يستمر النظام السوري ومن معه من إيرانيين وروس وميليشيات طائفية، في سياسة التهجير القسري، وآخرها ما جرى ويجري في الغوطة الشرقية، من فعلٍ لم يسبق له أي مثيل في التاريخ الحديث أو القديم لسورية. ولم يعد مقبولًا ولا معقولًا أن تتفرج على السوريين كل زعامات العالم، وتشاهد وتشهد زورًا على اقتلاع شعب من أرضه وبيته، ومن ثم إحلال آخرين مكانه، وكأن القضية الاحلالية البشعة، قد باتت مسألة متوافق عليها إقليميًا ودوليًا. عن كل ذلك وحوله سألت جيرون بعض الساسة والباحثين عن آرائهم بما يجري من تهجير قسري فاق كل حد، وما مآلات ذلك؟ وإلى متى يستمر هذا الفعل؟ وما المصير الذي ينتظر المهجرين قسريًا؟
الكاتب السوري عبد الباري عثمان قال لجيرون ” النظام السوري سلم سورية كي يتسلق عليها الإيرانيين والروس أمام المجتمع الدولي، لتمرير أجندتهم بشكل شرعي، وكان الإيرانيون سباقون بهذا المخطط لتنفيذ التغيير الديمغرافي، الذي بدأ من داريا وانتهاءً بالغوطة. ولقد عملنا كاتحاد الديمقراطيين السوريين لقاءات عدة مع ناشطين وسياسيين في الغوطة من أجل توحيد كلمتهم وإنهاء الحالة الفصائلية بين الفصائل، لكن لم ننجح بالرغم من التوافق في الرؤية والمقترحات والمسؤولية الأخلاقية المفقودة لدى المجتمع الدولي، حيث وصلت الغوطة الى ما آلت عليه.” وبخصوص المهجرين قال بكل صراحة ” إن عودتهم إلى مناطقهم في الوقت القريب أمر محال، وخاصة في ظل تقاسم النفوذ الدولي في سورية، وتبقى التفاهمات الدولية هي المتحكم في مصير السوريين في ظل فراغ سياسي سوري، وعدم توفر المال الوطني لصرفه على الفكر الوطني السوري، ومناهجه التعلمية، سنبقى على حالنا إلى أن يفرج الله لنا فرجًا”.
أما الناشط السوري نعمان حلاوة فقد تحدث لجيرون قائلًا ” إن هذا التهجير القسري هو جريمة بشعة بحق الوطن، وسوف يسجلها التاريخ كوصمة عار للنظام السوري وروسيا ومن شاركهم بذلك، بما فيها الأمم المتحدة وهو بمثابة سرقة وطن من أصحابه الأصليين، وهو فعل لجأ إليه النظام بعد محاولات منه لترويض هذا الشعب وثنيه عن ثورته ولجمه وإعادته لنمط الحياة التي يفضلها النظام، الذي يعتبر البلد بما فيها مزرعة عائلية خاصة” وأضاف حلاوة ” إن هذا الفعل يتعارض بالأساس مع مقومات قيام الدول و استمرارها ( الأرض والشعب والسلطة الحاكمة) وباقتلاع جزء كبير من الشعب من أرضه فإن ذلك سوف يهدد وجود ذلك الوطن كلية ، من هنا تأتي خطورة هذه الجريمة ، وتأتي استحالة استمرار النظام بهذا التهجير وبأشكاله المختلفة، سواء كان قسريًا أو غير ذلك، وعبر أساليب أخرى، باعتبار أن ذلك يهدد بقاء الدولة واستمرارها .أما بالنسبة للمهجرين فلا شك أنهم يعيشون حياة قاسية في الداخل السوري أو في مخيمات دول الجوار، أو في دول العالم قاطبة ، و تتفاوت صعوبات الحيات حسب الدولة و المكان الذي لجأوا إليه، وهذا ما يدفعهم للتفكير بالعودة، عندما تسمح الفرصة بذلك، وهذا ما يجعل أغلب المهجرين السوريين مشروع عائدين إلى الوطن”.
