شارلز ليستر
رغم تركز الاهتمام الدولي بشكل مباشر على الحرب في أوكرانيا، اجتمع ما يزيد على 75 دولة ببروكسل في 10 مايو (أيار)، تعهدت بشكل جماعي بتقديم 6.7 مليار دولار لجهود المساعدات الإنسانية في سوريا.
وجاء هذا المبلغ الضخم أكبر بكثير مما كان متوقعاً، وسلط الضوء على أن المجتمع الدولي لا يزال مدركاً لمدى الحاجة الماسة للمساعدات الإنسانية في جميع أنحاء سوريا.
والحقيقة أن الأزمة الإنسانية في سوريا لم تكن بالسوء ذاته الذي هي عليه اليوم، مع احتياج ما لا يقل عن 14.6 مليون سوري (أكثر من 70 في المائة من السكان بالبلاد) لمساعدات خارجية لتلبية احتياجاتهم الأساسية.
ومع استمرار الأزمة الاقتصادية في سوريا واستمرار التضخم في شل حركة الليرة السورية (التي تقدر قيمتها بنحو 4000 ليرة مقابل دولار أميركي واحد)، بدت التوقعات المرتبطة بسوريا والسوريين عام 2022 مريعة بالفعل. إلا أن الاجتياح الروسي لأوكرانيا أدى إلى حدوث أسوأ سيناريو ممكن على جبهات عدة، خصوصاً فيما يتعلق بالأمن الغذائي. وفي ظل ارتفاع أسعار الغذاء العالمية، اضطر برنامج الغذاء العالمي إلى خفض حجم سلال الغذاء المقدمة إلى سوريا، من 1300 سعرة حرارية إلى 1170، هذا الشهر. ومن المتوقع أن يأتي إنتاج القمح المحلي في سوريا أقل من أي وقت مضى خلال عام 2022، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى الجفاف، لكن في الوقت ذاته نجد أن الإمدادات التكميلية من روسيا (الموجهة للنظام) وأوكرانيا (الموجهة لبرنامج الغذاء العالمي) لم تعد متوافرة الآن.
ومع توقع بعض الخبراء لظهور ظروف المجاعة المحتملة في وقت لاحق من عام 2022، من المشجع أن نرى أن إدارة بايدن قد وضعت الأمن الغذائي على رأس جدول أعمالها خلال فترة رئاستها لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة هذا الشهر. بجانب ذلك، توجه السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة، ليندا توماس غرينفيلد، اهتماماً كبيراً للقضية المثيرة للجدل المتعلقة بوصول المساعدات عبر الحدود إلى شمال سوريا، وهي قضية مطروحة للتصويت في مجلس الأمن خلال يوليو (تموز). وأعربت مصادر دبلوماسية عن اعتقادها بأن من المرجح أن تستخدم روسيا حق النقض (الفيتو) ضد هذا القرار الذي يفرض وصول المساعدات عبر الحدود السورية، وهي خطوة من شأنها أن تؤدي إلى مأساة إنسانية فورية وغير مسبوقة لأربعة ملايين شخص يعتمدون في الوقت الراهن بشكل كامل على إمدادات مساعدات الأمم المتحدة في شمال غربي سوريا.
وراء الكواليس، يجري بذل جهود لتوسيع المناقشة متعددة الأطراف حول المساعدات عبر الحدود في سوريا، في محاولة لردع موسكو. والملاحظ أن الحرب في أوكرانيا، والانهيار الناتج عنها في العلاقات بين روسيا والغرب، قد قضت على نحو يكاد يكون مؤكداً على أي احتمالات لدبلوماسية ثنائية بناءة ومثمرة بين الولايات المتحدة وروسيا، وهي جهود دبلوماسية سبق أن حالت دون استخدام حق النقض الروسي في يوليو (تموز) 2021.
ومهما كانت القنوات والآليات التي يجري حشدها خلال الأسابيع المقبلة، يظل من الضروري للغاية التوصل إلى قرار للحفاظ على إمدادات المساعدات الموجهة للملايين المحتاجين لها في شمال سوريا.
