صهيب جوهر
تستمر التبعات السياسية المستقاة من الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وخاصة بما هو مرتبط بمسار العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران، في ظل التواصل القائم والقنوات الخلفية المستمرة بالعمل في سبيل الوصول إلى قواسم مشتركة.
والأكيد أن خط التواصل بين الجانبين لم ينقطع يوماً وخاصة منذ بداية عملية “طوفان الأقصى”، حيث يتبيّن عمق وصلابة العلاقة والمكتسبات المشتركة، التي تنعكس في تبرئة الأميركيين سريعاً من أيّ مسؤولية إيرانية عن العملية، وإبقاء إيران للمعارك ضمن قواعد الاشتباك المتفق عليها.
اتصالات وقنوات خلفية
في سياق ذلك قال مصدر دبلوماسي عربي لـ موقع تلفزيون سوريا إنّ اللقاءات الإيرانية الأميركية المباشرة وغير المباشرة عادت واستؤنفت في الأيام الأخيرة، بهدف الوصول إلى وقف إطلاق النار في غزة، واستكمال المفاوضات التي جرت بينهما.
وأضاف المصدر أن الأهم من ذلك كله أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن لا تحبذ لهذا الصراع في غزة أن يأخذ منحىً تصاعدياً في المنطقة، وهو أيضاً ما تلتزم به إيران وذراعها الأساسية أي “حزب الله”.
ويشير المصدر إلى أن الاتصال الهاتفي بين وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن ووزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت، كان حاسماً بما يخص الموقف الأميركي والذي حرص على تسريب مضامين الاتصال، وتصدير موقف واشنطن في عدم إقدام إسرائيل على أي تهور في الرد على حزب الله وباقي الفصائل المسلحة في الجنوب اللبناني، ومنع حصول تصعيد على الجبهة اللبنانية.
وبحسب المصدر فإنه وعلى الرغم من حديث غالانت عن أن الطائرات الحربية جاهزة لشنّ ضربة واسعة ضد أهداف لـ”حزب الله” في لبنان، إلا أن ذلك لم يحدث، ويعزو المصدر ذلك إلى ضبط واشنطن للاندفاعة الإسرائيلية، لذا لم يوسع الإسرائيليون ضرباتهم ضد الحزب على الرغم من أن الأخير تجاوز الخطوط الموضوعة في الاشتباك، منذ أيام، واعتبرت رداً على استهداف الجيش الإسرائيلي لقواعد الاشتباك وقصفه منطقة الزهراني القريبة من صيدا، وتمت العودة إلى القواعد السابقة بعدها.
في المقابل يؤكد مصدر أمني لبناني لـموقع تلفزيون سوريا أن هذا السياق لا يمكن فصله عن مضمون زيارة المبعوث الرئاسي الأميركي لشؤون أمن الطاقة آموس هوكشتين للبنان وإبلاغ المسؤولين رسالة واضحة بضرورة منع تطور الصراع والدخول في الحرب، والأكيد أن هذه الزيارة ترتبط مباشرة بتطورات الاتصالات بين إدارة بايدن والمسؤولين الإيرانيين.
ويربط المصدر زيارة هوكشتاين المفاجئة والسريعة للبنان قبل أيام، باستمرار القنوات المباشرة المرتبطة بحزب الله والتي نجح في إقامتها خلال مفاوضات ترسيم الحدود البحرية، وتحديداً المدير العام السابق للأمن العام عباس إبراهيم والذي يلعب أدوارا لصالح الحزب والنظام السوري، إضافة لنائب رئيس مجلس النواب إلياس بو صعب والمحسوب على أجواء الحزب، لتوجيه رسائل جديدة تتعلق بمسار الحرب في غزة وانعكاساتها في لبنان.
أثمان تتجاوز لبنان وسوريا
بالمقابل يشهد الموقف الأميركي تحولاً في تغطية الحرب على غزة، وهذا التحوّل مرده الرئيسي إلى أن إدارة بايدن والتي تعيش أزمات داخلية على أبواب الانتخابات الرئاسية بعد سنة ونيف، إضافة لحالة الانقسام العامودي الذي يعيشه المجتمع الأميركي على ضوء معركة غزة.
وبات جلياً أن لا أحد في إدارة جو بايدن يستطيع بعد مسلسل المجازر التي طالت الملاجئ والمستشفيات وتجمعات المدنيين، تبرير القتل والترويع ضد السكان، خصوصاً إذا استمر لفترات أطول، كذلك فإن الإدارة الديمقراطية باتت تأخذ بعين الاعتبار حالة الاحتقان العربي الرسمي والشعبي.
