عماد كركص
“التهديد” الأميركي للراغبين في التطبيع مع نظام بشار الأسد في دمشق ليس موقفاً جديداً على واشنطن، لا سيما بعد صدور “قانون قيصر” في عهد الإدارة الأميركية السابقة برئاسة دونالد ترامب. بيد أن إدارة ترامب، لا سيما بعد إطلاق يد المبعوث الأميركي السابق إلى سورية جويل ريبورن في الملف السوري إلى حدّ كبير، خلفاً لجيمس جيفري، كانت أكثر عملياتية في الحدّ من عمليات التطبيع مع النظام ودعمه مالياً ودبلوماسياً، إذ كان لريبورن تحركات في هذا الخصوص، حين زار الإمارات والأردن بداية العام الحالي، على سبيل المثال، للحدّ من تعميق علاقة الأولى مع دمشق، وإلغاء فكرة التطبيع، إن وجدت، عند الثانية.
ويُعدّ تلويح القائم بأعمال مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى، جوي هود، بالعقوبات أمام الراغبين بالتطبيع مع النظام السوري مجدداً، تقدماً ضمن خطوات بطيئة تسير بها الإدارة الحالية في تعاملها مع القضية السورية لجهة الحزم مع النظام، بيد أن تلك الخطوات لم يترافق معها، إلى الآن، أي تحرك فعلي، سواء أكان سياسياً أم إجرائياً، لبرهنة ثبات الموقف الأميركي على عدم قبول النظام، باستثناء ما خرج على لسان الرئيس جو بايدن قبل أيام بعدم الموثوقية الأميركية أو الدولية بالأسد، وذلك خلال لقائه بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
ويأتي كلّ ذلك في ظل الحديث عن مؤشرات لإهمال إدارة بايدن بصفقة تشبه “بيع” الملف السوري لإيران، ربما تضطر إدارة الرئيس بايدن للجوء إليها لإتمام العودة إلى الاتفاق النووي مع طهران. وبدأ الحديث عن هذه الفرضية بعد انطلاق المفاوضات، وعدم إقدام إدارة بايدن على فرض أي حزمة جديدة من عقوبات قيصر بحق النظام والكيانات المرتبطة به، وأخيراً رفع العقوبات عن بعض الشركات المعاقبة، لكن ذلك كله يبقى محض تكهنات، إلا إذا تقدّم موقف رسمي، سياسي أو قانوني، حيال هذا الأمر، لا سيما أن مسألة رفع العقوبات عن شركات سوريّة معاقبة تخللها شيء من سوء الفهم، إذ إن تلك الشركات ألغيت ولم يعد لها وجود، وبالتالي بات من الطبيعي رفعها من قوائم العقوبات.
“تهديدات” إدارة الرئيس بايدن للدول الراغبة بالتطبيع مع النظام بحاجة لـ”اختبار جدية”. هذا الاختبار يكمن في إمكانية الضغط على كل من الإمارات والبحرين، اللتين أعادتا افتتاح سفارتيهما في دمشق نهاية العام 2018، كما تُتهم أبوظبي بتقديم دعم مالي للأعمال النظام العسكرية لمواجهة التمدد التركي في الشمال، من دون إثبات واضح بطبيعة الحال، لكن المثبت على أبوظبي يكمن في ترويج إعادة تعويم النظام عربياً، والدعوة لإعادته إلى الحاضنة العربية، بمحاولة تقريب وجهات النظر بين النظام والرياض في هذا السياق.
أيضاً، فإن الإجراءات الواجب اتخاذها من قبل إدارة الرئيس بايدن قد توجَّه نحو سلطنة عمان، التي أعادت تعيين سفير لها في دمشق في أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي، بعد أن كان يقتصر تمثيلها في دمشق على قائم بالأعمال، وذلك بعد إقرار قانون قيصر ودخوله حيز التنفيذ، ما يعني تجاوز “الخطوط الحمراء” للقانون، الذي من المفترض أن يقف حاجزاً أمام أي دعم اقتصادي أو دبلوماسي، وحتى عسكري مع دمشق.
وبات النظام يتحرك أخيراً، لا سيما قبيل الانتخابات وبالتزامن معها، لترويج انتصاره والتسليم بإعادته إلى المحيط الإقليمي العربي، فغازل السعودية، وفتح خطوطاً تجارية واقتصادية مع الجزائر، ويجهد لتحسين العلاقات مع الأردن شيئاً فشيئاً. وإن كانت إدارة بايدن جادة في “تحجيم” هذه التحركات و”لجم” ما سبقها، فعليها برهنة ذلك لإثبات ممانعتها التطبيع مع دمشق بخطوات أو إجراءات ملموسة.
