عبد الباسط حمودة
تداعياتٌ واضحة في المنطقة العربية (العراق ولبنان وسورية والسودان وتونس واليمن وليبيا)، ترتّبت على موافقة الدول الغربية- الولايات المتحدة وألمانيا وبريطانيا وفرنسا- ومعها الصين وروسيا، على فصل سياسات إيران الإقليمية عن مفاوضات فيينا النووية، حيث تتصرّف إيران ووكلاؤها بتوتّر ومكابرة على السواء.
إن مفاجأة الانتخابات العراقية أوضحت السأم من الميليشيات والأحزاب التابعة لطهران، ويثبت أن رجال “الحرس الثوري” الإيراني وأذرعه يتسلّحون باستقتال إدارة بايدن والحكومات الأوروبية ومعها الصين وروسيا على إرضائهم من أجل إحياء الإتفاقية النووية.
تحدثت وما زالت تتحدّث أوساط مطلعة دولية عن حركة تصدير واستيراد غير شرعي من مرفأ بيروت، ليس فقط إلى سورية بل أيضاً إلى إيران، والكلام ليس محصوراً عن النيترات، التي بات معروفاً أنها استُخدِمَت في البراميل المتفجرة القاتلة التي أسقطها نظام الجريمة في دمشق على معارضيه والشعب السوري الثائر، وإن نفس الأوساط تتخوف من الكشف عمّا كان يمرّ عبر مرفأ بيروت إلى إيران من مواد كيميائية، وقطع غيار وإلكترونيات وأجهزة للصواريخ، ومواد “حسّاسة” لبرنامج إيران النووي، فأي وثائق أو مستندات توثّق مرور مواد “حسّاسة” ذات علاقة بالبرنامج النووي الإيراني عبر مرفأ بيروت قد تعرّض المفاوضات النووية لانتكاسة، لذلك، ممنوعٌ على التحقيق في تفجير مرفأ بيروت أن يتوصّل- ولو عن طريق الخطأ- إلى الوثائق التي يُقال إن الكثير منها أُحرق بعد الانفجار.
تدمير الأدلّة وحجبها، تقول المصادر، مسألة فائقة الأهمية ولا هامش للمغامرة فيها عبر التحقيق الذي يتولاه القاضي اللبناني ’’طارق البيطار‘‘، ومن الأفضل للجميع أن يُمحى كامل الموضوع من الذاكرة، حسب الجهات المتعاطفة مع إيران ونظام البراميل، فهناك تفاصيل عديدة ستؤدي للمزيد من الضرر لجهاتٍ عديدة، لذلك فإن نسف التحقيق بات الأولوية القاطعة للثنائي الشيعي الذي يرفض مثول وزرائه أمام المحقق العدلي طارق البيطار. علماً بأن المطلوبين للمثول أمام العدالة يشملون “نهاد المشنوق” و”يوسف فنيانوس”. إن قصّة مرفأ بيروت هي المدخل لعواقب أكبر بكثير من المشكلات التي تثيرها زوبعة التحقيق وكف يد ’البيطار‘ عنه، هكذا ارتأت قيادة الثنائي الشيعي وارتأى الحرس الثوري الإيراني محو القصّة برمّتها مهما كان مكلفاً اليوم؛ فإن بقيت القصّة حيّة فستكون كلفتها ثلاثة أضعافٍ غداً.
