نشرت المصارف السورية الخاصة، نتائج أعمالها نصف السنوية للعام 2018، مسجلة ارتفاعاً في أرباحها وموجوداتها (أصولها)، وسط سيطرة لقطاع الصيرفة الإسلامية. ثلاثة مصارف إسلامية تصدرت قطاع الصيرفة الخاص الذي يضم 14 مصرفاً. والقطاع المصرفي الإسلامي جاذب لرجال الأعمال الذين تربطهم علاقات وثيقة مع النظام وحلفائه.
وبلغ حجم أصول المصارف الخاصة السورية تريليوني ليرة سورية، ما يعادل 4.1 مليار دولار أميركي، شكّلت موجودات المصارف الإسلامية الثلاثة منها 1.6 مليار دولار أي بنسبة 39.8 في المائة. وبالمقارنة مع نتائج العام 2017 نجد أن حجم موجودات المصارف السورية الخاصة قد ارتفع بنسبة 6.04 في المائة، خلال النصف الأول من العام 2018.
وحلّ “بنك البركة الإسلامي” أولاً من حيث حجم الموجودات بقيمة 375.5 مليار ليرة، ما يعادل 837 مليون دولار، بارتفاع بنسبة 14.4% عن العام 2017، وتبعه “بنك سوريا الدولي الإسلامي” بقيمة 285.5 مليار ليرة (635 مليون دولار) بانخفاض قدره 1.2% عن العام 2017. أما ثالثاً، فقد سجل “بنك بيمو السعودي الفرنسي”، وهو بنك غير إسلامي، موجودات قدرها 273 مليار ليرة (607 مليون دولار). في حين أن “مصرف الشام الإسلامي”، الذي مازال يرزح تحت العقوبات الأميركية، سجّل ارتفاعاً في موجوداته بنسبة 3% لتبلغ 139 مليار ليرة (311 مليون دولار).
أكثر المصارف الخاصة زيادة لموجوداتها، من حيث النسبة، كان “بنك الشرق” التابع لـ”مجموعة البنك اللبناني الفرنسي”، إذ سجّل زيادة بنسبة 35% وبلغت قيمة أصوله 61.9 مليار ليرة (138 مليون دولار).
ومن حيث الودائع، فقد سجل “بنك بيمو السعودي الفرنسي” أعلى رصيد لودائع الزبائن في المصارف الخاصة، وبلغ 222.4 مليار ليرة (493 مليون دولار)، شكلت لوحدها نسبة 19.7% من أجمالي ودائع الزبائن في القطاع الخاص المصرفي. وتلاه “بنك سوريا الدولي الإسلامي” بـ180.4 مليار ليرة (400 مليون دولار) وبنسبة 16% من حجم ودائع الزبائن الكلي.
إجمالي حجم ودائع الزبائن في المصارف الخاصة السورية بلغ 1.1 تريليون ليرة (2.5 مليار دولار) بزيادة قدرها 10% عن حجم الودائع نهاية العام 2017. حجم كبير للودائع تبقى مهمة تشغيله هي التحدي الأكبر الذي يواجه القطاع المصرفي السوري بشكل عام. فلا استقرار سياسياً أو اقتصادياً يلوح في الأفق.
وتلجأ معظم المصارف إلى تشغيل ودائع الزبائن في عمليات الإقراض لتحقيق الأرباح، لكن هذه العملية تعثرت خلال سنوات الحرب، واقتصر الإقراض على الزبائن المعروفين من قبل المصارف. ورغم ذلك، نجد أن حجم محفظة التسليف لجميع المصارف السورية بلغت 322 مليار ليرة (715 مليون دولار). وقد استأثر “بنك بيمو السعودي الفرنسي” بصدارة المصارف الخاصة من حيث التسليف، وبلغ حجم محفظته مع نهاية النصف الأول من العام الجاري 56.4 مليار ليرة مشكلاً نسبة 18% من إجمالي حجم تسليف المصارف الخاصة السورية، وتلاه “بنك سوريا الدولي الإسلامي” بواقع 52.2 مليار ليرة، و”بنك البركة الإسلامي” بـ40.7 مليار ليرة، ثم “بنك الشام الإسلامي” بـ41.5 مليار ليرة.
