قضية المعتقلين قضية كبرى، مازالت تراوح بالمكان حيث لم تستطع مؤتمرات أستانا جميعها، أن تمسك بحيثياتها، أو تلامس أي معطى إيجابي فيها، فقد تم ترحيل قضية المعتقلين من استانا إلى شهر حزيران القادم، حيث ستجتمع لجنة من الدول الضامنة الثلاث، في أنقرة وتحاول أن تمسك بالملف وصولا الى وضع اقتراحات بالحلول لها.
وهذه المسألة التي تمتلك أهمية قصوى لدى السوريين، وتعتبر من القضايا الإشكالية والصعبة الحل، نحاول اليوم الوقوف معها وبين ظهرانيها، حيث سألت جيرون رئيس وفد المعارضة إلى أستانا كما وقفنا مع شخصيات من المعارضة التي ترفض منتجات أستانا حيث لا ترى فيها أي أمل بالحل.
فقد أكد الدكتور أحمد طعمة أن موضوع المعتقلين سبق وطرح في اجتماع أستانا قبل الأخير أن ” أول تحرك جدي واضح المعالم في ملف المعتقلين كان في الاجتماع قبل الأخير في ٢١ كانون أول/ديسمبر ٢٠١٧ وفيه أقر تشكيل مجموعة العمل الخاصة بالمعتقلين وهي الخطوة الأولى، والتي على أساسها يقوم المشاركون بوضع الآلية التنفيذية، والتي بموجبها يتم البدء بإجراءات تبادل المعلومات والافراج عن المعتقلين.” وتابع طعمة ” جرت ثلاثة اجتماعات للدول الضامنة وبحثت موضوع الآلية التنفيذية وتقدموا فيه خطوات، وإن كانت أقل من المأمول، ذلك أننا كنا نطمح إلى أن يتم في الاجتماع الأخير التوقيع على الآلية التنفيذية، ولكن قيام النظام بالعرقلة، أدى إلى تأجيل الموضوع للاجتماع القادم في تموز”. لكنه أكد أيضًا عدم تفاؤله بقوله ” نحن لا نتوقع من النظام أي خير، ومالم يتم الضغط الشديد عليه فلن يستجيب، وبالنسبة للروس فظاهر الأمر يبدو أنهم راغبون بتحقيق تقدم ولكنهم لا يبذلون الجهد الكافي لتحقيق ذلك”. وعن أوضاع ادلب في أستانا قال طعمة ” تقديري أن ادلب اقتربت من دخولها منطقة الأمان، والجهود التركية كبيرة لتحقيق ذلك، أما درعا فقد تحولت إلى منطقة آمنة منذ شهر أيلول الماضي، بعد الاتفاق الأميركي الروسي، الذي أخرج المنطقة من منطقة تخفيض تصعيد، وحولها إلى منطقة وقف إطلاق نار كامل، وتقديري أن درعا في أمان، مع قلق فيما يتعلق بمعبر نصيب”. وانتهى طعمة إلى القول ” بشكل عام أنا متفائل بالمرحلة القادمة “.
لكن للمعارضة السورية المتمسكة بثوابت الثورة رأي آخر ومختلف في ذلك حيث أكد المعارض السوري عمر يونس قائلًا ” لا أتوقع أي شيء إيجابي إطلاقًا من كل من سلم رقبته وباع ضميره في أستانا، الا يكفي عدد الاجتماعات الفاشلة، حتى نتأكد من أن كل ما يجري داخل الغرف المغلقة من مؤامرة على شعبنا وضحك على لحى من عين نفسه خادمًا مطيعًا للروس والايرانيين والأميركان، لنتيقن أن كل هذه المظاهر ما هي إلا أوهام ومضيعة للوقت، ولو أن تلك (المعارضة) يهمها فعلًا أمر الوطن والمواطن، لكانت ومنذ البداية قدمت عريضة مطالبها “. وسألناه عن طبيعة المطالب التي يراها فقال يونس ” أولاها إطلاق سراح كل المعتقلين بلا قيد أو شرط، ثم تشكيل مجلس رئاسي من كافة ألوان الطيف السوري، تشرف عليه لجنة دولية محايدة، وكذلك محاكمة كل من تلوثت يداه بالدم السوري، وأولهم بشار الأسد، وأيضًا حل كافة الأجهزة الأمنية القمعية، وخروج كل المرتزقة المتواجدين على الأرض السورية، وعندما تتحقق هذه المطالَب نحن جاهزون للجلوس معكم إن شاء الله (في المريخ) للتفاهم على التفاصيل الباقية. وان لم تتحقق هذه المطالَب كاملة فنحن ننسحب ونعود إلى صفوف شعبنا المطالَب بحريته وكرامته”. وأضاف يونس ” سبعون عامًا والفلسطينيين في مفاوضات مع العدو الصهيوني والنتيجة القدس عاصمة اسرائيل، ألم يحن الوقت ليتعلموا، ولكن كيف لهم أن يتعلموا، وما هم سوى أجراء عند الأعداء”.
أما المحامي طارق حوكان فقال: ” سيبقى بند المعتقلين والمغيبين بندا ثابتا على جدول أعمال مسلسل أستانة وتنويعاته سواء كانت في انقرة أو سوتشي أو غيرها . تماما مثل بند دعم صمود الشعب الفلسطيني الموجود دائما على جدول أعمال الجامعة العربية والقمم العربية ودون أي ترجمة عملية له .
أستانا الأخير يحمل الرقم /9/ في سلسلة الاجتماعات وقضية المعتقلين موجودة على جدول الاعمال منذ الاجتماع الاول دون أي نتائج تذكر. وماتم ليس أكثر من مماطلة وتسويف لقضية تحمل أبعادا انسانية وحقوقية على مستوى عال من الأهمية وتشكل مفتاحا لاي حل سياسي يجري العمل عليه.
في أستانة /8/ تم تشكيل لجنة من أجل ايجاد آلية لمعالجة قضية المعتقلين، وأعتقد أن هذه الآلية لن تجد طريقها الى النور قريبا.
فقبل كل جولة من المباحثات يقوم الروس بإشاعة جو من التفاؤل الكاذب بأن هذه الجولة ستكون حاسمة فيما يتعلق بهذه القضية. ولكن الجولة تنتهي مثل سابقاتها دون أي نتائج ملموسة بسبب مماطلة النظام والدعم الايراني له في سلوكه هذا وأيضا بسبب غياب الضغط الروسي الحقيقي عليه لإيجاد حل حقيقي لهذا الملف.
ومع أن روسيا مارست ضغوطا على النظام لدفعه للتوقيع على ورقة المعتقلين في أستانة /8/ وهو ما تم فعلا، الا أن هذه الضغوط جاءت في سياق التحضيرات لمؤتمر سوتشي وتوفير العوامل اللازمة لنجاحه. واقتصر الامر على التوقيع الاتفاق على تشكيل للاتفاق على آلية للتعامل مع هذا الملف. وانتقلت المماطلة الآن الى عملية ايجاد هذه الآلية. ورأينا أنه تم ترحيلها الى الاجتماع القادم في تركيا.
ولذلك أعتقد أن هذا الترحيل ليس الا حلقة جديدة من المماطلة والتسويف التي يقوم بها النظام للتهرب من مسؤوليته في هذا الملف المهم لأنه يعلم أن ايجاد حل نهائي لقضية المعتقلين سيضعه أمام استحقاقات حقوقية وقانونية يعتقد أنه يستطيع التملص منها الى ما لانهاية.
ان الآلية الوحيدة التي نحتاجها لحل قضية المعتقلين هي آلية للضغط على النظام للإفراج عن جميع المعتقلين والمخطوفين وبيان مصير المغيبين قسريا وما عدا ذلك لن يكون مجديا.”
المصدر: جيرون