ويذكّر مسؤول في وزارة الخارجية الأميركية، فضّل عدم الكشف عن هويته، لـ”العربي الجديد”، بتصريحات القائم بأعمال مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى جوي هود، الأخيرة، قائلاً “نحن لا ننوي تطبيع العلاقات مع نظام الأسد في غياب تغيير كبير في السلوك من جانبه. وفيما يتعلق بالآخرين الذين قد يفكرون في اتخاذ خطوات مماثلة، فإننا نطلب منهم النظر بعناية شديدة في الفظائع التي ارتكبها النظام ضدّ الشعب السوري على مدار العقد الماضي، ناهيك عن جهوده المستمرّة للحؤول دون وصول الكثير من المساعدات الإنسانية إلى أجزاء كبيرة من البلاد وحرمانها من الأمن”.
كما ذكّر أيضاً بأنّ “عقوبات قانون قيصر، الذي يحظى بتأييد واسع من الحزبين في الكونغرس، تسعى إلى الحد من قدرة الأسد والآخرين في نظامه على الاستفادة من الصراع المستمر وإعادة الإعمار بعد الصراع، بما في ذلك الاستفادة من الاستيلاء على ممتلكات الشعب السوري”.
وتابع أنّ “عقوباتنا تشكل أداة مهمة للضغط من أجل مساءلة نظام الأسد على سجله الفظيع لانتهاكات حقوق الإنسان، والتي يرقى بعضها إلى جرائم حرب”، مشدداً على أنّ الإدارة الأميركية “ستواصل التنسيق مع حلفائها وشركائها بشأن السياسات ذات الصلة بسورية، للدفع من أجل إحراز تقدم ذي مغزى في أهدافنا السياسية المشتركة”.
ورداً على سؤال حول إدلب، واجتماع مجلس الأمن المقرر في 10 يوليو/تموز المقبل، لبحث التجديد لآلية إدخال المساعدات الإنسانية عبر معبر باب الهوى بين سورية وتركيا، قال المسؤول في الخارجية الأميركية، لـ”العربي الجديد”، “نؤكد دعمنا لوقف فوري لإطلاق النارعلى الصعيد الوطني لضمان إيصال آمن للمساعدات، ووضع أساس يمكن أن يمضي فيه مستقبل سورية قدماً”.
وكان القائم بأعمال مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى جوي هود أجاب، خلال مؤتمر صحافي هاتفي جرى قبل أيام، عن سؤال يتعلق بتغير في مناخ العلاقات بالشرق الأوسط، من قبيل تفكير بعض حلفاء الولايات المتحدة التقليديين بإعادة العلاقات الدبلوماسية مع نظام الأسد، (أجاب) بأن الإدارة لا تنوي تطبيع العلاقات مع نظام الأسد، “في غياب تغيير كبير في السلوك من جانبه”، مضيفاً: “في ما يتعلق بالآخرين الذين قد يفكرون في اتخاذ خطوات مماثلة، فإننا نطلب منهم النظر بعناية شديدة في الفظائع التي ارتكبها النظام ضدّ الشعب السوري على مدار العقد الماضي، ناهيك عن جهوده المستمرّة للحؤول دون وصول الكثير من المساعدات الإنسانية إلى أجزاء كبيرة من البلاد وحرمانها من الأمن”.
وتابع: “وأود أيضاً أن أضيف أن لدينا عقوبات قانون قيصر، وهذا قانون يحظى بتأييد واسع من الحزبين في الكونغرس، وسوف تتبع الإدارة ذلك القانون في هذا الشأن، ولذلك يتعين على الحكومات والشركات توخي الحذر كيلا تعرّضها معاملاتها المقترحة أو المتصورة لعقوبات محتملة من الولايات المتحدة بموجب هذا القانون”.
ورغم أن هذا التصريح يُعدّ تهديداً لا يقبل اللبس حيال من يقع في دائرته، إلا أن الناشط والباحث السوري محمد علاء غانم، المقيم في واشنطن والمختصّ في العلاقات الدولية والشؤون الأميركيّة، يرى أن ذلك ليس إلا مجرد تحذير، وهو “تحذير جيد”، لكنه لا يرقى لدرجة التهديد، بحسبه، مشيراً في حديثه لـ”العربي الجديد” إلى أن “الإدارة الأميركية حالياً تصبّ اهتمامها بشكل رئيس في الملف السوري على قضية تمديد آلية إدخال المساعدات عبر الحدود، ولا يشغلها أي شيء آخر، كإرسال رسائل سياسية معينة متعلقة بالقضية السورية، حيث تجهد الإدارة لتمديد آلية دخول المساعدات عبر معبر باب الهوى، وإعادة فتح معابر كانت قد أغلقت، كمعبري باب السلامة واليعربية، ورأت الإدارة الأميركية أن لا شيء هناك يقدم بالمجان من قبل الروس لعدم عرقلة القرار في مجلس الأمن”، مشيراً إلى أن “تلك هي المعركة الوحيدة التي ترغب الإدارة الأميركية في خوضها، ولا توجد لديها رؤية دبلوماسية وسياسية واضحة حيال سورية”.