المصارف الإسلامية الثلاثة قامت بعمليات تسليف واقراض بقيمة 134.5 مليار ليرة، مشكلة نسبة 42% من حجم الإقراض الكلي للمصارف الخاصة. وهذا يدل على ارتياح في اجراء الصفقات الكبيرة عبر هذه المصارف. وتتردد أنباء، بين الاقتصاديين السوريين، عن استخدام المصارف الإسلامية لتمرير عقود وصفقات القطاعات الاستراتيجية كالنفط والقمح بين النظام السوري وروسيا. وتُعرف المصارف الإسلامية في سوريا بعلاقاتها القوية مع رجال النظام، بعدما تحولت إلى ملجأ للكثير من عمليات تمويل المستوردات المرتبطة بروسيا وإيران، مستظلة بشبكة البنوك الخارجية الكبيرة التي تتعامل معها كـ”البنك التجاري الكويتي”، و”بنك أبو ظبي الإسلامي”، و”بنك البركة –تركيا”، ومؤخراً “البنك العربي الإفريقي الدولي”.
وعلى عكس المصارف الإسلامية، تعتمد المصارف التقليدية بشكل رئيس على الصفقات المحلية، ورجال الأعمال المعروفين، ولا تغامر كثيراً بعلاقاتها المالية خوفاً من أن تطالها العقوبات الاقتصادية، وما يمكن أن يلحق من ضرر على مصارفها الأم في لبنان. ويعني ذلك، عدم رغبة معظم المصارف التقليدية، كسياسة ائتمانية عامة لها، الدخول مع رجال الأعمال الجدد الذين ظهروا بقوة على الساحة السورية، أثناء الحرب.
من حيث الأرباح، طغت التراجعات على معظم المصارف السورية، وسجلت ثمانية مصارف تراجعات كبيرة مع نهاية حزيران/يونيو، في حين حققت 6 مصارف زيادة في الأرباح. وهنا أيضاً، تصدر “بنك البركة الإسلامي” قائمة المصارف من حيث الأرباح الصافية التي بلغت مع نهاية الفترة 2.3 مليار ليرة، وتلاه “بنك سوريا الدولي الإسلامي” بواقع 1.4 مليار ليرة، ثم “بنك بيمو السعودي الفرنسي” بواقع 1.3 مليار ليرة.
“بنك بيبلوس” سجّل خسارة بقيمة 206 مليون ليرة، و”البنك العربي-سوريا” سجل خسارة كبيرة بقيمة 788 مليون ليرة. “بنك سوريا والخليج”، الذي سبق وسجل خسارة قاسية في العام 2017 بلغت 1.1 مليار ليرة، عاد وسجل في النصف الأول من العام 2018 خسارة بواقع 203 مليون ليرة.
تريليون ليرة هو حجم ودائع الزبائن في المصارف الخاصة السورية، وهو رقم كبير مرشح للارتفاع مع التعليمات الجديدة التي أصدرها “مصرف سوريا المركزي” حول تعديل أسعار الفائدة، لتصبح أكثر مرونة. وبالتالي، من المفترض أن يُفتح المجال للمصارف للبدء في عملية الإقراض لأصحاب المشاريع صغيرة الحجم والمتوسطة، وذوي الدخل المحدود. وهو قرار يدرج ضمن آلية سحب الذرائع من المصارف، وهذا ما انعكس فعلاً على بعضها، إذ بدأت فوراً بالترويج لعدد من القروض وفق ضمانات عقارية وشخصية.
إعادة القطاع المصرفي إلى ما قبل العام 2011 هو أكبر من مجرد استهداف لشرائح مجتمعية متنوعة برفع الفوائد أو سياسات الإقراض. إذ أن حجم الإقراض لهذه الشرائح، هو الذي سيحكم مدى قدرة المصارف على التشغيل الفعلي لأموالها، بعيداً عن الصفقات مع القطاع الحكومي.
ودائع هذه الشرائح ستزداد نتيجة لقرارات “مصرف سوريا المركزي”، لكن التشغيل الفعلي يعني المخاطرة بتمويل شريحة كبيرة من المواطنين الذين يعانون من وطأة التضخم وعدم الاستقرار، وهذا ما لا يمكن تحقيقه على المدى المنظور من دون توقع خسائر مالية كبيرة. كما أن الخوف بدأ يتصاعد من ضغط “المصرف المركزي” على المصارف الخاصة لفتح باب الإقراض، ضمن تبنى مقولة “سوريا بخير”، بمعزل عن المخاطر التي يمكن أن تصيب أموال المودعين والمساهمين من سوريين وغيرهم على حد سواء.
المصدر: المدن