معقل زهور عدي
بالنسبة للتاريخ فنحن نحتاج لقراءته مع أقصى قدر ممكن من الموضوعية وذلك يعني الابتعاد عن إلباسه نظريات مسبقة الصنع في تفسير انبساطه مع الزمن ، ان نفهم التاريخ وفق صيرورته الخاصة وقوانينه الداخلية وليس وفق محاكمة اشخاصه والانطلاق من قوالب جاهزة لوضعهم داخلها ، نحن لا ينبغي ان نلوي عنق التاريخ لإجباره على السير وفق رغباتنا الايديولوجية او ما يدفعنا اليه شعورنا الذاتي المتلبس بهيئة حقائق مطلقة مستمدة من وعي مفوت ، للتاريخ منطقه الخاص الذي يمكن ان نفهمه فقط حين نضع جانبا ليس افكارنا المسبقة ولكن ايضا وبذات القدر مشاعرنا التي تدفعنا نحو محاكمته بدلا من اكتشافه في سياقه الخاص الطبيعي . في السابق وقعنا في تقديس التاريخ فلم نعد نرى فيه سوى جوانبه المشرقة ، تميزنا ، وانجازاتنا ، واليوم تنمو نزعة لا تقل وهما ولكن في الاتجاه المعاكس ، نزعة لا ترى في التاريخ سوى جوانبه المظلمة السوداء ، وهي بذلك لا تقل في لاعقلانيتها عن النزعة التقديسية السابقة ، تاريخنا ليس هذا ولا ذاك بل هو يتضمن الانتكاسات والانجازات ، الشرور والمآسي والبطولات والمجد ، يتضمن الصعود والهبوط وافضل ما نفعله هو فهمه كما هو وليس كما نحب ان يكون او ما نسقطه عليه من خلفيات ومشاعر ذاتية اسوأ فهم للتاريخ هو ذلك الذي يصر على اسقاط مفاهيم القرن الحادي والعشرين وقيمه التي لم تكن سائدة حتى الأمس القريب على احقاب تاريخية شهدت سيادة مفاهيم وقيم مختلفة ، فاحترام حدود الدول مثلا نشأ وتبلور بصيغة قانون دولي بعد الحرب العالمية الثانية ، اما قبل ذلك فرغم ان ذلك الاحترام كان موجودا بعد الحرب العالمية الاولى لكنه كان ما يزال ضعيفا ومختلطا بنزعة تبرير الاستعمار باعتباره رسالة تمدين للشعوب ، وضمن وجود تلك النزعة تمت قوننة حق الفتح بمفهوم الانتداب الذي وضع كرسالة تمدن للشعوب المتأخرة في حين كان الجميع يعلم جيدا انه ليس سوى غطاء قانوني لاقتسام غنائم الحرب ..
المصدر: صفحة معقل زهور عدي