لكن أيضاً وخلف دخان الحرائق وغبار المعارك في قطاع غزة، وافقت واشنطن على تحويل 10 مليارات دولار أخرى إلى إيران، بإعفاء العراق من تسديد ثمن الكهرباء التي يستوردها من الأراضي الإيرانية.
يأتي هذا القرار بعد أسابيع قليلة من تحرير واشنطن مبلغ 6 مليارات دولار من أرصدة في كوريا الجنوبية، مقابل إطلاق رهائن وسجناء أميركيين كانوا في طهران بوساطة قطرية.
وكان لافتاً التبرير الأميركي بتحرير المليارات العشرة، بالحديث بأن الإعفاء السابق الذي منحته واشنطن لبغداد، انتهى قبل يومين، وكان لا بدّ من تجديده لمدة 4 أشهر أخرى، لكن هذا الإعفاء هو شبيه بإعفاء الـ6 مليارات منذ أسابيع، حيث لا تستطيع طهران استخدام الأموال المفرج عنها إلا في معاملات إنسانية وطبية ومواد غذائية، ولكن، هناك ما أوحى بوجود خلفية سياسية لهذا القرار، في ذروة الحرب المندلعة في غزة، وحدود لبنان وبعض الجبهات المحدودة.
وفي السياق لفت المصدر الدبلوماسي العربي إلى أن اللقاءات والنقاشات حاصلة بين واشنطن وطهران والتي تتقدم يومياً، حرصت طهران فيها على طلب تحرير بعض الأموال محتجزة لها في بعض الدول الأوروبية والتي يبلغ قيمتها أكثر من 21 مليار دولار أميركي، لكن المشاورات الحاصلة لم تصل إلى نتائج، حيث إن واشنطن تحرص على أن يكون أي مبلغ محرر من مصارف أجنبية غير ذاهب لتطوير البنية العسكرية لإيران أو إحدى أذرعها في سوريا ولبنان والعراق واليمن.
سياق دولي متصل بسوريا
وتشير المعلومات إلى أنه ومع انقشاع غبار المعركة يتحضر جو دولي وإقليمي فاعل يحمل عنوانا مركزيا وهو منع تكرار ما أحدثته حماس في 7 تشرين الأول 2023 في غلاف غزة مرة ثانية لكن في جنوبي لبنان.
لذا يجري البحث بمجموعة أفكار واقتراحات على صعيد دول فاعلة، وإن زيارة آموس هوشكتين إلى لبنان منذ أيام، في محاولة لاختلاق نموذج حماية جديد يشبه مشروع UNDOF بين الجولان والقنيطرة، أو ما طرح من قبل الإسرائيليين في سوريا، حول ضرورة انسحاب القوات الإيرانية من الجنوب السوري بعمق 40 كيلومتراً.
وعليه طرح هوكشتاين فكرة سحب الصواريخ الدقيقة وإبعاد قوات النخبة في حزب الله عن الحدود الجنوبية للبنان، وفق منطلقات القرار 1701 والذي لم يتم تطبيقه بسبب نشاط حزب الله المستمر في القطاع الغربي وفي القرى المحاذية للشريط الحدودي، وتشير المعطيات إلى أن واشنطن تسعى مع إسرائيل للاستفادة من الجو الدولي الداعم لأمن إسرائيل لتحقيق هذا المسار.
كذلك فإن الحرب الدائرة في غزة كشفت هذا الدور المحوري لجنوبي لبنان، وظهر جلياً أن أغلبية اللبنانيين بما فيهم بيئة حزب الله لا يريدون الحرب مع إسرائيل بالمدى المنظور. ويسعى حزب الله إلى تكريس الوقائع التي يريدها من دون حرب، إن أمكن، أي رئاسة جمهورية وتقدم في المواقع الرئيسية في الدولة اللبنانية حتى ولو على حساب حضور حماس في لبنان.
وهذا لا يمكن أن يحصل من دون توفر تقاطعات مع الأميركيين، ومؤشراتها تبرز انطلاقاً من القنوات الخلفية العاملة على التواصل بين الجانبين، لتجنب توسيع الصراع وتحويل ما يجري إلى حرب إقليمية.
في المحصلة بدأت أصوات داخل المحور الإيراني تتحدث عن ضرورة تخفيف الحضور الإيراني داخل الملف الفلسطيني، وعدم رفع مستوى التصعيد الإقليمي، وهذا يتلاقى مع رفض البيت الأبيض القيام برد أكثر عدوانية على الهجمات التي تستهدف القواعد الأميركية في سوريا والعراق. وهو ما يعزز الاقتناع بأن الأبواب باتت مفتوحة لإنجاز تسوية إقليمية عريضة ستستغرق مفاوضاتها وقتاً طويلاً بلا شك.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا