بسام شلبي
طرح منذ أيام الأخ الصديق الدكتور وليد البني على صفحته موضوعًا للنقاش مختصره أنه ليس مقتنعًا بفكرة القومية و الأمة العربية او الأمة الاسلامية.. و يقترح ان يقتنع السوريون بأن تكون سورية بحدودها الحالية وطنا نهائيا للسوريين و تجذير فكرة الوطنية السورية كمشروع سياسي..
أولا أنا أشكره على طرح الموضوع و على رحابة صدره بإبداء الاستعداد للمناقشة المفتوحة حوله
و ثانيا ما أود أن اطرحه ايضا هو من باب مناقشة الموضوع دون التعصب او الانحياز لأفكار مسبقة..
و نظرا لتعقيد الموضوع سأحاول الاختصار ما وسعني، و سوف اقسمه إلى ثلاثة محاور هي “البعد التاريخي و النفسي، البعد السياسي، البعد الاستراتيجي”
أولا البعد التاريخي و النفسي:
ربما تكون حدود كثير من الدول في العالم الحديث قد تشكلت نتيجة تسوية صراعات سياسية او عسكرية خاضتها او وقعت في خضمها بين قوى خارجية و لكن في المحصلة حققت حدا مرضيا من طموحاتها القومية او الوطنية جعلها ترضى و تستقر بالأخص مع حد ادنى للأمن القومي، و لكن بالنسبة لدولة سورية الحالية لم يكن الوضع مشابها. حيث أنها قسمت من محيطها الطبيعي “بلاد الشام” دون أي حد طبيعي يوفر لها الحد الادنى من الأمن، بل إن قصص بعض أجزاء من حدودها تثير السخرية فالحد الشمالي مثلا رسمه خط سكة الحديد الواصلة من إسكندرون الى الموصل الذي بني في زمن العثمانين بخبرات و تمويل ألماني و كان نتيجة الطموح الألماني بوراثة الدولة العثمانية حية في مقابل المشروع الأوربي الذي أراد وراثتها ميتة و نتيجة لمفاوضات ساكس بيكو استطاع الانجليز ان يفرضوا احتفاظهم بخط اسكندرون الموصل كونه خط امداد استراتيجي ليكون نهاية منطقة النفوذ الفرنسية رغم ان المنطقة الممتدة منه شمالا حتى جبال طوروس كانت ايضا من حصة الفرنسيين وفق اتفاقية سايكس بيكو، ولاحقا تخلوا عنها لصالح تركيا كي لا تتوسع منطقة منافسهم الفرنسي مما اخرج الكثير من المدن و القرى العربية خارج خارطة سورية.
كذلك في التقسيم الاولي لخارطة سايكس بيكو كانت الموصل واقعة في المنطقة ” أ ” الخاضعة للنفوذ الفرنسي و لكن الانجليز فرضوا امرا واقعا باحتلالها و من ثم الاتفاق لاحقا مع الفرنسيين على إبدالها بمناطق البوكمال التابعة للمنطقة “ب” مع حصة من نفط الموصل و هي للعلم مدينة كانت مرتبطة تاريخيا بحلب و تعتبر توأمها الروحي..
سأكتفي بهذين المثالين رغم أن القصص المشابهة كثيرة.. فكيف لنا أن نقدس حدا رسمته سكة قطار تنازعته مطامع الاستعمار؟!
و كيف ننظر للموصل كأنها خارج انتمائنا و البوكمال داخلها، و لماذا ليس العكس، لو لم تحدث صفقة التبادل الانجليزية الفرنسية؟!
و كذلك أقضية راشيا و حاصبيا و بعلبك و البقاع التي ضمها المندوب السامي الفرنسي الجنرال غورو الى دولة لبنان بقرار اداري ١٩٢٠.
