شنت مليشيات النظام خلال الأسبوع الماضي أكبر حملة اعتقالات في الغوطة الشرقية منذ سيطرت عليها في آذار/مارس، وطالت المئات من المنشقين أو المتخلفين عن الخدمة العسكرية، ونشطاء سابقين في الثورة.
ونفذت الميليشيات حملات الاعتقال في سقبا وحمورية ودوما ومسرابا والمرج وعين ترما وجسرين، وكان لمدينتي زملكا وعربين النصيب الأكبر منها. إذ أنه، ولأول مرة منذ سيطرتها على الغوطة الشرقية، حاصرت مليشيات النظام زملكا بالكامل وأغلقت جميع منافذها وشنت فيها عمليات اعتقال واسعة بذريعة قيام خلايا مسلحة تابعة للمعارضة باستهداف بعض حواجز النظام في المدينة.
وأوضح مصدر “المدن” من زملكا، أن الأهالي سمعوا أصوات إطلاق نار كثيف في شوارع المدينة تلاه استنفار كبير لعناصر النظام وإغلاق كافة منافذ المدينة، ثم بدأت عملية مداهمة منازل المدنيين واعتقال المطلوبين. ونفى المصدر ذاته رواية النظام بوجود عناصر مسلحة نشطة تابعة للمعارضة في زملكا، متهماً النظام بتدبير هذه المسرحية كعادته لتبرير حجم الاعتقال الكبير بحق الأهالي.
ويبدو أن رواية النظام الجديدة عن وجود مسلحين لن تقف عند زملكا إنما ستتعداها إلى مختلف مدن الغوطة الشرقية لتمنح نفسها حق اعتقال المطلوبين رغم عدم تصديقها حتى في أوساط المؤيدين الذين يوافقون النظام على مبدأ “الغاية تبرر الوسيلة”.
وكانت مليشيات النظام عند سيطرتها على الغوطة الشرقية، وتقسيمها إلى قطاعات، قد أغلقت جميع مداخل زملكا الفرعية بالسواتر الترابية، وأبقت على ثلاثة مداخل؛ اثنان للمدنيين أحدهما يربطها بعربين والآخر بعين ترما، وأما المدخل العسكري فهو طريق جسر المتحلق. وخلال الحملة الأخيرة أغلقت مليشيات النظام طريقي عربين وعين ترما، وأبقت فقط على طريق الإمداد العسكري مفتوحاً.
واعتقلت المليشيات شباناً متخلفين أو منشقين عن الخدمة العسكرية، ونشطاء ثوريين، وبعض التجار غير المتورطين بالعمل الثوري، بغرض الابتزاز المادي ومصادرة أملاكهم الخاصة.
وشهدت زملكا سابقاً عمليات اعتقال منظمة وهادفة طالت نساء بينهنّ ممرضات كنّ يعملن في المجال الطبي خلال سنوات حصار الغوطة ومعلمات في المدارس، كما طالت الاعتقالات أعضاء سابقين في المجلس المحلي وحَفّاراً للقبور.
مصدر خاص قال لـ”المدن” إن النظام يسعى لتحديد أماكن قبور ضحايا مجزرة كيماوي العام 2013، والتي كان لزملكا النصيب الأكبر من ضحاياها. وسيعمل النظام على ترحيل جثث الضحايا إلى مقبرة نجها قرب الكسوة، وتغيير معالم مقبرة الشهداء في زملكا لإخفاء بقايا أدلة الجريمة، معتمداً في ذلك على حفاري القبور، وبعض العاملين في المجال الطبي.
واعتقلت ميليشيات النظام في الايام الماضية 170 شخصاً من عربين بينهم نشطاء ثوريين وعناصر سابقين في فصائل المعارضة وشباباً منشقين أو متخلفين عن الخدمة العسكرية.
وساقت المليشيات 42 شاباً من المعتقلين فوراً إلى الخدمة العسكرية، ليتبعوا دورة تدريبية في معسكر الدريج في منطقة القلمون، وبعدها سيتم توزيعهم على جبهات القتال في مختلف التشكيلات العسكرية. ومن أولئك العناصر قادة سابقين في فصائل المعارضة خاصة من “جيش الإسلام”، ممن طلبت منهم قيادة “الجيش” خلال مفاوضاتها مع الروس قبل تهجير دوما البقاء في مدنهم، ليعودوا لاحقاً إلى صفوف “جيش الإسلام” الذي كان مفترضاً بقاؤه في دوما. فشل المفاوضات حينها مع الروس، وتهجير “جيش الإسلام” إلى الشمال السوري وضع أولئك العناصر في مأزق حقيقي، سيقوا بسببه إلى الخدمة العسكرية في قوات النظام وربما سيزجّ بهم ليقاتلوا رفاقهم المُهجّرين في جبهات الشمال السوري.
