نداف ايال
نزع فلاديمير بوتين القفازات في أوكرانيا منذ زمن بعيد، ويتخلى الآن عن الخجل أيضاً. فالهجمات على كييف في الأسابيع الأخيرة تستهدف زرع الرعب بأسلوب قصف لندن. ظاهراً، يهاجم الروس “أهداف بنى تحتية”، فيضربون توريد الكهرباء والمياه ويحاولون إطلاق رسالة بأن تخريب جسر القرم لن يمر بسلام. عملياً، الهدف زرع الخوف. فاستخدام المسيرات الانتحارية في قلب مدينة كبرى في أوروبا يرمي إلى خلق ميزان ردع في الحرب – حرب تخسر فيها روسيا بشكل مهين، حالياً.
الدفاع الجوي – ضد الطائرات، والمُسيرات والصواريخ والمقذوفات الصاروخية، هو خاصرة لأوكرانيا الرخوة في الحرب، والسبب المركزي أن القصر الرئاسي في كييف يرفض الحديث مع القدس منذ أسابيع طويلة. غضب الرئيس زيلينسكي على إسرائيل هائل، وهو يتكبد عناء إظهاره في كل فرصة. وبالطبع، فإن دولاً غربية أخرى ترفض أو تجد صعوبة في توفير هذه القدرات التكنولوجية لأوكرانيا (الأمريكيون مثلاً رفضوا طلباً لبطاريات باتريوت رفضاً باتاً)، لكن التوقعات مختلفة من إسرائيل. يقول الأوكرانيون إنهم يعون بأن جهاز الأمن لا يمكنه أن يزود سلاحاً فتاكاً لدولتهم بسبب حساسية العلاقات مع روسيا، “لكن ما حجتكم على السلاح الدفاعي؟ وما هي حجتكم عندما يدور الحديث عن سلاح إيراني يقتل الأوكرانيين؟”، سأل مصدر ما في نهاية الأسبوع.
النقطة الأخيرة حرجة؛ طهران تنفي تدخلها في الحرب، لكن لا شك بأن لدى محافل الاستخبارات أن المُسيرات الانتحارية تنتج في إيران وتترافق وإرشاد إيراني في الميدان. هذا مثال استثنائي على قوة الجمهورية الإسلامية المستشرية، مثلما هو أيضاً على ضعف مذهل للروس – الذين اضطروا للوصول حتى إيران كي يتلقوا تكنولوجيا كان يفترض أن تكون في حوزتهم قبل سنوات عديدة.
في شهر آخر نشرت في هذه الصفحات أن خط الفصل في جهاز الأمن قد تم تجاوزه، وأمر رئيس الوزراء ووزير الدفاع بالسماح لمصدرين أمنيين إسرائيليين أن يبيعوا لأوكرانيا كل عتاد عسكري غير قاتل. كان الاستثناء المركزي استبعاد منظومات الدفاع الجوي على أنواعها. على هذه الخلفية، ينبغي فحص تصريح الرئيس الروسي السابق، العبد الطيع لبوتين ديمتري ميدفيديف. فقد قال أمس إنه “يبدو أن إسرائيل ستزود نظام كييف بالسلاح. خطوة عديمة المسؤولية. هذا سيدمر العلاقات بين الدولتين”.
كان التصريح، كما ادعت محافل في القدس، رداً على تغريدة للوزير نحمان شاي قبل بضعة أيام، قال فيها إنه في ضوء نقل صواريخ باليستية إيرانية إلى روسيا (موضوع غير مؤكد بالمناسبة)، على إسرائيل أن تمد أوكرانيا بمساعدة عسكرية مثلما يفعل أعضاء حلف الناتو. أما في القدس، فقد أوضحوا أمس، بعد ميدفيديف بأن تصريحات نحمان شاي لا تمثل موقف حكومة إسرائيل.
وعلى هذا ينبغي أن نقول ثلاثة أمور: الأول، أنه مع كل الاحترام لنحمان شاي، من الدارج أن يكون للحكومة موقف موحد في شؤون خارجية حساسة من هذا القبيل. الثاني، أن ثمة شكوكاً بأن تعقيب ميدفيديف جاء منحصراً على أقوال نحمان شاي؛ لأن موسكو تعرف كيف تشخص وزيرا غير رفيع المستوى من حزب العمل. والمعقول أكثر أن الروس يدركون بأنه تم اجتياز الحدود في ضوء تلقي مساعدة مباشرة من الإيرانيين، وهم معنيون برسم خط أحمر لإسرائيل – التي على أي حال شددت تصريحاتها تجاه الغازي الروسي. النقطة الثالثة مفهومة من تلقاء ذاتها؛ فإسرائيل تواصل اتباع خط يتمثل بأكل السمك الفاسد والتعرض للطرد من المدينة. الأوكرانيون غاضبون عليها لأنها لا تساعد؛ والروس يستعينون بالإيرانيين، ويعينونهم أيضاً – وبالتوازي يعملون ضد إسرائيل في جملة من الساحات.
فضلاً عن كل حملة انتخابات أو شعار، يجب أن تطلق المساعدة العسكرية الإيرانية للروس هنا نقاشاً استراتيجياً على الموقف من أوكرانيا. نقاش كهذا لن يكون في ذروة حملة انتخابات. ولكي نفهم مدى حيويته: الأوروبيون – الفرنسيون والبريطانيون وغيرهم – يدعون لعقوبات جديدة على إيران بسبب ارتباطها بالروس وتوريد مُسيراتها لآلة حرب الكرملين. تتعاظم إمكانية فشل الاتفاق النووي نفسه بسبب هذه المساعدة مثلما أيضاً استمرار المقاومة الداخلية الشجاعة ضد الدكتاتورية الإسلامية.
من يبحث عن الفريضة الأخلاقية، يجدر به أن ينظر إلى القصة التي نشرتها وكالة الأنباء “اسوشيتد برس” قبل بضعة أيام. كان عنوانها “كيف تختطف موسكو أطفالاً أوكرانيين”. آلاف الأطفال، كما يروي التحقيق الصحافي، وجدوا في أقبية في مناطق يسيطر عليها الروس، أو في ماريوبول المدمرة. ادعت موسكو بأن هؤلاء أطفال بلا أهالي، ولهذا فإن الروس يعتنون بهم؛ أما وكالة الأنباء فتقول إن لبعض الأطفال أهالي وعائلات، وهم ينقلون إلى روسيا أو إلى مناطق تحت سيطرتها غصباً، ويرسلون إلى التبني لدى عائلات روسية ويتلقون مواطنة روسية. ماضيهم يشطب، ويستخدمون كوسيلة إعلامية. يقول مراسلو أ.ب إن هذا “مؤشر على قتل شعب، ومحاولة إبادة هوية دولة عدو”. هذه هي المرحلة التي وصلت إليها الحرب في أوكرانيا، التي وصل إليها الروس: سرقة الأطفال.
المصدر: يديعوت أحرونوت /القدس العربي