عدنان علي
تعتبر الحدود بين الدول أحد أبرز رموز السيادة لكل دولة، ولا تكتمل هذه السيادة إذا لم تتمكن الدولة من السيطرة الكاملة على حدودها البرية والبحرية والجوية، ذلك أن أي خلل في هذه السيطرة قد يعرض البلاد لمخاطر أمنية واقتصادية عدة، وما يحمله ذلك من تبعات سياسية يجعل هذه الدولة في مصاف الدول الفاشلة.
في سوريا، كانت للحدود خلال العقود الماضية مهام أخرى، إضافة لوظيفتها التقليدية، تعكس طبيعة النظام السياسي السائد والقائم على الفساد والأعمال غير النظامية. إذ يتطلع مسؤولو النظام دائمًا إلى ما وراء الحدود لاقتناص ما في جيوب الوافدين من سوريين وعرب وأجانب، مستفيدين من السمعة السيئة بأنك في بلد “الداخل فيه مفقود والخارج مولود”، والأسلم لك تاليًا أن تدفع بالتي هي أحسن.
إن استهداف المعابر الحدودية لا يشكل ضغطًا على حزب الله فحسب، بل على النظام السوري، ومجمل السوريين، ذلك أن هذه المعابر هي المتنفس شبه الوحيد للمناطق التي يسيطر عليها النظام.
وخلال العقود الماضية، كان ضباط الجمارك والأمن يتنافسون على أن يتم فرزهم إلى أحد المعابر الحدودية بغية الحصول على المغانم المتوقعة، ولا يترددون في إدخال أي من الممنوعات، سواء كانت سلعية أو سلاحًا أو مخدرات، بمقابل معلوم يتقاسمه القائمون على الحدود مع مسؤوليهم في إداراتهم المركزية سواء في دمشق، أم اللاذقية، أم حلب وغيرها.
وبعد قيام الثورة السورية عام 2011، فقد النظام أكثر من نصف المعابر الشرعية التي كان يسيطر عليها، أي نحو 12 معبرًا من أصل 22 معبرًا، وبقي لديه عشرة معابر مع لبنان والأردن والعراق، وجميعها تعمل بالآلية السابقة القائمة على الفساد.
غير أن الجديد في قضية المعابر، أنها باتت اليوم هدفًا دائمًا للقصف الإسرائيلي بحجة أنها تُستخدم لنقل السلاح الإيراني من سوريا إلى حزب الله في لبنان، وقد تم تحييد ثلاثة معابر على الأقل من أصل ستة بواسطة القصف الإسرائيلي، ومن ضمنها المعبر الأهم في جديدة يابوس المسمى “المصنع” في الطرف اللبناني. وقد أدى هذا القصف إلى تعطيل جزئي في حركة النزوح من لبنان إلى سوريا سواء للنازحين السوريين العائدين إلى بلدهم هربًا من الحرب أم النازحين اللبنانيين، فضلًا عن شلّ الحركة الاقتصادية بين البلدين. كما عطّل القصف حركة الراغبين في مغادرة سوريا، الذين عادة ما يستخدمون مطار بيروت للسفر إلى البلدان الأخرى، مما جعل الحركة تتجه إلى مطار عمان في الأردن، الأمر الذي استدعى إعادة تنشيط معبر نصيب الحدودي، الذي يُدار بالطريقة نفسها، أي ابتزاز الوافدين والمغادرين ماليًا وأمنيًا، فضلًا عن شبهات استخدامه لتهريب المخدرات باتجاه الأردن ومنها إلى دول الخليج العربي.
والواقع أن الذرائع الإسرائيلية بأن المعابر الحدودية الرسمية تُستخدم لتهريب السلاح من سوريا إلى لبنان لا تبدو وجيهة، كما تفيد تقارير محايدة، وكما يخبر بذلك المنطق السليم، فمن غير المعقول أن يتم تهريب السلاح على مرأى من المسافرين المدنيين.
والأرجح، كما تفيد تقارير عدة، أن عمليات تهريب السلاح تتم عبر معابر غير شرعية ينتشر العشرات منها على طول الحدود السورية اللبنانية. ولطالما استُخدم بعضها في عمليات التهريب خلال العقود الماضية لمختلف أنواع البضائع، حين كان لبنان هو المتنفس الوحيد للسوريين إزاء سياسة الخنق والمنع التي كانت سائدة في عهد الأسد الأب، وخلال السنوات الأولى من عهد الأسد الابن.
إن استهداف المعابر الحدودية لا يشكل ضغطًا على حزب الله فحسب، بل على النظام السوري، ومجمل السوريين، ذلك أن هذه المعابر هي المتنفس شبه الوحيد للمناطق التي يسيطر عليها النظام، المشلولة اقتصاديًا والمخنوقة اجتماعيًا، وقد زاد على ذلك تدفق اللاجئين السوريين واللبنانيين إلى سوريا هربًا من الحرب. وهذا تطور سعى النظام كعادته إلى استثماره سياسيًا واقتصاديًا، بغية التعويض عن عدم وقوفه إلى جانب حليفه حزب الله، وهو يتلقى الضربات الإسرائيلية، بالإشارة إلى أنه يحتضن حاضنته الشعبية، وعلى أمل أن يشكل تدفق اللاجئين، كما حادثة الزلزال من قبل، مصدر دعم خارجي من جانب المنظمات الدولية وإيران ودول الخليج العربي.
هذا العجز الجلي للنظام أمام إسرائيل ليس مصدره ضعف في القدرات وحسب، بل لأن إسرائيل، والقاصي والداني، باتوا يعلمون أن الحفاظ على أمن سوريا وسلامة أراضيها ومواطنيها هو آخر هموم النظام.
إن النظام الذي يعجز عن فعل أي شيء أمام القصف الإسرائيلي شبه اليومي في عمق الأراضي السورية، فضلًا عن قضم إسرائيلي مستمر لأراضٍ سورية على طول الشريط الحدودي، من الطبيعي أن يقف عاجزًا أيضًا عن حماية المعابر الحدودية، برغم عدم وجاهة الحجج الإسرائيلية، ما يضيق الخناق أكثر على نحو عشرة ملايين سوري يعيشون في المناطق التي يسيطر عليها، خاصة مع الإغلاق شبه المتواصل لمطاري دمشق وحلب بسبب القصف الإسرائيلي أيضًا، في حين يبقى معبر نصيب ضعيف الفاعلية نظرًا لبعده عن العاصمة وطريقه غير الآمن بسبب الأوضاع الأمنية في درعا وانتشار ظاهرة الخطف على نحو واسع.
وهذا العجز الجلي للنظام أمام إسرائيل ليس مصدره ضعف في القدرات وحسب، بل لأن إسرائيل، والقاصي والداني، باتوا يعلمون أن الحفاظ على أمن سوريا وسلامة أراضيها ومواطنيها هو آخر هموم النظام، وهدفه الأوحد هو البقاء في السلطة بأي ثمن، ولو على أشلاء وكرامة بلاده ومواطنيه.
المصدر: تلفزيون سوريا