ثانيا من الناحية السياسية: ان دولة سورية بحدودها الحالية وفق المعادلات السياسية التي بنيت عليها خطة سايكس بيكو كانت و سوف تبقى اسيرة مثلثين متداخلين و ستبقى متذبذبة بفعل معاملات التجاذب و التنافر بين المثلث الاقليمي الخارجي المكون ثلاثة رؤوس تشكل مراكز قوى هي تركيا و ايران و اسرائيل و مثلث القوى العربية مصر و العراق و السعودية و سياستها في كل العهود منذ الاستقلال كانت و ستبقى محصورة في المساحة المشتركة لهذين المثلثين، وهي ان كانت مساحة غير ثابتة تتوسع و تضيق و تتحرك بفعل توازن يشبه توازن السوائل في الاواني المستطرقة، فإنها بالنهاية مساحة محدودة الآفاق و استطيع ان اقول اذا كانت سورية منذ الاربعينات دولة غير محتلة او تابعة فإنها أيضا لم تكن دولة مستقلة بمعنى الكلمة
و لا يمكن كسر هذه المعادلات من توازن القوى إلا بكسر قالبها و حدودها المفروضة بأي شكل من الأشكال..
الناحية الاستراتيجية:
ان دولة سورية في حدودها الحالية قد حرمت من كل مقومات و امكانيات بناء امن وطني خاص بها بحرمانها من الموانع الطبيعية و العمق الاستراتيجي، فمن الشمال حدود مفتوحة بطول اكثر من ١٢٠٠ كيلو متر في مناطق سهلية مكشوفة تتيح لتركيا او اي قوة اخرى اجتياها في اي وقت دون امكانية توفير وسائل حمايتها عسكريا، بينما كانت مطالبة الحركة القومية العربية بدولة حدودها جبال زغروس و طوروس التي كانت تاريخيا الفاصل الطبيعي بين مناطق التواجد العربي و الاعجمي و كانت بريطانيا قد ابدت تفهمها او تأييدها لجر العرب للثورة ضد الاتراك لكنها في النهاية حنثت و تخلت لتركيا عن مناطق شمال سكة القطار مما جعل الظهر العربي مكشوفا من الشمال مع خاصرة رخوة في الشمال الشرقي.
كذلك فإن الحدود الغربية قد نزعت القوى الاستعمارية معظم الشاطئ البحري لصالح لبنان و فلسطين و سلخ لواء اسكندرون فلم يبق لدولة سورية الحالية اكثر من ١٨٠ كيلو متر في حين ان شواطئ سورية الطبيعة اكثر من ٨٠٠ كيلو متر طولي، و اخراج المرتفعات الجبلية الغربية وضمها الى لبنان قد جعل كل امن سوية الوطني في لبنان و جعل صدرها ايضا مكشوفا
و لم تكن هذه الحقيقة خافية على المفكرين الاستراتيجين الذين تصدوا للشأن العام و ربما اوضحهم كان وزير الدفاع الشهيد يوسف العظمة و الذي كان يخطط ان تكون معركته في تلال مجدل عنجر و ليس في ميسلون كما فرضت عليه، حيث كان يعتبرها مفتاح التهديد الإستراتيجي لدمشق العاصمة نفسها..
مختصر الكلام أنه بالحدود الحالية من الصعب بناء استراتيجية أمن وطني ثابتة و قوية.. او حتى مقبولة!
من الناحية الاقتصادية ايضا لا اريد أن استفيض كوني غير خبير و ليس لدي دراية كافية ولكني اشك في امكانية بناء اقتصاد يحقق ادنى حدود التنمية المستدامة؟
وفي الختام اتفق مع الدكتور وليد بأن الديمقراطية والمواطنة وحقوق الإنسان هي مدخل اساسي لبناء أي مشروع سياسي مستقبلي سواء كان وطنيًا او قوميًا.
و لابد من فتح نقاش مجتمعي واسع ليتم تكوين رؤيا سياسية لمشروع مستقبلي لسورية على المدى القصير والمدى الطويل الاستراتيجي.
و بالنسبة لي لا أره مستقبلا جيد دون ان يكون جزءا من مشروع عربي يكسر معادلات التقسيم و يحقق اشكالا متدرجة من الوحدة العربية من المؤكد ان الدولة المركزية الاندماجية ليست خيارها الوحيد بل هناك الكثير من المراحل والاشكال التي يمكن اعتمادها وتحقيقها وهذا موضوع مستقل يحتاج بحثًا مستقلاً من الناحية النظرية ويحتاج توافق مجتمعي وسياسي داعم ايضا.