وأضاف غانم: “نريد أن يكون هناك ضغط حقيقي من الإدارة الحالية على الدول الراغبة بالتطبيع، كما كان الحال في عهد الإدارة السابقة، التي منعت تطبيع بعض الدول العربية مع النظام، وتكلّل ذلك بإصدار قانون قيصر، أما الإدارة الحالية، وبعد 8 أشهر تقريباً من إعلان الفوز وحوالي 6 أشهر من وصولها إلى البيت الأبيض، لم تصدر أي حزمة من العقوبات، فالآليات للحدّ من عمليات التطبيع وعرقلتها موجودة، وتحتاج فقط للتطبيق من خلال عقوبات قيصر أو غيرها”.
وكشف غانم عن أن لديه معلومات عن حزمة جديدة من عقوبات قيصر ستصدر قريباً، لكن من دون التمكن من معرفة حدتها وفعاليتها، ومن ستستهدف بالتحديد.
وتتطابق وجهة نظر سفير “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة”، قتيبة إدلبي، مع نظرة غانم إلى حدّ ما في تراخي الإدارة الأميركية حيال القضية السورية في جوانبها السياسية، مشيراً، في حديث لـ”العربي الجديد”، إلى أن “الإدارة، من خلال هذه التصريحات، تريد أن تثبت موقفها من النظام، لكنها في الوقت ذاته غير مستعدة لزيادة استثمارها في الملف السوري”.
وأشار إدلبي إلى أنه “من غير المطلوب وجود آليات جديدة للحدّ من عمليات التطبيع، يكفي أن يكون الطرف مشمولا بالعقوبات الأميركية ليكون ذلك مسوغاً للحدّ من التطبيع معه، كما كان الحال لبعض الدول التي تعاملت مع إيران وتعرضت للعقوبات، كالإمارات مثلاً، التي تعرضت مصارفها لغرامات مالية كبير، وهذا النموذج كافٍ لرسم خطوط حمراء وعدم تجاوزها، لكن ما دامت الإدارة الحالية لم توضح رؤيتها في الملف السياسي السوري، ولا تحقق أي تقدم لجهة تطبيق الحلّ، فإن ذلك يجعل بعض الدول تستغل هذا التراخي لمدّ جسور تجاه النظام بشكل أو آخر”، معتبراً أن الإدارة الأميركية مطالبة بـ”أفعال حقيقية لإثبات الجدية بالالتزام في الحدّ من عمليات التطبيع”.
أما بالنسبة لرفع العقوبات عن بعض الشركات السورية المعاقبة أخيراً، فقد أشار إلى أن المسألة شابها شيء من سوء الفهم، وأكد أنه “نتيجة المراسلات بين السفارة والخارجية الأميركية، توضح أن تلك الشركات تم إلغاؤها بحيلة للتهرب من العقوبات، وبالتالي انتفاء وجودها يعني حكماً إلغاء شمولها بالعقوبات، وأيضاً تم إعطاء الإذن لشركتين طبيتين والنظام لإجراء معاملات خاصة في سبيل التصدي لجائحة كورونا، وهذا لا يعني رفعها عن قوائم العقوبات، وإنما يُعدّ ذلك إذناً مشروطاً متعلقاً فقط بأزمة كورونا، وهذا الإذن الأخير تم منحه كبادرة من الإدارة باتجاه الروس، لعدم عرقلة تمديد آلية إدخال المساعدات الأممية من المعابر، وهناك ملامح تفاهم روسي – أميركي حول تمديد آلية إدخال المساعدات لمدة عام مقابل هذا الإذن”.
ورغم أن إدلبي أكد معلومات غانم حول صدور حزمة جديدة من عقوبات قيصر في الفترة القريبة المقبلة، فإنه لا يتوقع أن يكون هناك تحرك كبير من قبل الإدارة الحالية تجاه الملف السوري، سياسياً ودبلوماسياً، قبل إنهاء الصفقة النووية مع إيران، وإن تمت الصفقة كما هو متوقع بحلول أغسطس/آب، يعتقد إدلبي أن “الإدارة تستخدم الملفات الإقليمية المشتركة مع إيران، بما فيها سورية، للضغط على طهران لتحصيل الاتفاق على ملفات أخرى، وإلى ذلك الوقت، مطلوب منا العمل مع الإدارة لكي لا يكون الملف السوري ضحية أو عرضة للمساومة على طاولة المفاوضات”.
المصدر: العربي الجديد