من ناحية أخرى، فإن أي ترتيب من هذا القبيل سيتطلب مشاركة كاملة من تركيا، التي تعد حكومتها استقرار شمال غربي سوريا قضية أمن وطني وجودية. ومن الممكن كذلك أن تتمكن تركيا من التفاوض مع روسيا للحصول على ما تريده، لتأمين استمرار إمدادات المساعدات من الأمم المتحدة. إلا أن إغلاق أنقرة مضيق البوسفور أمام السفن العسكرية الروسية والمجال الجوي للطائرات العسكرية الروسية، أدى إلى تعقيد الأمور بشكل كبير. وفي ظل هذه البيئة، يبدو أن العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا قد شرعت في السير على طريق التعافي البطيء، وذلك مع طلب إدارة بايدن للتو من الكونغرس الموافقة على صفقة كبيرة لبيع أسلحة لتركيا، يجري النظر إليها على نطاق واسع باعتبارها خطوة أولى نحو بيع طائرات مقاتلة متطورة من طراز «إف ـ 16».
ومع مرور عام على الانتخابات العامة في تركيا، ينطوي إعلان الرئيس إردوغان الأخير عن خطط لإعادة توطين مليون لاجئ سوري داخل شمال سوريا، على مخاطرة تعقيد هذا الاتجاه الأخير نحو تعزيز التعاون والعمل متعدد الأطراف. وفي الوقت ذاته، كشفت استطلاعات الرأي، عبر سنوات متتالية، عدم وجود اهتمام يذكر في أوساط اللاجئين السوريين بالعودة إلى سوريا، بسبب مخاوفهم على أمنهم الشخصي، ناهيك بالتحديات الاقتصادية الحادة في جميع مناطق البلاد. وفي الوقت الذي تقف فيه خلف تصريحات إردوغان بوضوح دوافع تتعلق بالسياسات الداخلية، خصوصاً في ظل انتشار الاستياء الداخلي في تركيا تجاه مجتمع اللاجئين السوريين، فإنه يعكس كذلك استراتيجية تركيا الأمنية طويلة الأمد تجاه شمال سوريا، والقائمة على إنشاء ما يسمى «منطقة آمنة».
في نهاية المطاف، يخاطر إردوغان بانتهاك حقوق الإنسان الأساسية لملايين السوريين المقيمين بتركيا في الوقت الراهن، علاوة على أن موقفه، ببساطة، غير عملي. وإذا كان أكبر مخاوف تركيا حدوث زعزعة استقرار شمال غربي سوريا، فإن إجبار مئات الآلاف من اللاجئين على العيش في منطقة فقيرة قابلة للاشتعال في أي وقت، ويقطنها ملايين النازحين، يبدو مساراً مؤكداً نحو تحقيق هذه المخاوف.
في السنوات الأخيرة، بذلت المنظمات غير الحكومية (خصوصاً التركية والقطرية) جهوداً هائلة لبناء «قرى» كاملة و«بلدات» من الوحدات السكنية لتوفير ظروف أكثر أماناً للنازحين في إدلب وشمال حلب. وتعد هذه المبادرات خطوة حيوية لتحسين الآفاق والإمكانات أمام ملايين الأشخاص الذين يتعرضون كل شتاء لخطر التجمد برداً حتى الموت داخل الخيام. ومع ذلك، يبدو أن بعض هذه الوحدات السكنية هي الوجهة التي يقصدها إردوغان في خطته للاجئين السوريين في تركيا، وهو أمر يبدو دون منطق، ويجب منعه.
وما من شك في أن الضغوط التي فرضت على جيران سوريا بسبب تدفقات اللاجئين السوريين كانت شديدة وغير مستدامة، مثلما توضح التعليقات الواردة من الأردن ولبنان وتركيا جميعها الآن. إلا أنه في الوقت ذاته، لا يمكن تجاهل حقيقة أن اللاجئين السوريين لا يرغبون في العودة. في الوقت ذاته، فإن إجبارهم على القيام بذلك سيكون بمثابة جريمة ذات أبعاد دولية. لذا، فإن الحل الوحيد يكمن في إطلاق مبادرة دولية كبرى لدعم مجتمعات اللاجئين على نحو أفضل، ولتوجيه المساعدات إلى النازحين السوريين في البلاد نحو المساعدة الاستراتيجية التي تهدف إلى تعزيز الإسكان ووسائل الاكتفاء الذاتي.
ومع نتائج بروكسل الواضحة والحاضرة في أذهان الجميع، حان الوقت الآن لبدء هذه المناقشة ـ والمؤكد أنه سيكون من الأفضل البدء متأخراً عن عدم البدء على الإطلاق.
المصدر: الشرق الأوسط