الكاتب الصحفي مصطفى السيد أعاد المسألة إلى رؤيته حيث قال لجيرون ” تواصل عمليات التهجير القسري في سورية مع تواصل الحرب في إطار عمليات التغيير الديموغرافي ضمن عملية إعادة تشكيل الهندسة السكانية التي يريد لها بعض أطراف الصراع الإقليمي والطائفي أن تكون مطبقة على لون واحد من السكان، ومنذ اتفاق حمص المشؤوم الذي قبل بإخراج السكان و المقاتلين من المدينة القديمة توالت عمليات التهجير القسري بشكل منهجي بترتيبات منسقة مع بعض القوى السياسية التي تتغطى بالغطاء الثوري، والتي شاركت قوى في النظام في جرائم التهجير وساهمت في فترة تالية الأمم المتحدة برعاية وتنفيذ عدد من جرائم التهجير القسري وتبادل السكان، في إطار تبادل الأدوار لإتمام سيناريوهات الحلول المخططة لسورية ” وأضاف قائلًا ” ما جرى في حرستا و حمورية وجوبر من عمليات تهجير سكاني مدعوم من القوى الطائفية الشيعية الممولة من إيران، يبين أن خطط إيران لتدمير البنية الوطنية في سورية ما تزال متواصلة، وما تزال تجد لها حلفاء لدى بعض قوى النظام التي ربطت مصالحها وبقائها بالمحور الإيراني ذي التطلعات الفارسية، للتوسع في الأجزاء الشمالية من بلاد العرب،و تأتي اتفاقات حركة أحرار الشام للانسحاب من حرستا و حمورية وجوبر لتظهر بوضوح الدور الفعال الذي نجحت فيه هذه الحركة بالمساهمة في عمليات التهجير القسري، وبيسر تقبل التفاوض حول هذه المسألة مع النظام، وإن اتفاقات “هيئة تحرير الشام” كذلك مع النظام في مسألة التغيير الديموغرافي تبدو نتائجها الكارثية في الرحلات المتواصلة للباصات الخضراء التي تقل المقاتلين والسكان ،ثم ظهر فيلق الرحمن في اتفاقات حرستا كلاعب إضافي في عملية التغيير الديموغرافي إذ أنه اتفق على سحب مقاتليه مع عائلاتهم إلى الشمال، وترك حاضنته الشعبية بلا أي ضمانات حتى في عملية الخروج غير الآمنة، في الوقت الذي سلم فيها خرائط الأنفاق بدون مقابل للمجتمع والحاضنة الشعبية، التي تذرع بها طوال السنوات السبع الماضية” وأكد أيضًا على أنه ” تكشفت مواقف بعض القوى الطائفية في مفاصل النظام عن تواصل منهج التوحش لديها واستعار المشاعر الطائفية التي خططت لاستباحة أموال السكان وتعفيش بيوتهم كهدف وحيد لها في هذه الحرب التي لا يريدون انتهاءها، ومع انكشاف حالة الارتزاق التي تضبط إيقاع بعض القوى والفصائل أصبح جليًا أن على مدعي تمثيل السوريين إعادة القرار إلى شعبهم، وإعادة بناء تحركهم في وجه الطغيان، بكل ألوانه وأشكاله، باعتبار الطغيان هو المؤسس لمنظومة النهب التي حكمت سورية خلال السنوات الخمسين الماضية، وباعتبار أخلاق منظومة النهب انتقلت إلى بعض صفوف الفصائل المسلحة التي أصبحت في معظمها منظومات من المرتزقة لم يعد يهمها السكان ومصالحهم، و لم يعد يهمها إلا زيادة دخلها الناتج عن مساهماتها في عمليات حصار السوريين، وعمليات تهجيرهم. كل ما يجري لتحطيم البنية الديموغرافية في سورية لن يصل إلى أهدافه بل سيقوي عناصر القوة الوطنية المرتكزة على التنوع فلن يستطيع حزب الله الاستمرار إلى الأبد في احتلال القصير وتهجير أهلها وسكانها ولن تستطيع إيران الاستمرار إلى الأبد في الإنفاق على قوى غير قابلة للحياة في سورية ولن يستمر إلى الأبد الاندفاع الروسي لحماية منظومة نهب ستشكل عبئًا لا يمكن الاستمرار بحمله مع توقف القتال، ولقد ساهمت معظم التكتيكات القتالية للفصائل العسكرية بالانتقال إلى منظومات سيطرة على الأرض في خدمة انتصار تكتيكات الفريق الآخر، بدءً من أبجدية نظم السيطرة بلا غطاء جوي وانتهاء بالتخلي عن تكتيكات حروب العصابات في مواجهة جيش مهلهل، سيواصل الشعب السوري كفاحه لتحقيق حريته وسيبدأ بتحقيق أهدافه بدءً من اللحظة التي ستستعيد فيها كل قرية ومدينة قدرتها على اختيار برامج أبنائها الانتخابية لخدمتها لأربعة أعوام.”
أما الكاتب السوري عبد الرحيم خليفة تحدث بقوله ” لنقرر أولًا حقيقة تاريخية وهي أن مناطق عديدة في العالم تعرضت لسياسات التهجير القسري والتغيير الديمغرافي لأسباب وأطماع ومصالح اقتصادية أو سياسية أو دينية، نجحت وأصبحت واقعًا معترفًا به ومعمولًا به بمرور الزمن، ما يفعله النظام، ومن خلفه إيران وميليشياتها، للأسف، سيرتب حقائق جديدة من الصعب العودة عنها بغير توفر عوامل عديدة مرتبطة بنهاية هذه الصراعات، أهمها العدالة والاستقرار والأمن”. وأضاف خليفة ” الخوف من عمليات التهجير وآثارها لا يقتصر على المشروع المذهبي بل الغموض الذي يكتنف مصير هؤلاء خصوصًا إذا ما كان مصيرهم الذوبان في المجتمعات الجديدة، الأوربية وما تحمله من ثقافات مختلفة لها انعكاسات خطيرة على الهوية الوطنية، ومستقبل المهجرين قسريًا مرتبط بشكل وثيق بالمدى الذي سينتهي فيه الصراع وما سيسفر عنه، والخوف كل الخوف والقلق كل القلق على سورية وتركيبتها الحالية ومستقبلها مع ما هو حاصل من تقاسم مناطق نفوذ قد تقود إلى تقسيم وتفتيت الكيان الحالي”
المصدر : جيرون