام 2028. وذكرت مصادر مطلعة في العاصمة دمشق أن الأسد سيتقدم على الأرجح بأوراق ترشحه للانتخابات خلال إبريل/نيسان الحالي.
وأعرب المحلل السياسي رضوان زيادة، في حديث مع “العربي الجديد”، عن اعتقاده بأن النظام السوري “لن يفكر على الإطلاق في القيام بإصلاحات سياسية استجابة للضغوط الاقتصادية”. وبرأيه، فإنّ “تفكير النظام السوري ينحصر في الاستفادة من الأزمات الاقتصادية المتصاعدة، من خلال الحصول على أموال تبقي بشار الأسد في السلطة”. وذكّر بأنه “على مدى 10 سنوات كان النظام واضحاً بأنّ استمراره في الحكم فوق كل شيء. فوق تدمير سورية، وكرامة السوريين، وفقرهم، وعوزهم”.
المصدر: العربي الجديد