تواصل قوات النظام السوري إرسال التعزيزات العسكرية نحو محافظة إدلب في وقت تختلف الآراء حول واقع المعركة التي بات حصولها مرتبطا بنتائج المباحثات الروسية – التركية.
وفي حين يتوقّع محللون أن تقتصر العمليات العسكرية على مناطق استراتيجية بالنسبة إلى النظام وتؤكد فصائل معارضة أنها حصلت على تطمينات تركية بعدم انطلاقها، يستبعد مدير المرصد، رامي عبد الرحمن حصول المعركة. وأوضح لـ«الشرق الأوسط» «لغاية الآن يمكن القول بأن المعركة لن تحصل، وتركيا وعدت بإنهاء ما يسمى بـ«الفصائل الجهادية»، في إشارة إلى «هيئة تحرير الشام»، قبل منتصف شهر سبتمبر (أيلول) المقبل». يأتي ذلك في وقت هزّ انفجار أمس مقرا تابعا لـ«الجبهة الوطنية للتحرير» في منطقة كفرلاته بريف مدينة أريحا في إدلب، ما تسبب بمقتل شخصين وسقوط عدد من الجرحى بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان. ورجحت مصادر أهلية، بحسب المرصد، أن الانفجار ناجم عن تفجير استهدف المقر بواسطة آلية مفخخة، وأتى بالتزامن مع التوتر الذي تشهده محافظتي إدلب وحلب، بين «الجبهة» و«الهيئة» حول استيلاء الأخيرة على مقار للأولى بما فيها أسلحة ومعدات. وتقع المحافظة على الحدود التركية، ويرجح أن تحدد مصيرها اتفاقات دولية ترسمها خصوصا روسيا، حليفة دمشق، وتركيا الداعمة للمعارضة، لا الهجوم العسكري فحسب.
وحقق النظام خلال السنتين الماضيتين انتصارات ميدانية متتالية على حساب الفصائل التي لم تعد تسيطر سوى على ثمانية في المائة من الأراضي السورية، وبين هذه الفصائل هيئة تحرير الشام.
ومنذ العاشر من أغسطس (آب) الجاري، تستهدف قوات النظام بالسلاح المدفعي وبوتيرة أقل بالغارات الجوية، مناطق عدة تحت سيطرة الفصائل تمتد من جنوب إدلب إلى ريف حلب الغربي وريف حماة الشمالي، بعد إرسالها تعزيزات عسكرية إلى المنطقة، وصفتها صحيفة «الوطن» المقربة من النظام إنها «الأضخم في تاريخ الحرب السورية».
ويقول الخبير في مؤسسة «سنتشري فاونديشن» الأميركية آرون لوند لوكالة الصحافة الفرنسية، بأن «الدبابات تتجه شمالاً، والمسؤولون الروس والسوريون يقرعون طبول الحرب إعلامياً (…) الأرجح أن تكون هناك عملية ما».
وتسيطر الهيئة على الجزء الأكبر من محافظة إدلب بينما تتواجد فصائل أخرى في بقية المناطق، وتنتشر قوات النظام في الريف الجنوبي الشرقي. كما تتواجد الهيئة والفصائل في مناطق محاذية في ريف حلب الغربي وريف حماة الشمالي واللاذقية الشمالي.
وتأخذ الفصائل أي هجوم مرتقب على محمل الجد. وينهمك مقاتلوها، وفق مراسل للوكالة الفرنسية، بحفر الخنادق ووضع السواتر الترابية في مناطق قريبة من تلك الواقعة تحت سيطرة النظام.
ويرجح محللون بينهم لوند أن تكون العملية المقبلة «محدودة» وتقتصر على مناطق عند أطراف محافظة إدلب التي تستضيف أيضاً الآلاف من مقاتلي المعارضة الذين تم إجلاؤهم على مراحل من مناطق عدة، إثر رفضهم اتفاقات تسوية مع دمشق.