وانتشرت صور في وسائل التواصل الاجتماعي، تُظهر عناصر وقادة سابقين في المعارضة من مختلف مدن الغوطة متطوعين ومجندين في قوات النظام، محملين في سيارات عسكرية تقلهم إلى معسكرات التدريب. ونُقل عن بعض المتطوعين استيائهم من إمكانية فرزهم إلى جبهات القتال الساخنة خارج محافظة ريف دمشق، وهو عكس ما وُعدوا به قبل التطوع بأن يتبعوا دورة عسكرية لمدة 20 يوماً فقط ثم يكملوا خدمتهم في محافظتهم.
فروع الأجهزة الأمنية وجهت أسئلة لمعتقلين جدد من عناصر سابقين في المعارضة المسلحة عن أسماء زملائهم الذين شاركوا في معركة عدرا العمالية في كانون أول/ديسمبر 2013، وعن القادة الميدانيين خلال الاقتحام وعن أماكن دفن جثث عناصر مليشيات النظام فيها، وعن أسماء بعض أسرى النظام في المعركة والأماكن التي نقلوا إليها، بالإضافة إلى أماكن دفن فصائل المعارضة الأسلحة والذخيرة أو الأموال قبيل التهجير إلى الشمال.
ووجهت الأجهزة الأمنية للمعتقلين من النشطاء الثوريين السابقين أسئلة عن مصادر دعم المؤسسات الثورية وارتباطاتها الدولية وعن مصير الكتل المالية المتبقية في صناديقها وطالبتهم بالضغط على النشطاء المُهجّرين لإغلاق الصفحات الإعلامية التي تحتوي على توثيق سنوات حصار الغوطة والحملات العسكرية عليها.
وتشهد مدينة دوما يومياً عمليات دهم واعتقال واسعة تطال مختلف الشرائح وكان أبرز المعتقلين رئيس المجلس المحلي السابق خليل عيبور. وقد وُثّقت عمليات قتل لبعض المعتقلين تحت التعذيب من بينهم رجل مسن يدعى صبحي بويضاني اعتقلته الأجهزة الأمنية بعد عودته من الشمال السوري. وباشرت الأجهزة الأمنية بسوق الشبان الذين أجروا “التسوية” إلى الخدمة العسكرية بعد إتمامها عن طريق الفرق الحزبية، أما الذين لم ينجزوا “التسوية” فيتم اعتقالهم وسوقهم فوراً خلال مداهمة أحياء المدينة.
ولا يبدو التجنيد الإلزامي أو الخدمة الاحتياطية منظماً وفق قوائم معتمدة، وسجّلت حالات دفع فيها بعض الشبان مبالغ مالية قد تزيد على مليون ونصف مليون ليرة سورية، كرشاوى للجهات الأمنية، مقابل السماح لهم باتباع دورة عسكرية مدتها 45 يوماً، لا كامل الخدمة العسكرية. ويثير ذلك التساؤل عن ماهية الخدمة العسكرية المفترضة والجهة المشرعة لها.
وقسّمت مليشيات النظام الغوطة الشرقية إلى قطاعات يخضع كل منها لسلطة إحدى المليشيات وتشرف عليه الأجهزة الأمنية، وتكون سلطات الأمر الواقع هذه هي المسؤولة أمنياً وعسكرياً عن قطاعها. وخُصص لكل قطاع معبر مدني إلى خارج الغوطة، مختلف عن القطاعات الأخرى. فبات منفذ قطاع دوما أوتستراد دمشق-حمص، ومنفذ قطاع عربين/زملكا باتجاه “المخابرات الجوية” على الأوتستراد وهو تحت سيطرة “الفرقة الرابعة”، في حين أن قطاع سقبا/جسرين/كفربطنا تحت سلطة “الحرس الجمهوري” ومنفذه جسرين باتجاه المليحة. قطاع حزة/حمورية/مسرابا/مزارع الإفتريس تحت سيطرة مليشيا “قوات النمر” ومنفذه من طريق جسرين باتجاه المليحة، وقطاع حرستا تحت سيطرة “الفرقة الرابعة” ومنفذه إلى الأوتوستراد من جهة الموارد المائية. وقطاع جوبر، بات منطقة عسكرية بامتياز، يمنع دخول المدنيين إليه ويشهد عمليات تجريف وحفر يومية، مجهولة الأسباب.
وتظهر التطورات الأمنية الأخيرة في الغوطة الشرقية انتهاء شهر العسل بين النظام والأهالي، إذ بدأت العلاقة بالمهرجانات والحفلات الجماعية، وعادت إلى الاعتقالات والتجنيد الإجباري، وغالباً ما ستنتهي بأرقام لجثث في المعتقلات، أو توابيت تلفها أعلام النظام.
المصدر: المدن