و ’’طارق البيطار‘‘ بات خطيراً عليهم، لأنه يحوك حكاية مرفأ بيروت بأدلة ووثائق تشكّل مشكلة كبيرة لطهران وذيلها ممثلاً بالثنائي الشيعي في لبنان، إنه بات مشكلة كبيرة لهم، فإذا لم يكن في الاستطاعة حلّها، فلا بد، في رأيهم، من محوها بلا تردد! فلا خوف من أي تداعيات محليّة أو دوليّة، لأن قراءة طهران للمشهد الدولي تفيد بأنها انتصرت في تدجين الأوروبيين، لدرجة انسياقهم إلى غض النظر عن جريمة ضد الإنسانية، وتمكّنت من تكبيل الأميركيين في عهد جو بايدن لدرجة ضمان الإفلات من العقاب، مهما فعلت من سحقٍ وقبعٍ ومحوٍ لقصة مرفأ بيروت المرعبة، المكملة لسحق وقبع ومحو أهداف الانتفاضات وثورات الشعوب العربية والسكوت على التدمير المرعب لسورية وشعبها بأيدي حليفهم المجرم القابع في دمشق والسكوت على التطبيع معه المشابه للتطبيع مع إيران والكيان الصهيوني ونفطه.
تكتمل التمثيلية سورياً وفق المصمَّم الروسي باللجنة الدستورية، لتجاوُز مَسار مفاوضات جنيف القائم على أسس الشرعية الدولية، الممثلة بقرارات مجلس الأمن، مما يعني إمكانية تجنُّب التقيُّد بهذه القرارات، وعبر المماطلة وسياسات المط والشقشقات اللفظية بما فيها تلك الدولية المؤدية للفشل تلو الفشل، دون أن تهتز للمشاركين تحت اسم المعارضة أي قصبة للمراجعة والقطيعة مع هكذا مفاوضات بائسة، ليكون في النهاية الدَّفْع نحو تسوية تضمن بقاء سلطة أسد مع إجراء بعض الإصلاحات الشكلية من داخل نظامه الإجرامي، عبر زبانية ومَرْجعِيَّة اللجنة الدستورية المهترئة والفاشلة بعيداً عن القرارات الدولية.
إن غاية ذلك هي تجنيب سلطة أسد وشركائه المُحاسَبةَ أيضاً كما الثنائي الشيعي، وتحمُّل المسؤولية في المَحْرَقة السورية، باعتبار أن شروط التسوية التي تستجيب للقرارات الدولية لم تتحقق بعد، ولذلك يسعى الروس والإيرانيين ومعهم الراعي الصهيوني عبر لقاء موسكو بين بوتن ورئيس وزراء الكيان الغاصب، بجميع الوسائل لتجاوُز هذه العقبة وشراء الوقت لأكثر مدة ممكنة، مع بقاء واشنطن الباب مفتوحًا على أكثر من خيار عبر تعبيرها الملتبس بتغيير سلوك النظام.
ومع انطلاق إعادة الإصطفاف الدولي، فإن التقدير الآن أن يكون الصراع القادم جيو– إقتصادي، بعدما ارتسمت خطوط التماسّ الجيوسياسية، وسيتمحور حول “كعكة” إعادة الإعمار (في سورية والعراق واليمن وليبيا) ومشاريع الطاقة وخطوط نقلها، إضافة إلى المعابر المائية والموانئ، فلقد دفعت شعوبنا العربية ثمناً باهظاً للصراعات الجيو- سياسية التي خطفت منا حلم الحرية والكرامة والتغيير، ومن المتوقع أن ندفع ثمن إعادة الإعمار للأطراف نفسها التي تسحب جيوشها الآن إلى الخلف، وتدفع بشركاتها المتعددة الجنسيات إلى الأمام؛ فهل هناك مأساةٌ، بل صفاقة وعهر دولي، أكبر من ذلك؟
إن مسؤوليتنا الذاتية كشعوب ثارت مطالبةً بالحرية هي استنهاض جديد لمشروع التغيير الديمقراطي للتحرر الذي حملته ثوراتنا، والذي يبدأ بمعالجة مشكلاتنا وأمراضنا الفكرية والسياسية والاجتماعية، ومواجهة أشكال التشويه والإفساد التي أساءت لها ولتضحياتها العظيمة كمدخل لبناء أدواتها، فهل نكف عن انتظار الفرج والخلاص من الخارج؟
المصدر: اشراق