ويقول الباحث في المعهد الأميركي للأمن نيكولاس هيراس «دمشق تسير في طريق الحرب….. بنظر دمشق هناك أجزاء ضرورية (…) يمكنها السيطرة عليها لضمان أمن اللاذقية (الساحلية) والطريق (الدولي) بين دمشق وحلب».
ويشير المحللون إلى مناطق عدة سيتم استهدافها عند الأطراف، بينها تلك الممتدة بين جسر الشغور في جنوب غربي إدلب وسهل الغاب الواصلة بين إدلب وشمال حماة، وأخرى تقع على جانبي جزء من الطريق الدولي حلب – دمشق.
وتطلق تسمية سهل الغاب على منطقة زراعية تقع معظمها في شمال حماة وتمتد إلى جنوب غربي إدلب بمحاذاة جسر الشغور. وتكمن أهمية سهل الغاب وجسر الشغور المحاذي لها في قربها من محافظة اللاذقية ومنطقة الساحل، المعقل الأساسي للطائفة العلوية التي يتحدر منها رئيس النظام بشار الأسد.
ويقول الباحث في مجموعة الأزمات الدولية سام هيلر، إن «الروس مقتنعون بأن الطائرات من دون طيار التي تستهدف قاعدتهم الجوية (في حميميم) في اللاذقية تنطلق من هذه المنطقة حول جسر الشغور».
كما لمنطقة سهل الغاب، وفق قوله، «أهمية خاصة بالنسبة لدمشق، كونها تهدد مناطق تشكل نواة الموالين لها» في الساحل السوري.
أما الهدف الثاني من العملية فقد يكون استعادة وضمان أمن كامل الأوتوستراد الدولي حلب – دمشق الذي يمر في جنوب وشرق إدلب. ومن أجل ضمان أمنه، سيكون على قوات النظام استعادة قرى جنوب غربي حلب وصولاً إلى جنوب إدلب.
بالنسبة إلى النظام، تشكل استعادة إدلب أهمية رمزية، لأنها ستعني نهاية المعارضة المسلحة ضده. وتندرج محافظة إدلب مع أجزاء من المحافظات المحاذية لها ضمن آخر مناطق اتفاقات خفض التوتر التي ترعاها روسيا وإيران وتركيا بموجب اتفاق أستانا. ولإدلب خصوصيتها كونها المعقل الأخير لهيئة تحرير الشام. كما تُعد منطقة نفوذ تركي، وتنتشر فيها نقاط مراقبة تركية تطبيقاً لاتفاق خفض التوتر.
ويتفق محللون على أن أي عملية عسكرية محتملة في إدلب يجب أن تحظى بموافقة أنقرة التي تخشى موجات جديدة من اللاجئين إليها.
ويقول الباحث في معهد الشرق الأوسط تشارلز ليستر: «من المحتمل أن توافق تركيا على خسارة بعض المناطق عند الأطراف، بشرط أن تضمن استمرارية سيطرتها على وسط إدلب والمنطقة الحدودية» شمالاً.
وتطلب روسيا من تركيا إيجاد حل لإنهاء وجود هيئة تحرير الشام المصنفة «إرهابية» في إدلب لتفادي عملية واسعة.
وتعمل أنقرة حالياً على توحيد صفوف الفصائل لأي مواجهة محتملة مع «هيئة تحرير الشام».
ويوضح هيراس أن «روسيا كانت واضحة (…) إما أن تجد تركيا حلاً لمشكلة القاعدة في إدلب الكبرى أو يفعل الأسد ذلك بأي طريقة مناسبة».
ويرى أن الخيار الوحيد لذلك يكمن في أن «تحمل المجموعات التي عملت على مر سنوات مع هيئة تحرير الشام السلاح ضدها وتنهي نفوذها في إدلب الكبرى مرة واحدة وإلى الأبد».
المصدر: الشرق الأوسط